اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
أثار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة تساؤلات قانونية وسياسية حول مصير مذكرات التوقيف الدولية الصادرة بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، وما إذا كانت التطورات السياسية الجديدة قد تُحدث تأثيرًا على المسار القضائي المفتوح ضد قادة الاحتلال بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهم ارتكاب إبادة جماعية في غزة. وأكد المتحدث باسم المحكمة، فادي العبد الله، أن أوامر القبض لا تزال سارية المفعول، موضحًا أن 'المذكرات تظل قائمة ما لم يقرر القضاة سحبها لأسباب قانونية'، في إشارة إلى أن وقف الحرب أو توقيع اتفاق سياسي لا يلغي المسؤولية الجنائية الفردية.
تواجه المحكمة الجنائية الدولية منذ صدور أوامر التوقيف ضغوطًا وتهديدات أمريكية متصاعدة، إذ لوّحت واشنطن بفرض عقوبات شاملة على المحكمة، وسبق أن فرضت قيودًا على قضاة ومدعين شاركوا في ملفات تتعلق بإسرائيل والولايات المتحدة.
ورغم التحول السياسي بعد الاتفاق، تؤكد مصادر قانونية دولية أن المسار القضائي ضد نتنياهو وغالانت مستمر. فقد أوضح الخبير في القانون الجنائي الدولي المعتصم الكيلاني أن المحكمة 'رفضت طعون إسرائيل على اختصاصها'، ما يجعل أوامر التوقيف واجبة التنفيذ قانونيًا في جميع الدول الموقعة على نظام روما الأساسي، مضيفًا أن وقف القتال لا يُسقط المسؤولية الجنائية.
وأشار الكيلاني إلى أن جرائم الحرب تُلاحق مرتكبيها حتى بعد التسويات السياسية، مستشهدًا بتجارب يوغوسلافيا ورواندا، حيث استمرت المحاكمات رغم توقيع اتفاقات السلام.
وفي الاتجاه ذاته، شدّد أستاذ القانون الدولي محمد مهران على أن جرائم الحرب والإبادة لا تسقط بالتقادم، مؤكدًا أن المحكمة الجنائية الدولية 'مستقلة عن الإرادة السياسية للدول'، وأن اتفاقيات وقف النار 'لا تُلغي الملاحقات ولا تُعطّل أوامر القبض'.
انعكاسات سياسية داخل إسرائيل
ويرى مراقبون أن اتفاق غزة يمثل نقطة تحول سياسيًا وإنسانيًا، لكنه لا يغيّر من حقيقة أن جرائم الاحتلال خلال العامين الماضيين — من التجويع والحصار والقتل المتعمد للمدنيين — تبقى موثقة قانونيًا، وقد تشكّل أساسًا متينًا لأي إجراءات مستقبلية في المحاكم الدولية.
وفور إعلان وقف إطلاق النار، شهدت الساحة السياسية في تل أبيب جدلاً واسعاً حول مستقبل الحكومة، مع تزايد الدعوات داخل الائتلاف والمعارضة إلى التحضير لانتخابات مبكرة. ويرى خصوم نتنياهو أن الاتفاق يمثل بداية النهاية لحكومته بعد فشله في تحقيق أهدافه المعلنة ضد المقاومة في غزة.
وتوقعت صحيفة جيروزاليم بوست أن تسعى إسرائيل في المرحلة المقبلة إلى إقناع المحكمة الجنائية الدولية بعدم إصدار مذكرات جديدة قد تشمل قادة ميدانيين أو جنوداً في جيش الاحتلال، رغم أن قبول المحكمة بهذه الحجج غير مرجّح.
رفض قاطع من المحكمة الجنائية الدولية
في يوليو/تموز الماضي، رفضت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية طلب إسرائيل إلغاء مذكرتي الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت، مؤكدة استمرار التحقيقات في جرائم الحرب المرتكبة في قطاع غزة.
ويقول أستاذ القانون الدولي في جامعة النجاح الدكتور باسل منصور إن 'المحكمة ماضية في مسارها القانوني، ولا يمكن إلغاء مذكرة الإحضار طالما أن الجريمة مستمرة والأدلة قائمة'، مشيراً إلى أن المادة 58 من نظام روما الأساسي لا تتيح تعليق المذكرات أو سحبها.
استعدادات المحكمة لمواجهة العقوبات
في ظل تصاعد التهديدات الأمريكية، نقلت صحيفة فايننشال تايمز أن المحكمة بدأت باتخاذ تدابير وقائية لمواجهة احتمال فرض عقوبات جديدة، تشمل تقليص الاعتماد على مزوّدي خدمات أمريكيين في أنظمة البنية التحتية والتكنولوجيا، لتفادي أي تعطيل محتمل.
منذ رفع جنوب أفريقيا دعواها ضد إسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2023، أصدرت محكمة العدل الدولية ثلاث أوامر ملزمة طالبت فيها تل أبيب بوقف أعمال الإبادة وضمان إدخال المساعدات الإنسانية دون عوائق، كان آخرها في مايو/أيار 2024 بشأن العمليات في رفح.
بالمقابل، قدّمت إسرائيل طلب تمديد للمرافعات حتى يناير/كانون الثاني 2026، ومن المتوقع أن تعقد المحكمة جلسة استماع نهائية بعدها بنحو ستة إلى ثمانية أشهر، ما يجعل الحكم النهائي مرجّحاً في أواخر عام 2027 أو مطلع 2028، وفق تقديرات خبراء القانون الدولي.
وفي حال صدور حكم يدين إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة، فسيكون الحكم ملزماً قانونياً، ويُلزم تل أبيب بوقف أي أعمال إبادة وتعويض الضحايا الفلسطينيين، إضافة إلى تمكين النازحين من العودة الآمنة.
لكن تنفيذ القرار سيواجه عقبة في مجلس الأمن الدولي، حيث يُتوقّع أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو). وفي حال حدوث ذلك، يمكن للجمعية العامة للأمم المتحدة تفعيل قرار 'الاتحاد من أجل السلام' لفرض عقوبات أو حظر دولي جماعي.
ويرى مراقبون أن إدانة إسرائيل بهذا المستوى ستزيد من عزلتها الدولية وتدفع حلفاءها إلى إعادة النظر في تزويدها بالسلاح والدعم السياسي، خشية التورّط في التواطؤ مع جرائم الإبادة التي ارتكبت في قطاع غزة.

























































