اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تعيش مدن الضفة الغربية منذ أشهر طويلة أزمة اقتصادية خانقة، تتجلى ملامحها في انكماش الدخل وتآكل مدخرات المواطنين، وسط حالة من الركود غير المسبوق تضرب الأسواق الفلسطينية.
وتعود جذور الأزمة إلى جملة من العوامل السياسية والأمنية والمالية، أبرزها منع الاحتلال لآلاف العمال الفلسطينيين من الوصول إلى أماكن عملهم، إضافة إلى القيود الأمنية المشددة بين المحافظات الفلسطينية، وتأخر تحويل أموال المقاصة من جانب الاحتلال، ما أدى إلى تراجع الدخل العام وتعطل الحركة الاقتصادية.
يقول أحمد بركات، عامل بناء فقد مصدر رزقه منذ أكثر من عام: 'كنت أعمل في الداخل المحتل وأعيل أسرتي المكوّنة من ستة أفراد. أبحث عن أي عمل يومي هنا في رام الله، لكن الفرص قليلة والأجور لا تكفي لشراء الحاجات الأساسية.'
ويضيف أنه استنفد مدخراته التي جمعها خلال سنوات عمله، واضطر إلى بيع بعض أثاث منزله لتسديد فواتير الكهرباء والمياه، متابعًا: 'كنا نحلم بشراء شقة صغيرة، أما اليوم فكل همّنا أن ندفع الإيجار نهاية الشهر.'
أما رائد الشكعة، صاحب متجر للملابس، فيقول: 'المبيعات انخفضت إلى أقل من النصف خلال العام الأخير. الناس تتردد كثيرًا قبل الشراء، وحتى في المواسم والأعياد، أغلب الزبائن يسألون عن التقسيط أو الخصومات، والبعض يكتفي بالمشاهدة دون شراء.'
ويضيف أن الركود دفع كثيرًا من التجار إلى تقليص الكميات المستوردة، وأنه بات يعتمد على تخفيض الأسعار لتصريف البضائع قبل أن تتكدس في المخازن.
من جانبها، تصف منى شحرور، وهي موظفة في القطاع العام وأم لثلاثة أطفال، الوضع بأنه 'أصعب فترة تمر بها منذ سنوات'، قائلة: 'رواتبنا أصبحت تُصرف مجزأة ومتأخرة، ومع ارتفاع الأسعار لم يعد الراتب يغطي سوى الأساسيات. كنا نخطط لتعليم أبنائنا في جامعات قريبة، أما الآن فنفكر في تقليل المصاريف إلى الحد الأدنى.'
وتوضح أن اضطراب الرواتب أثّر على مختلف جوانب الحياة، من دفع الإيجار والأقساط المدرسية، إلى القدرة على شراء الغذاء والوقود، مضيفةً: 'الناس هنا لم يعودوا يفكرون بالمستقبل، كل همّهم أن يمر هذا الشهر بأقل الخسائر.'
ويحذر الخبير الاقتصادي عبد الله ياسين من تفاقم حالة الركود التي يشهدها السوق المحلي نتيجة اختلال ميزان العرض والطلب، مؤكدًا أن هذه الظاهرة أصبحت إحدى أبرز المشكلات التي ترهق اقتصاد الضفة وتضعف قدرته على التعافي.
ويقول ياسين لـ 'فلسطين أون لاين': 'عندما يزداد العرض ولا يقابله طلب فعّال، تتكدس البضائع في المستودعات، وتتلف المواد الغذائية بانتهاء صلاحيتها، وتنتهي مواسم السلع الأخرى قبل أن تصل إلى المستهلك. هذه الصورة ليست نظرية اقتصادية بعيدة، بل واقع يعيشه كثير من التجار والمواطنين اليوم.'
ويضيف أن الظروف المعيشية الصعبة، وتراجع فرص العمل، وعدم انتظام الرواتب منذ سنوات، دفعت المواطنين إلى استنزاف مدخراتهم واللجوء إلى القروض أو بيع الممتلكات لبدء مشاريع صغيرة، إلا أن ضعف الطلب أحبط معظم هذه المحاولات.
ويؤكد ياسين أن استمرار الخلل ينذر بتراجع الإنتاج المحلي وزيادة الاعتماد على الاستيراد، مما يضغط على العملة والأسواق المالية، مشددًا على ضرورة 'إعادة ضبط الإيقاع بين الدخل والإنفاق، وتحفيز الإنتاج الحقيقي بدلًا من الاتكال على التجارة والاستهلاك المفرط.'
ويختم بالقول: 'بدون عمل منتج ودخل ثابت، سيبقى السوق هشًّا، وستظل عجلة الاقتصاد تدور في فراغٍ لا نهاية له. المطلوب اليوم ليس زيادة العرض، بل تحفيز الطلب من خلال تمكين المواطن اقتصاديًا وتحسين مستوى الدخل، لأن الإنسان هو المحرك الأول لأي اقتصاد ناجح.'

























































