اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٦ حزيران ٢٠٢٥
منذ تولّي حركة المقاومة الإسلامية 'حماس' الحكم في قطاع غزة، اتبعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة ممنهجة لتجفيف منابع التمويل المالي للقطاع، في محاولة لإضعاف الحكم وتقويض القدرات الاقتصادية.
تنوعت أدوات الاحتلال بين الحصار، والرقابة المصرفية، وتعقّب التحويلات الخارجية، لكن هذه السياسات تصاعدت بشكل غير مسبوق بعد السابع من أكتوبر 2023، لتتحوّل إلى استراتيجية شاملة تستهدف جميع مقومات الحياة الاقتصادية في غزة، ضمن حرب مدمرة تهدف إلى شلّ القدرات المالية والإدارية بشكل كامل.
يؤكد المختص الاقتصادي أحمد أبو قمر أن سياسات الاحتلال، منذ عام 2007 وحتى اليوم، تعكس مسعى ممنهجًا لتجفيف منابع التمويل في قطاع غزة كأداة استراتيجية لإضعافه.
وأوضح أبو قمر لصحيفة 'فلسطين' أن الاحتلال طوّر أدوات مركّبة تجمع بين الخنق المصرفي، واستهداف المؤسسات، والسيطرة على التحويلات الخارجية.
وأضاف أن القطاع، عقب تولّي 'حماس' الحكم، شهد وقف التحويلات المالية الرسمية، وفرض حصار مشدّد على البنوك والتحويلات.
وأشار إلى أن الفترة بين عامي 2013 و2020 كانت الأخطر تقنيًا، حيث توغّل الاحتلال في شبكة التمويل الدولية، ومنع تحويلات من جمعيات إسلامية في الخارج، وضغط على دول لتقييد قنوات الدعم المالي المباشر.
وبيّن أن سلطات الاحتلال استخدمت 'تكتيكات معقّدة' لتفتيت المشهد المالي في غزة، من بينها سياسة التجويع المالي عبر منع إدخال السيولة النقدية، وفرض حظر على الشيكات، إلى جانب التحكم الكامل بالمساعدات النقدية عبر آليات مراقبة دقيقة.
وحذّر أبو قمر من خطورة الوضع الذي يمر به القطاع المصرفي في ظل الحصار والتضييق المالي المتعمّد، مشيرًا إلى أن الهدف هو خنق النظام المالي المحلي وشلّ الحركة الاقتصادية.
وقال إن ما يجري اليوم من منع دخول السيولة، وفرض قيود على التحويلات البنكية، وتشديد الإجراءات على البنوك، يتم تحت ذرائع مثل 'مكافحة الإرهاب'، لكنه في الواقع أدى إلى تجفيف السيولة النقدية وخلق سوق سوداء تتحكّم بالقطاع المصرفي بشكل خطير.
ونوّه إلى أن هذا التضييق، إلى جانب تقييد إدخال السلع والخدمات المالية، أنهك النظام المصرفي، وأفقد المواطنين الثقة بالبنوك، ودفعهم للتعامل خارج الأطر الرسمية، ما زاد من حدّة الأزمة الاقتصادية.
وأكد أن القطاع المصرفي لا يقل أهمية عن أي قطاع حيوي آخر، بل يُعدّ عصب الاقتصاد، وأي خلل فيه ينعكس فورًا على جميع القطاعات الإنتاجية والخدمية.
كما أشار إلى وجود دعاوى قضائية إسرائيلية مرفوعة ضد بعض البنوك الفلسطينية، ما يفاقم تعقيد الأزمة القانونية والمالية التي يعيشها القطاع.
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي د. سمير الدقران أن الحرب الدائرة منذ أكتوبر 2023 مثّلت ذروة تطبيق استراتيجية التجفيف المالي الكامل، حيث جرى استهداف كل مظاهر البنية الاقتصادية، بما فيها البنوك، وشركات الصرافة، والأسواق، والمخازن التجارية.
وأضاف الدقران لـ'فلسطين' أن الاحتلال نقل المعركة من الميدان العسكري إلى العمق الاقتصادي والمعيشي، بهدف إنهاك المواطنين نفسيًا واجتماعيًا، ودفعهم نحو الانهيار الذاتي.
وأوضح أن ما يجري لا يقتصر على التضييق الاقتصادي، بل هو 'هندسة مالية عدوانية' تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الاقتصادي في غزة بما يخدم أهداف الاحتلال، من خلال تفكيك شبكات التمويل المحلية والدولية، وإخضاع أي نشاط اقتصادي للمراقبة أو المنع الكامل.
وأشار الدقران إلى أن الحرب الاقتصادية لا تقلّ خطورة عن الدمار الميداني، بل قد تكون آثارها أكثر تعقيدًا وطويلة الأمد، إذ تستهدف مستقبل الأجيال ومقومات النهوض الذاتي.
وأضاف أن الاستهداف شمل حتى البرامج الإنسانية والمساعدات، التي يتم توجيهها بطريقة مشروطة أو تُستخدم كأداة للابتزاز السياسي.
وبيّن أن تقارير اقتصادية محلية ودولية تؤكد انخفاض معدل السيولة في القطاع بأكثر من 60% منذ بداية الحرب، ما أدى إلى تعطل شبه كامل لرواتب القطاع الخاص، وتراجع القوة الشرائية، وتوقف عدد كبير من الأنشطة التجارية والخدمية.
وختم الدقران بالتحذير من استمرار الوضع الراهن في ظل غياب أفق لأي حل سياسي أو تدخلات إنسانية محايدة، داعيًا الجهات الدولية إلى اتخاذ خطوات عاجلة لوقف الانهيار الاقتصادي المتعمّد، والعمل على إنعاش الدورة الاقتصادية في القطاع بعيدًا عن الأجندات السياسية.