اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٣ تموز ٢٠٢٥
نشر موقع ذا إنترسبت الأميركي تحقيقًا مطولًا كشف فيه عن 'كارثة إنسانية ممنهجة' تضرب قطاع غزة، نتيجة انهيار منظومة المساعدات الدولية واستبدالها بنظام توزيع عسكري مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة، ساهم – وفق التقرير – في مفاقمة الجوع، وإطالة أمد المجاعة، وتحويل المساعدات إلى أدوات للسيطرة في ظل حرب مفتوحة.
التحقيق أعدّه الصحفي الأميركي عفيف نسولي، الذي دخل غزة متطوعًا في منظمة طبية، وشهد بنفسه انهيار آليات التوزيع، وتوقف مطابخ مجتمعية كانت تُطعم آلاف الأسر. ونقل عن السكان والعمال الإغاثيين روايات عن أناس يتوسلون الطعام، أو يطاردون شاحنات الإغاثة، أو يطرقون الأبواب بحثًا عن كيس دقيق.
يسرد التقرير قصة الشاب الفلسطيني 'خليل'، 26 عامًا، من دير البلح، الذي خرج مع أشقائه وصديقه في العاشر من حزيران/يونيو، بعد سماع أنباء عن وصول شاحنة مساعدات إلى نقطة توزيع في منطقة نتساريم.
'لم أتناول طعاماً جيداً منذ أيام... الجوع أقوى من الخوف'، قال خليل، الذي فقد أكثر من 20 كيلوغرامًا من وزنه منذ بدء الحرب عام 2023.
انطلق خليل سيراً على الأقدام مع إخوته وصديقه. وأثناء سيره، سمع الشاب البالغ 26 عاماً قصفاً متقطعاً، لكنه شعر بأنّ الأمل في الحصول على الطعام يستحق المخاطرة. وقال خليل، الذي وافق على التحدث بشرط عدم ذكر كنيته: 'لقد بات الجوع أقوى من الخوف'.
وعندما وصلوا نحو الساعة 6:30 صباحاً، وجدوا حشداً غفيراً يتجمع عند نقطة توزيع المساعدات في نتساريم. وبحسب خليل، فإنّ 'الناس تبدأ بالتوجه إلى هناك قبل شروق الشمس، لأن الطوابير تصبح طويلةً للغاية'. وكان الكم الهائل من الناس اليائسين والجياع هائلاً. وقال: 'لم أتناول طعاماً جيداً منذ أيام. كنتُ أشعر بالدوار والوهن'.
وكان يتولى إدارة مركز توزيع المساعدات مُقدِّم مساعدات جديد بدأ عمله في غزة منذ بضعة أسابيع فقط. وقد لاحظ خليل بسرعة حضوراً عسكرياً في المكان، قائلاً: 'رأينا جنوداً إسرائيليين بزيّهم العسكري الكامل يقفون بجانب مركباتهم المدرعة. وصلنا ونحن ندرك أن الخطر يُحدق بالمكان. لكن لم يكن هناك أي اشتباك، ولم يشكلوا أي تهديد لهم'.
وقف خليل في الصف إلى جانب مئات آخرين. وكان هناك أطفال ونساء وشيوخ. وذكر أنّ 'بعضهم كان حافي القدمين، في ما البعض الآخر ينتظر منذ الليلة السابقة'. وبينما كانت مجموعته تقترب ببطء من النقطة التي كانوا يأملون فيها أن يتمكنوا من انتزاع طرد مليء بالأغراض، سُمع دوي طلقات نارية، فهرب خليل ونجا بحياته.
وفي هذا السياق، قال: 'لقد بدأوا بإطلاق النار مباشرةً على المدنيين العُزّل. وكانت الرصاصات تُلاحقنا كما لو كنا أهدافاً في ميدان رماية، لا مجرد جائعين. تفرقنا تحت وابل الرصاص. وكنتُ أقرب إلى الموت ذلك اليوم من قطعة خبز'.
لقد نجا خليل من رحلة البحث عن الطعام، ليموت جوعاً يوماً آخر.
'كنا أهدافًا في ميدان رماية'، يقول. استشهد 36 فلسطينيًا في تلك الحادثة، وأُصيب أكثر من 200 آخرين، وفق وزارة الصحة الفلسطينية. ويضيف التقرير أن أكثر من 875 فلسطينيًا استشهدوا منذ منتصف مارس أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء.
تفكيك منظومة الإغاثة... واستبدالها بكيان غير ربحي يعمل تحت إشراف الجيش الإسرائيلي
أظهر التحقيق أن إسرائيل منعت وصول المساعدات عن طريق الأمم المتحدة ووكالة الأونروا، بالتوازي مع تقليص تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) في عهد إدارة ترامب، ما ساهم في تفكيك النظام التقليدي للمساعدات.
وفي المقابل، تولّت 'مؤسسة غزة الإنسانية' – وهي منظمة حديثة تأسست في ولاية ديلاوير الأميركية في شباط/فبراير – توزيع المساعدات، بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، الذي وصفه التقرير بأنه مسؤول عن مقتل آلاف المدنيين خلال الحرب.
من 400 مركز توزيع إلى 4 فقط
وفق التقرير، انخفض عدد مراكز توزيع المساعدات من حوالي 400 إلى أربعة مراكز فقط بحلول يونيو. وقالت هانية الجمل، منسقة في منظمة 'أكشن فور هيومانيتي'، إن بعض هذه المراكز لا يعمل سوى ساعتين يوميًا، أو يُغلق بسبب 'الاعتبارات الأمنية'. ويُضطر السكان لمتابعة مواعيد الفتح عبر صفحة المؤسسة على فيسبوك.
أزمة متصاعدة: أسعار جنونية وتدمير الأراضي الزراعية
منذ فرض الحصار الإسرائيلي في 2 مارس/آذار، منعت تل أبيب إدخال المواد الغذائية إلى القطاع. وبحسب تقرير 'ذا إنترسبت'، فإن إسرائيل دمّرت نحو 83% من الأراضي الزراعية، ما أدى إلى نقص حاد وارتفاع جنوني في الأسعار.
ذكر التقرير أن سعر البصلة الواحدة بلغ دولارًا واحدًا بحلول أبريل، بعد أن كان سعر 3 كيلوجرامات لا يتجاوز 3 دولارات سابقًا، في ظل انهيار النظام المالي وتعطّل البنوك والصرافات، واعتماد السكان على وسطاء يتقاضون عمولات تصل إلى 40% للحصول على المال.
أرقام مرعبة: أكثر من 470 ألف شخص في خطر 'كارثي'
استنادًا إلى بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فإن جميع سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، بينهم نحو 470 ألف شخص في حالة 'كارثية'، ومليون آخرون في حالة 'طارئة'.