اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ١٨ أيلول ٢٠٢٥
تقرير – شهاب
لم يعد أمام سكان مدينة غزة سوى خيارين أحلاهما مُرّ، إما البقاء تحت القصف أو النزوح تحت النار، وكلاهما يعني مواجهة الموت بأشكاله المختلفة وأساليبه الشنيعة.
ومع دخول 'الروبوتات المفخخة' بقوة للعمليات العسكرية الإسرائيلية، ارتفعت وتيرة الخوف والدمار إلى مستوى غير مسبوق، إذ صارت هذه الآليات المتفجرة تقتلع الحجر والبشر معًا، وتحوِّل الأحياء المأهولة إلى ساحات رماد.
في معادلة الحياة اليومية داخل غزة، لم يعد ثمة فارق كبير بين من بقي محاصرًا داخل بيته تحت الخطر المباشر، وبين من نزح إلى مدارس مكتظّة، أو طرقات بلا مأوى، أو خيام لا تقي حرَّ الصيف ولا برد الشتاء؛ فالأول يواجه القصف وجهًا لوجه، والثاني يذوق الموت البطيء بكل ما يحمله من قهر وحرمان وذل.
كما أكدت شهادات الأهالي أن النزوح لم يعد فعلًا اختياريًا، بل اقتلاعًا قسريًا تحت ضغط القصف المستمر، إذ يقول أحد الناجين، إنه 'لا فرق بين أن تبقى أو ترحل؛ فالموت يلاحقك في كل مكان.. لكن أن تُمحى بيوت كاملة خلال لحظة، فهذا شعور لا يُحتمل'.
وأشارت تقارير حقوقية وصحفية إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي استعانت بعربات مفخخة يتم التحكم بها عن بُعد، محمَّلة بأطنان من المتفجرات، تُفجَّر وسط الأحياء السكنية المكتظّة، فيما وصفت منظمات دولية هذه الممارسات بأنها 'عشوائية ومدمِّرة'، وحذّرت من كونها انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي الإنساني.
مليون فلسطيني متجذرين بغزة
المكتب الإعلامي الحكومي، أكد إن أكثر من مليون فلسطيني ما زالوا متجذرين في مدينة غزة وشمالها، مشددًا على كذب رواية الاحتلال الإسرائيلي بوجود منطقة إنسانية وآمنة جنوبي القطاع.
وقال المكتب إن مليون مواطن في مدينة غزة ما زالوا متمسكين بأرضهم وبيوتهم، رافضين بشكل قاطع النزوح نحو الجنوب، رغم وحشية القصف وحرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في إطار تنفيذ جريمة 'التهجير القسري' الدائم المنافية لكافة القوانين والمواثيق الدولية.
وأوضح أن عدد سكان مدينة غزة وشمالها يبلغ أكثر من (1.3) مليون نسمة، بينهم نحو (398 ألفاً) من سكان محافظة شمال غزة، وقد نزح غالبيتهم قسراً إلى غرب المحافظة، إضافة إلى ما يزيد عن (914 ألفاً) من سكان محافظة غزة، بينهم ما يقارب (350 ألفاً) اضطروا للنزوح من الأحياء الشرقية للمدينة باتجاه وسطها وغربها.
وأشار المكتب إلى أن الطواقم الحكومية رصدت خلال الأيام الماضية تصاعد حركة النزوح القسري من مدينة غزة باتجاه الجنوب نتيجة جرائم الاحتلال الوحشية، حيث اضطر ما يقارب (190,000) مواطن لمغادرة منازلهم تحت وطأة القصف.
وأضاف 'في المقابل سجلت الطواقم أيضاً حركة نزوح عكسي، إذ عاد أكثر من (15 ألفاً) إلى مناطقهم الأصلية داخل مدينة غزة حتى ساعات ظهر اليوم الثلاثاء، بعد أن قاموا بنقل أثاثهم ومقتنياتهم لتأمينها في الجنوب، ثم عادوا لمدينتهم بسبب انعدام أدنى مقومات الحياة في الجنوب'.
وأكد أن منطقة المواصي في خان يونس ورفح، والتي تضم حالياً نحو (800 ألف) نسمة وتروّج لها سلطات الاحتلال زوراً كمناطق 'إنسانية وآمنة'؛ فقد تعرضت لأكثر من (109) غارات جوية وقصف متكرر خلفت ما يزيد عن (2,000) شهيد في مجازر متلاحقة ارتكبها جيش الاحتلال داخل المواصي ذاتها.
وتابع 'تفتقر هذه المناطق بشكل كامل إلى مقومات الحياة الأساسية، فلا مستشفيات ولا بنية تحتية ولا خدمات ضرورية من ماء أو غذاء أو مأوى أو كهرباء أو تعليم، ما يجعل العيش فيها أقرب إلى المستحيل'.
وشدد على أن المساحة التي خصصها الاحتلال في خرائطه كمناطق 'إيواء' لا تتجاوز (12%) فقط من مساحة قطاع غزة، ويحاول حشر أكثر من (1.7) مليون إنسان داخلها، في إطار مخطط لإنشاء 'معسكرات تركيز' ضمن سياسة التهجير القسري الممنهجة، بهدف تفريغ شمال غزة ومدينة غزة من سكانهما، في جريمة حرب مكتملة الأركان وجريمة ضد الإنسانية تخالف القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وأدان 'الإعلامي الحكومي' بأشد العبارات استمرار جرائم الإبادة الجماعية والتهجير القسري التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين، ونستنكر الصمت الدولي المعيب والتقاعس عن تحمل المسؤوليات القانونية والأخلاقية تجاه هذه الجرائم.
وحمّل الاحتلال الإسرائيلي وحليفه الاستراتيجي الإدارة الأمريكية، إضافة إلى الدول المنخرطة في جرائم الإبادة، المسؤولية الكاملة عمّا يجري وما سيترتب عليه من تبعات قانونية دولية.
وطالب المكتب المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والمحاكم والمؤسسات القانونية الدولية، بالتحرك الفوري والجاد لوقف هذه الجرائم، ومحاسبة قادة الاحتلال أمام المحاكم المختصة، وضمان حماية المدنيين وحقهم في البقاء على أرضهم بأمن وكرامة.
الأخطر في تاريخها
أكثر من عشرين من قادة وكالات الإغاثة الدولية العاملة في قطاع غزة وجهوا نداءً عاجلاً إلى قادة العالم، مطالبين بتدخل فوري لوقف ما وصفوه بجرائم الإبادة الجماعية، وذلك بعد أن أعلنت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة للمرة الأولى أنّ ما يجري في القطاع يرقى إلى جريمة إبادة.
وطالب المسؤولون، في رسالة رسمية إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بضرورة تحمّل المجتمع الدولي لمسؤولياته وفق التفويض الذي مُنح للأمم المتحدة قبل ثمانية عقود.
وأكدوا أنّ الوضع القائم لم يعد أزمة إنسانية فحسب، بل إبادة ممنهجة، مشيرين إلى أنّهم عاينوا بأعينهم أعداداً مروعة من الوفيات ومعاناة المدنيين.
وأضاف القادة أنّ عسكرة المساعدات الإنسانية أثبتت فداحتها بعدما قُتل الآلاف أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء، محذرين من أن استمرار هذا النهج يعني استنزاف حياة السكان وجرّ غزة إلى أخطر مراحلها.
يأتي هذا بينما تتواصل الإدانات الدولية لتوسيع الاحتلال الإسرائيلي هجومه البري على مدينة غزة ضمن ما تسميه 'عملية عربات جدعون 2'، في وقت أعلن فيه جيش الاحتلال دخول فرق عسكرية جديدة إلى المدينة مع نية تعزيز العمليات وصولاً إلى قلبها.
وفي السياق ذاته، حذّر خبراء أمميون من أنّ هذا التصعيد ستكون له عواقب كارثية على المدنيين، داعين الحكومات إلى التحرّك فوراً لمنع تفاقم الإبادة والمجاعة.
يان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، أكد بدوره أنّ نتائج لجنة التحقيق الأممية تثبت بما لا يدع مجالاً للشك ارتكاب جريمة إبادة في غزة، موضحاً أنّ القانون الدولي يفرض حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات إليهم.
من جانبه، شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على أنّ ما يجري في غزة يرقى إلى 'تدمير ممنهج للمدينة'، مؤكداً عزمه إبلاغ المحكمة الجنائية الدولية بخطورة الأوضاع.
وقال في مؤتمر صحفي إنّ الحرب في الأراضي الفلسطينية 'غير مقبولة أخلاقياً وسياسياً وقانونياً'، لافتاً إلى أنّ إسرائيل تمضي في عمليتها العسكرية حتى النهاية بدعم أميركي ومن دون استعداد لخوض مفاوضات سلام جدّية.
ومنذ أكتوبر عام 2023 ترتكب 'إسرائيل' بدعم أمريكي، حرب إبادة جماعية وجريمة تجويع في القطاع، أدت لاستشهاد أكثر من 65 ألف مواطن، وإصابة 165 ألفًا آخرين، ونحو 10 آلاف مفقود تحت الأنقاض، عدا عن تدمير نحو 80% من المباني السكنية، والبنية التحتية والخدمية، والمنشآت الاقتصادية.