اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٦ تموز ٢٠٢٥
(يا بَنِيَّ لا تَدخُلوا مِن بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّه) يوسف67
الخوف يلف أجواء غزة كوشاح ثقيل، حيث لا ملجأ من الموت ولا مأمن من القصف، حتى غرف النوم تحولت إلى مقابر صامتة تشهد على وجع لا ينتهي. دائرة الاستهداف باتت فوضى مأساوية، تحكمها التكنولوجيا الحديثة والذكاء الصناعي، فتتوسع كل مرة لتبتلع المزيد من الأبرياء، ويزداد عدد الضحايا في كل لحظة، والقنابل الأمريكية الثقيلة تذكي هذا الجحيم بلا رحمة.
في ظل هذه المحنة، يصبح من الضروري أن تعود المقاومة إلى جذورها، إلى الخلايا الصغيرة المتناثرة، التي تتواصل بصمت وبعيدة عن أعين العدو، كما أوصى يعقوب عليه السلام: {لَا تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ} (يوسف 67).
ليست مجرد نصيحة، بل استراتيجية حياة في زمن الموت، تدعو للحذر والتخفي، وإلى كسر رتابة العيش تحت ظلال الموت، باختيار الوقت والمكان، والاعتماد على الحكمة في كل خطوة، فالله خير حافظ، والنجاة في الاتكال عليه والأخذ بالأسباب.
الخوف يسيطر على أجواء غزة حيث الموت والقصف والدمار يلاحق كل مواطن وأهله وجيرانه حيثما كان، فلا مكان آمن فعلاً في غزة على الإطلاق، حتى غرفة النوم غدت مقبرة للكثير من أهلها.
القدرة على تحديد دائرة الاستهداف مكانًا وزمانًا ومحيطه بقراءة لخارطة العدوان النازي المجرم في محرقة تسحق كل شيء في غزة معقدة وصعبة، والتي تعتمد على التكنولوجيا والتقنية والذكاء الصناعي، مما رفع نسبة واحتمالية الخطأ في دائرة القتل، فيشمل أكبر عدد وأوسع مساحة ويضاعف عدد الضحايا استخدام القنابل الأمريكية الثقيلة والغبية.
وهذا بقراءة علمية متأنية وقد أقرت عصابات العدوان بذلك، حيث يملأ سماء غزة طائرات الاستطلاع للعصابات والدول والأحزاب الظالمة التي تمارس الإبادة الجماعية وتعتمد على التكنولوجيا بأحدث أشكالها وتقنياتها في استهداف شعب أعزل، حيث شبكات الاتصال الفضائية هي المصدر الأهم والرئيس للوصول إلى المقاوم. ولم يكن لمجرمي الإبادة مانع من توسيع دائرة الاستهداف لقتل المئات وصولًا إلى شخص واحد، والشواهد على ذلك كثيرة، وتابعها العالم، وكتبت فيها تقارير، والضحايا آلاف مؤلفة من الأطفال والنساء الآمنين في بيوتهم ومراكز نزوحهم.
كل هذا يستدعي من فئة قليلة تقاوم ببسالة وتنتصر في معركة الإرادة وثبات الملحمة أن تحافظ على نفسها وبنيتها وعلى أهلها بتجنب الاتصال الفضائي بكافة أشكاله، والعودة إلى شكل إدارتها للمقاومة الذي انطلقت على أساسه كمجموعات وخلايا صغيرة تتواصل عبر الوسائل التقليدية وعبرة الرسائل، وقد تحتاج تواصل عبر نقاط ميتة أيضًا، وهذا ما كان في مراحل عديدة في محطات سابقة.
وصية يعقوب عليه السلام لأبنائه {لَا تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ} (يوسف 67) قرأها البعض في سياق الحسد، وهي أيضًا في سياق التحوط والأخذ بالأسباب حاضرة بقوة، وهي وصية في وضع خاص لم يصل إلى درجة الخطورة الشخصية المباشرة، فما بالكم بالمحرقة وحالة الاستهداف المباشر لكل شيء من بشر وشجر وحجر، كل ذلك يستدعي أخذ وصية يعقوب عليه السلام محمل الجد والأمانة بالتحوط الشديد وعدم الخروج إلا للضرورة، والتخلص من وسائل الاتصال التي توفر لعصابات الإبادة معلومات جيدة للاستهداف، وحال التحرك اختيار الوقت المناسب وتلمس الطريق وتغيير المسار كل مرة، والقضاء على كل أشكال الرتابة والسلوك المعتاد الذي حكم حياتنا على مدار سنوات، في غزة، لا تُقاوم الحياة بالقوة فقط، بل بالحكمة، والصمت، والباب المتفرق 'والله خير حافظًا'.