اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٧ حزيران ٢٠٢٥
مع دخول العدوان الإسرائيلي الغاشم على الجمهورية الإسلامية الإيرانية يومه الخامس، ثمّة عناصر وعوامل تحكم مسار هذا العدوان وتؤثّر فيه. ومن بين هذه العناصر 'مشكلة العمق الاسترايتجية' أو 'العمق الجغرافي' ومدى تماسك الجبهة الداخلية الإسرائيلية وصمودها في مواجهة الصواريخ الإيرانية، التي استمرت في ضرب العمق الإسرائيلي، بل وطالت حدود الكيان من شماله حتى جنوبه، وهو ما سوف نتناوله في هذا المقال.
يُعرّف الأمن القومي لأي دولة في العالم، بأنه قدرتها على الحفاظ على مصالحها والدفاع عنها. لكن تعريف الأمن القومي الإسرائيلي يكاد يكون شاذاً عن جميع تلك المفاهيم، إذ يعرّف ديفيد بن جوريون الأمن القومي الإسرائيلي بقوله: هو 'الدفاع عن الوجود'، مرهوناً بالهاجس الأمني الذي يقوم على الفرضية القائلة بأن إسرائيل موجودة في حالة خطر كياني دائم.
مشكلة العمق الاستراتيجي
منذ قيام الكيان الإسرائيلي سنة 1948، وضعت القيادة الإسرائيلية مسألة الأمن في قمة أولوياتها، وبلورت استراتيجية متكاملة لمفهوم أمن قومي وسبل تحقيقه، وقامت نظرية الأمن الإسرائيلي على ركيزة أساسية من ضمن ركائز أخرى، وهي ضرورة نقل المعركة إلى أرض العدو، اعتقاداً من بن جوريون إلى أنَّ أي معركة قد تجري على 'أرض الكيان الإسرائيلي' قد لا تمنحها الفرصة لإعادة ترتيب جيشها أو قوتها، نظراً لافتقادها العمق الجغرافي الملائم لذلك؛ وهذا الأمر يندرج في إطار 'مشكلة العمق الاستراتيجي'.
بحث صنَّاع القرار في 'إسرائيل' منذ بن جوريون إلى القادة الحاليين، كثيراً في مشكلة العمق الاستراتيجي، خصوصاً إذا كان هناك بحث في مسألة تسوية سلام أو مفاوضات إسرائيلية فلسطينية أو إسرائيلية عربية، وبالتأكيد في زمن الحرب والمعارك العسكرية.
ويمكن تعريف 'العمق الاستراتيجي' Strategic depth بأنه 'المنطقة الواقعة ما بين الخط الأمامي المتقدم، الذي تستطيع دولة ما أن تحتفظ فيه بقوات عسكرية للدفاع عن نفسها، وبين مناطقها الحيوية، من دون المساس بسيادة دولة أخرى'. و'المنطقة الحيوية' هي المنطقة التي يعني احتلالها من قبل العدو- القضاء على سيادة تلك الدولة، وبالنسبة لـ'إسرائيل' القضاء على الوجود المادي للدولة.
يمكن تعريف 'المنطقة الحيوية' في الكيان الإسرائيلي بأنها المنطقة التي تأخذ شكل مثلث، والتي تقع ضمن منطقة القدس-تل أبيب-حيفا، أو التي تُطلق 'إسرائيل' عليها اسم منطقة 'غوش دان' والتي تضم أكثر من 4 ملايين إسرائيلي؛ وتحتوي القسم الأكبر من المرافق الحيوية ومؤسسات الحكم.
عناصر العمق الاستراتيجي:
إن المسافة ما بين الخط الأمامي والمنطقة الحيوية، هي تعبير واحد، ولكنه ليس الوحيد، عن مفهوم العمق الاستراتيجي. ولن يكون هناك تعبير كامل لهذا المفهوم، إلا إذا أضفنا عليه المعطيات الآتية:
1. طول الخط الأمامي (الحدود في حالة 'إسرائيل').
2. والنسبة بين طول هذا الخط ومساحة المنطقة الواقعة التي يجب حمايتها منه (الخط).
3. والطابع الطوبوغرافي للخط الأمامي (الحدود) وتكوين المنطقة التي يجب الدفاع عنها.
يعرض هذا الجدول النسبة المذكورة في دول مختلفة من أنحاء العالم[1]:
اسم الدولة
النسبة بين طول الخط ومنطقة الدفاع (براً فقط)
1: 18
1 : 26
1 : 40
1 : 56
1 : 178
1 : 223
1 : 230
1 : 300 (نسبة تقديرية)
تجدر الإشارة إلى أن تجمعات سكانية ومرافق اقتصادية واستراتيجية مهمة، تتركز وراء المنطقة الحيوية. وتشكل إصابة هذه التجمعات والمرافق، أو فقدانها، ولو مؤقتاً، ضربة مادية ومعنوية قاسية بالنسبة إلى 'إسرائيل'. وتقع هذه التجمعات في الحالة الإسرائيلية على مقربة شديدة من الخط الأمامي وفي مساحة جغرافية ضيقة، وهذا الاقتراب ينطوي على المخاطر في حال نشوب حرب.
إن إمعان النظر في مجمل المعطيات المذكورة يدل على مدى ضعف 'إسرائيل' المنطقي والنسبي فيما يتعلق بالعمق الاستراتيجي.
--
[1] أهرون ياريف، العمق الاستراتيجي_وجهة نظر إسرائيلية، في أمن إسرائيل في الثمانينات، ترجمة: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1980، ص 23.