اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٣ أب ٢٠٢٥
في جريمة جديدة ضد حرية الصحافة، اغتال جيش الاحتلال الإسرائيلي 6 صحفيين بينهم مراسلا قناة الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع بقصف خيمتهم في مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، في خطوة يراها مراقبون جزءًا من نهج ممنهج لإبادة الشهود وكتم الأصوات المهنية التي تنقل للعالم معاناة الفلسطينيين تحت القصف والحصار والإبادة.
ويرى مراقبون أن استهداف الصحفيين بهذا الشكل يعكس خوف (تل أبيب) من الصورة الصادقة التي تكشف جرائمها، ومحاولة لفرض صمت مطبق يُبقي روايتها وحدها حاضرة، في وقت تتصاعد فيه أعداد الضحايا بين المدنيين جراء الكارثة الإنسانية التي تعصف في القطاع.
وغيبت صواريخ طائرة حربية بدون طيار إسرائيلية، مساء الأحد الماضي، مراسل قناة الجزيرة أنس الشريف أيقونة التغطية الإعلامية للحرب على قطاع غزة رفقة مراسل القناة الآخر محمد قريقع و4 صحفيين آخرين، بعد استهداف مباشر لخيمتهم المقامة أمام بوابة مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة.
عقلية الغطرسة
يقول الأكاديمي والخبير في الشأن الإسرائيلي د. محمد هلسة إن النظر إلى اغتيال صحفيي الجزيرة في غزة من زاوية أنه محاولة لـ'كتم الحقيقة' فقط، فيه اجتزاء وتقليل من عمق الدوافع التي تحرك (إسرائيل)، موضحًا أن الأمر لا ينحصر في رغبتها في إسقاط الأصوات المنتقدة، لأنها تدرك أن هناك دائمًا من سيلتقط الراية ويواصل الطريق، بل يرتبط بعقلية راسخة تقوم على الاستعلاء والغطرسة وإنكار الآخر.
وأوضح هلسة لصحيفة 'فلسطين'، أن هذه العقلية الإسرائيلية المغلقة والمستعلية، ضمن منظومة فكرية ونفسية متصلبة، لا تسمح لها بتقبل أن يجرؤ أحد في العالم على انتقادها أو معارضة روايتها وسرديتها للأحداث، فهي – بحسب هلسة – تعتبر نفسها الطرف الوحيد الذي يحق له البكاء، وهي الضحية الحصرية التي لا يشاركها أحد في هذه المظلومية.
وأضاف: 'هذا النمط من التفكير خبرناه على امتداد سنوات طويلة من صراع (إسرائيل) مع العرب والفلسطينيين، فهي لا تسمح لأي طرف بأن ينازعها هذه الرؤية'.
وأشار إلى أن ظهور الصحفيين على وسائل الإعلام، وبثهم صور الضحايا الذين قتلتهم (إسرائيل)، يهدد هذه الحصرية التي تتمسك بها، ويكشف روايتها الزائفة، وهو ما يثير حنقها ويدفعها للانتقام ومحاولة إسكات هذه الأصوات بكل ما تملكه من فائض قوة، حتى لا يُسمع في المشهد إلا بكاء وأنين الإسرائيلي ومظلوميته.
ووفق هلسة فإن هذا السلوك الإسرائيلي لا يقتصر على الجغرافيا في غزة، فالاحتلال يمارس القتل المعنوي والسياسي والإعلامي بحق كل من ينتقده أو يخرج عن سرديته على الساحة الدولية. وقال: 'ربما لا تستخدم في ذلك الطائرات المسيرة أو الأسلحة، لكنها تمارس أشكالًا أخرى من القرصنة ضد كل الأصوات الدولية المعارضة، وتفرض العقوبات حتى على شركاء لها في المنظومة الدولية. هذا أيضًا قتل، وهو منع متعمد لظهور أي صوت معارض لسرديتها'.
الإفلات من العقاب
وعن غياب المحاسبة الدولية، شدد هلسة على أن المقولة المتداولة 'من أمن العقاب أساء الأدب' تنطبق تمامًا على سلوك الاحتلال، الذي عاش مطمئنًا للإفلات من المحاسبة طوال سنوات صراعه مع الفلسطينيين والعرب وخصومه، مؤكدًا أن ما هو أفظع من الفعل نفسه هو أن يمر بلا حساب أو مساءلة.
وأضاف: 'لقد اعتدنا أن نرى (إسرائيل) ترتكب الفظائع، مثلما حدث مع الصحفي أنس الشريف وزملائه، لكنهم في النهاية جزء من شعب يُقتل أطفاله ونساؤه يوميًا. (إسرائيل) شرعنت استهداف القطاع الصحي وشيطنته بمجرد ادعائها وجود مقرات لحماس تحت مستشفى الشفاء، فاستهدفت كل المنظومة الصحية، وخلقت المبررات والذرائع نفسها في استهداف الصحفيين، كما فعلت مع أنس الشريف وغيره'.
وتابع: 'المعضلة الأكبر أن (إسرائيل) مطمئنة إلى أنها تستطيع أن تختلق أي ذريعة وتمضي في جريمتها، ثم تفلت من العقاب. وربما تستعد الآن لاتهام طرف آخر لتستهدفه لاحقًا. الفظاعة الحقيقية أن العالم يمر مرور الكرام على ما يجري، ولا يقف لمحاسبة (إسرائيل) أو مساءلتها'.
وأكد هلسة أن هذا الواقع الصادم يعكس حالة التراخي التي يعيشها المجتمع الدولي، الذي يكتفي بالشعارات والإدانات التي 'لا تغني ولا تسمن من جوع'. وقال: '(إسرائيل) مطمئنة إلى فائض القوة الذي تمتلكه، وإلى فائض الحماية الذي توفره لها الولايات المتحدة، بينما الغرب متواطئ بكل منظوماته، وهو الذي عاقب روسيا 18 مرة، رغم أنها لم ترتكب في أوكرانيا عشر ما ارتكبته (إسرائيل) في فلسطين وغزة'.
فصل جديد
الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي د. عمار علي حسن يرى أن استهداف الصحفيين الشريف وقريقع لم يكن مفاجئًا، إذ كانا في الأشهر الأخيرة عين وأذن العالم أجمع على معاناة أهل غزة من المجاعة والفظائع التي يرتكبها جيش الاحتلال، موضحاً أن الشريف وقريقع مارسا شجاعة مهنية نادرة، غير آبهين سوى بفضح جرائم الاحتلال وإيصال صوت أهل غزة المحاصرين والمكلومين.
وأشار حسن، إلى أن رسالة وصية الشريف تبين أنه كان يتوقع استشهاده، وكان هو وزميله يدركان تمامًا حجم القلق الذي يشكلانه لحكومة وجيش الاحتلال بسبب مهنيتهما ومخاطرتهما في نقل الحقيقة، في ظل محاولات (إسرائيل) المستمرة للتعتيم على ما يجري في القطاع.
ولفت إلى أن الصحفيين الشهيدين تلقيا تهديدات متواصلة من جيش الاحتلال، وقد ذكرهما الإعلام العبري في (تل أبيب) كمنبر حي ونشط فضح ممارسات الجيش، وهو ما دفع الاحتلال إلى استهدافهما بشكل مباشر.
وبيّن أن الاحتلال يسعى منذ انطلاق 'طوفان الأقصى' إلى إسكات أي صوت يفضح حقيقة 'الإبادة الجماعية' التي يرتكبها، وقد قتل حتى الآن أكثر من مائتي صحفي فلسطيني، واعتقل آخرين، وأغلق مكاتب وسائل إعلام عربية ومنعت طواقمها من العمل في غزة، بما في ذلك قناة 'الميادين' وقناة 'الجزيرة'، مع تضييق حتى على الإعلاميين المحليين والإسرائيليين الذين يبثون ما لا ترضى عنه الحكومة.
وأشار إلى أن التحليل الأولي لاستشهاد الشريف وقريقع يدل على أن جيش الاحتلال يستعد لاجتياح بري كامل لغزة، وسيستخدم القسوة والعنف ضد المدنيين، في وقت تتحدث فيه أصوات داخل (تل أبيب) عن 'فشل ذريع' للجيش، بينما يصر متطرفون على التهجير القسري لسكان القطاع.
وشدد حسن على أن (إسرائيل) مارست خلال الحرب تعتيماً إعلاميًا غير مسبوق، بهدف إخفاء خسائرها العسكرية وتقليل الانتقادات، بالإضافة إلى الحفاظ على صورتها المزيفة كـ'الجيش الأخلاقي'، في حين تخفي نواياها في ارتكاب المزيد من الجرائم.
وأكد أن (إسرائيل) تسعى إلى إنقاذ ما تبقى من صورتها أمام الحلفاء الغربيين الذين يستثمرون فيها، كما تحاول حرمان المقاومة الفلسطينية من إيصال صوتها، في حين يرفع ذلك من الروح المعنوية للمقاومين ويزيد من ثقة المجتمع بهم، بعد أن ثبت للغزيين أن الاحتلال يريد اقتلاعهم من أرضهم.
وشدد حسن على أن استهداف الإعلام بهذه الطريقة يعكس توحش الاحتلال وعجزه، وأن اغتيال الشريف وقريقع هو بداية فصل جديد في الحرب على الحقيقة، وسط كارثة إنسانية متصاعدة.