اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١ تموز ٢٠٢٥
كان مساء أول من أمس ثقيلاً على سكان منطقة جباليا النزلة شمال قطاع غزة، لكنه لم يكن كأي مساء مرّ على غزة.
رائحة البارود سبقت الانفجار، والسكون الذي خيّم على المكان كان ينذر بعاصفة. وفجأة، عند الساعة السادسة مساءً، دوى صوت هائل، ترددت أصداؤه في السماء، واهتزت معه الأرض.
ارتفعت سحب الدخان الرمادي وغطّت المنطقة، كأن الليل هبط على رؤوس السكان قبل موعده.
منزل عائلة الصادق، المؤلف من أربعة طوابق، اختفى بالكامل. كل ما تبقى مكانه ركامٌ مختلط بأشلاء، وأنين، وصرخات أطفال ينادون من تحت الحجارة: 'أنقذونا.. ماما.. بابا!'.
امتزجت تلك الصرخات بصفارات سيارات الإسعاف والدفاع المدني، فيما كانت الأمهات يركضن بلا اتجاه، يحملن أطفالاً مغبرين ووجوههن مغطاة بالدموع والغبار.
دموع وغبار
وسط هذا المشهد المروع، كانت وسام أبو وردة تحاول التقاط أنفاسها بعدما نجت مع عائلتها من موت محقق. تقول لصحيفة 'فلسطين' بحسرة: 'كنا نجلس بهدوء في بيتنا القريب من مسجد حمزة، وفجأة اهتز كل شيء من حولنا، تصدعت الجدران، تطايرت النوافذ، وتساقطت شظايا الزجاج والحجارة كالمطر'.
تضيف بصوت مرتجف وهي تستحضر المشهد: 'أخذت بناتي الثلاث وزوجي وركضنا بين الحطام والغبار. لم نكن نرى شيئًا، كأن المكان غرق في ضباب أسود. رائحة البارود كانت تخنقنا، وقلوبنا تسبقنا بالنبض. لا نعرف إلى أين نهرب، فقط أردنا الخروج من الموت'.
وتتابع: 'خرجنا من المنزل لنكتشف أن الضربة لم تستهدفنا، بل استهدفت المنزل المجاور لنا بالكامل. وعندما عاد زوجي لتفقد ما جرى، رأى الكارثة الحقيقية.. منزل عائلة الصادق دُمر على رؤوس ساكنيه'.
تشير إلى أن المنزل كان يأوي نحو 60 شخصًا، بينهم نازحون من عائلة الهسي، معظمهم من النساء والأطفال. وتؤكد: 'لا يوجد بينهم أي مقاتل، ولا أحد يشكّل تهديدًا. جميعهم مدنيون يحاولون النجاة من الحرب، مثلي ومثلك'.
ورغم خطورة المكان، تمكنت الطواقم الطبية والدفاع المدني من انتشال نحو 17 جثة من تحت الأنقاض، إلى جانب أكثر من 40 مصابًا، باستخدام أدوات بسيطة وإمكانيات متواضعة. لكن لا يزال هناك مفقودون تحت الركام، ولا تُعرف مصائرهم بعد، بحسب مصدر طبي.
تدمير ممنهج للمنازل
وعلى بعد خطوات من مكان المجزرة، كان محمد الهسي يجمع الركام بيديه العاريتين، محاولًا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بيته المتضرر بفعل القصف.
يقول لـصحيفة 'فلسطين' بحسرة: 'منذ متى كانت البيوت أهدافًا عسكرية؟ نحن لا نملك سلاحًا، ولا حتى نملك الأمان. كُتب علينا أن نموت في بيوتنا، فالموت هنا أسرع من الهرب'.
يضيف: 'عائلتي فقدت العشرات منذ بداية هذه الحرب، بين أطفال ونساء وشيوخ. شلال الدم لم يتوقف، حتى من لم يُقتل بالقصف، يموت جوعًا ومرضًا'.
يشير إلى أن فرق الإنقاذ تعمل بأدوات بدائية، ويتابع بحرقة: 'جيش الاحتلال لم يكتفِ بتدمير بيوتنا، بل استهدف آليات الدفاع المدني، ومنع دخول المعدات الثقيلة وحتى الغذاء والدواء. فكيف يمكننا أن ننقذ من تحت الركام؟ بأي يد؟ بأي معجزة؟'.
ومنذ أيام، باتت منطقة جباليا النزلة مسرحًا لمجازر جديدة ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي، ضمن سلسلة من آلاف المجازر التي ارتكبها الاحتلال منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مع بدء عدوانه الأوسع على قطاع غزة.
وقد خلفت آلة الحرب الإسرائيلية منذ بدايتها حتى مساء أمس أكثر من 189 ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، إلى جانب أكثر من 11 ألف مفقود. فيما يُقدر عدد من هُجروا من بيوتهم بالملايين، يعيشون في ظروف كارثية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، في مواجهة مجاعة حقيقية تهدد كل من بقي حيًّا.
تختم وسام أبو وردة حديثها برسالة تهزّ الوجدان، قائلة: 'العالم كله يشاهد، لكن لا أحد يتحرك. نحن نُباد ونُقتل دون أن يُسمع صوتنا.. ماذا تنتظرون؟ أين أنتم؟!'.