اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٧ تموز ٢٠٢٥
في ساعات الصباح الباكر، خرجت سميرة عيسى (55 عامًا) من منزلها في مخيم المغازي، قاصدة سوق المخيم لشراء كيلو دقيق واحد تطعم به أبناءها، وسط مجاعة كارثية تضرب سكان القطاع البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة.
وبعد ساعات من البحث في سوق المخيم الواقع وسط قطاع غزة، لم تعثر الأم لستة أبناء على مرادها، حتى قدم بعض الشباب من مدخل المخيم يحملون على أكتافهم أكياس دقيق جلبوها من خارج المحافظة الوسطى، لبيعها في أسواق المغازي ودير البلح والنصيرات والبريج.
لحظات حتى امتلأ المكان بعشرات المشترين. وبصعوبة بالغة، تمكنت أرملة شهيد ارتقى خلال حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على غزة، من شراء كيلو دقيق بسعر 60 شيقل (نحو 20 دولارًا).
قالت بعد خروجها من وسط التجمهر: 'يا لها من مهمة شاقة... الحصول على كيلو دقيق واحد!'
وأضافت لصحيفة فلسطين: 'الجوع يقتل أبناءنا... لقد نهش أجساد الصغار والكبار!'
ثم صرخت بغضب: 'الناس تُقتل يوميًا بالصواريخ والجوع!' وتساءلت بحرقة: 'لماذا تجوّع (إسرائيل) سكان غزة؟ ألا تكفي الصواريخ والقذائف والأحزمة النارية؟' كما تساءلت: 'لماذا تدخل المساعدات من شمال القطاع وجنوبه دون أن تصل إلى مخيمات الوسط؟' معبرة عن غضبها من التداعيات الإنسانية والصحية والمعيشية والاقتصادية لهذه المجاعة الكارثية.
وأشارت إلى أن الاحتلال حوّل غزة إلى دمار وخراب حتى باتت غير صالحة للعيش، وتابعت: 'الآن لا نبحث سوى عن الدقيق... نريد أن ننجو من الموت جوعًا!'
وحتى اليوم، حصدت المجاعة وسوء التغذية أرواح 122 مدنيًا في غزة، بينهم 83 طفلًا، وفق وزارة الصحة التي تعاني من انهيار شبه كامل ونقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية.
بعدما انتهى البائع ناجي مصلح (40 عامًا) من بيع كيس دقيق جلبه من شاحنات المساعدات التي تدخل لصالح برنامج الأغذية العالمي عبر معبر كرم أبو سالم جنوب القطاع، أفاد بأنه خرج من منزله منذ الليلة الماضية، بانتظار وصول شاحنات الإمدادات الغذائية إلى خان يونس.
وقال مصلح: 'نخاطر بحياتنا من أجل جلب الدقيق لعائلتي أو للناس... لا خيار أمامنا سوى البحث عن الدقيق'، مشيرًا إلى أن غزة تعيش مجاعة كارثية، والناس يبحثون ليلًا ونهارًا فقط عن 'الدقيق... يا ليته كان متوفرًا!'
ينجح مصلح تارة في جلب الدقيق من نقاط توزيع المساعدات المعروفة بـ'المصائد الأمريكية'، والتي قتل الجيش الإسرائيلي على أبوابها نحو 1000 من طالبي المساعدات، بينهم أمه، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة. وتارة أخرى عبر شاحنات المساعدات التي يتعمد الاحتلال منع وصولها إلى برنامج الأغذية العالمي، ويقصف فرق التأمين الشرطية والعشائرية.
ومنذ 2 مارس/آذار الماضي، تُحكم (إسرائيل) حصارها العسكري المشدد على جميع معابر القطاع، ما تسبب في مجاعة غير مسبوقة في العصر الحديث. ورغم ضغوط جماهيرية وتقارير أممية، سمح الجيش الإسرائيلي بإدخال كميات محدودة من المساعدات الغذائية (دقيق فقط) خلال الأيام الماضية، لا تلبي سوى 5% من احتياجات غزة الهائلة.
وتُظهر المعطيات الحكومية والاقتصادية أن غزة تحتاج يوميًا من 600 إلى 800 شاحنة مساعدات، وهو ما يرفض الاحتلال السماح بإدخاله، مما يعمق تداعيات المجاعة وحرب الإبادة الجارية.
الذهاب شمالًا أو جنوبًا
غربي مخيم النصيرات، خرج الأب حاتم الشوبكي، برفقة مجموعة من جيرانه، على الأقدام عبر طريق البحر باتجاه مدينة غزة، وتحديدًا شمالها، بالقرب من حاجز زكيم العسكري، على أمل الحصول على كيس دقيق لعائلته من شاحنات الإمدادات الغذائية.
هذه ليست المحاولة الأولى للشوبكي (50 عامًا) من أجل جلب الدقيق لعائلته، وقال: 'لا يوجد دقيق في منزلي منذ أسبوعين... الجوع يذبحنا بصمت'.
وأوضح أن شاحنات الدقيق لا تمر إلا عبر كرم أبو سالم جنوبًا، وزكيم شمالًا، في حين لا تدخل أية شاحنة غذائية إلى مخيمات وسط القطاع، 'لذلك لا مفر من السير الطويل من أجل لقمة أبنائنا'.
ورغم علامات الإرهاق والهزال، لا يفكر الأب لسبعة أبناء في التوقف، حتى إنه لا يملك أجرة المواصلات. وقال بحرقة: 'لا مال، ولا ماء، ولا دواء، ولا طعام... الفقر والجوع يدفعانني للسير هذه المسافات... لم يبقَ أمامنا إلا الموت!'
وفي سياق متصل، حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، قائلة: 'إن اليأس بلغ ذروته'، في ظل الحرب والحصار والتهجير القسري والقصف المكثف.
لا شاحنات للمخيمات
وفي تعليق على غياب المساعدات، أفاد أحد نشطاء العمل الاجتماعي، المعروف بـ'أبو فراس'، أن وفدًا من وجهاء ومخاتير ونشطاء المحافظة الوسطى توجه قبل أيام إلى مقر برنامج الأغذية العالمي في دير البلح؛ لبحث غياب شاحنات المساعدات عن مخيمات وسط القطاع.
وأوضح 'أبو فراس' – الذي فضل عدم ذكر اسمه – أن الوفد ناقش مع إدارة البرنامج المجاعة الكارثية في غزة عمومًا، وغياب الإمدادات عن مخيمات الوسط خصوصًا.
وبحسب ما أُبلغ به الوفد، فإن برنامج الأغذية العالمي يعمل وفق إحداثيات ومسارات يحددها جيش الاحتلال لمسير الشاحنات، دون السماح بتجاوز مسافات معينة، ودون وجود فرق تأمين شرطية أو عشائرية.
وأقرت إدارة البرنامج بأن مخيمات المحافظة الوسطى لم يصلها أي نوع من الإمدادات الغذائية منذ بدء الحصار العسكري على غزة قبل خمسة أشهر، مؤكدة أنها 'لا تستطيع التدخل في مسار الشاحنات'، التي كثيرًا ما تتعرض للهجوم أو تنتهي في فوضى قبل أن تصل إلى مخازن البرنامج لتوزيعها بعدالة على العائلات الغزية.
وقبل أيام، أطلقت أكثر من 100 منظمة إنسانية دولية تحذيرًا صارخًا بشأن الوضع في غزة، قائلة: 'الأسواق خاوية من المواد الغذائية، النفايات تتراكم، الأمراض تنتشر، وسكان غزة ينهارون في الشوارع من الجوع والجفاف.'