اخبار فلسطين
موقع كل يوم -شبكة مصدر الإخبارية
نشر بتاريخ: ١٣ أيلول ٢٠٢٤
رام الله – مصدر الإخبارية
قبل خمسة أسابيع مضت، مرت 300 يوم من الحرب على غزة. إن مثل هذه المستويات من القتل الجماعي والتدمير والتهجير القسري والتجويع لشعبنا غير مسبوقة في التاريخ الحديث.
في غزة، يسيطر الخوف واليأس مع سقوط القنابل بلا هوادة. تتجمع الأسر معًا في ملاجئ مؤقتة، وتحولت منازلها إلى أنقاض. أصبحت المدارس والمستشفيات، التي كانت ملاذًا آمنًا ذات يوم، أهدافًا. تخترق صرخات الرعب الأطفال الليل بينما يكافح الآباء لحمايتهم. تنتشر رائحة الموت في الهواء، مع عمليات الدفن المتعجلة التي لا توفر سوى القليل من الكرامة. يشتد الجوع والحرمان، مع ندرة وتناقص الغذاء والمياه النظيفة والإمدادات الطبية. تثقل جرائم الحرب والمذابح كاهل شعب عانى لفترة طويلة جدًا.
ولكن وسط هذا الدمار، هناك قدرة على الصمود ورفض للاستسلام لليأس. ولابد أن تنتهي هذه المعاناة، التي هي نتيجة للحرب والاحتلال المطول، من أجل تحقيق السلام والاستقرار.
منذ تشكيلها في شهر إبريل/نيسان، تعمل حكومتي بلا كلل على استقرار الوضع المتدهور في الضفة الغربية، في حين تستعد في الوقت نفسه لما قد يحدث في قطاع غزة في اليوم التالي. ونحن ملتزمون برعاية شعبنا وأمنه وكرامته، وقيادة جهود التعافي وإعادة الإعمار بمجرد التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. وسوف يتم ذلك بالتوازي مع مواصلة تنفيذ الإصلاحات الأساسية لتعزيز أسس الدولة الفلسطينية المستقلة.
ومع التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، تصبح الحكومة الفلسطينية مستعدة لاستئناف مسؤوليتها عن قطاع غزة، وقيادة الجهود الرامية إلى دمج الحكم بشكل كامل في القطاع والضفة الغربية. وهذا التكامل ضروري ليس فقط للإغاثة الفعّالة والتعافي وإعادة الإعمار في غزة، بل وأيضاً كخطوة نحو الهدف الأوسع المتمثل في التوصل إلى اتفاق سياسي دائم يتماشى مع القانون الدولي وحل الدولتين.
إن رؤيتنا 'فلسطين واحدة'، والتي تنبع من وحدة الشعب الفلسطيني وهويتنا المشتركة، تشكل جوهر هذا الجهد. وبينما نسعى بثبات إلى إنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي وتحقيق حقنا في تقرير المصير، فإن هذه المبادئ سوف توجه إعادة بناء غزة وحوكمتها، ومعالجة الأزمة الإنسانية غير المسبوقة وإرساء الأساس للسلام والاستقرار الدائمين.
ولكننا لا نستطيع أن نحقق هذا بمفردنا. ذلك أن الدمار الشامل والاحتياجات الهائلة للتعافي في غزة تتطلب استجابة منسقة وقوية من المجتمع الدولي. إن حكم غزة، واستعادة الخدمات الأساسية، وإعادة بناء المنازل والبنية الأساسية، واستقرار حياة وسبل عيش شعبنا سوف يتطلب التزاماً ودعماً دوليين كبيرين. وبدون التضامن والعمل العالميين، فإن الطريق إلى التعافي والسلام الدائم سوف يكون بعيد المنال.
إن دعم وتسهيل تشكيل حكومة فلسطينية غير حزبية أمر بالغ الأهمية لحكم وخدمة شعبنا في مختلف أنحاء غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. وتمكين السلطة الفلسطينية من توفير حكم مستجيب وشفاف وخاضع للمساءلة هو السبيل الشرعي الوحيد للمضي قدماً. وهذا النهج ضروري ليس فقط لإعادة بناء غزة، بل وأيضاً لضمان تحرك المنطقة الأوسع نحو مستقبل منصف وعادل ومزدهر.
إن خطتنا لليوم التالي لإدارة غزة تشكل جزءاً من جهد أوسع نطاقاً لتمكين الحكومة الفلسطينية، وإعادة بناء الثقة بين مواطنينا، وتعزيز أسس الديمقراطية على المستويين المحلي والوطني. وهي مبنية على الركائز الأساسية التالية:
إن جهود الإغاثة الفورية والإنعاش المبكر، تحت قيادة وتنسيق استراتيجي من جانب الحكومة الفلسطينية، سوف تحتاج إلى دعم من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وغيرها من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، والجهات المانحة والشركاء الدوليين النشطين بالفعل في غزة، بالإضافة إلى مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني الفلسطينية. وتشمل الأولويات إزالة الأنقاض، وتوفير المأوى المؤقت اللائق، واستعادة الخدمات الأساسية مثل المياه والصرف الصحي والطاقة والصحة والتعليم. كما أن الدعم الفوري لاستعادة سبل العيش والإنعاش الاقتصادي أمر بالغ الأهمية. وسوف يتم تنسيق هذه الجهود بشكل وثيق مع الوزارات والهيئات الفلسطينية. وسوف يتم إنشاء لجنة الإنعاش المبكر في غزة لمواءمة جميع الجهود مع خطة الإغاثة والإنعاش وإعادة الإعمار الأوسع نطاقاً التي وضعتها الحكومة.
وسوف يتم إنشاء وكالة مستقلة لقيادة وتنسيق وإدارة كافة جهود إعادة الإعمار والإنعاش على المدى الطويل في غزة. وستعمل هذه الوكالة باستقلال مالي وإداري كامل، وتخضع للتدقيق وفقاً لأعلى المعايير الدولية. وسوف يتولى الإشراف عليها مجلس إدارة يضم شخصيات فلسطينية مرموقة، بما في ذلك أعضاء من الشتات. ولضمان الشفافية والمساءلة، سيتم إنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة في البنك الدولي، مع إشراف وتوجيه ائتماني من قبل مجلس استشاري دولي.
إن استعادة الأمن وسيادة القانون في غزة سوف تتطلب إعادة هيكلة قوة الشرطة، فضلاً عن إعادة دمج وتعديل أفرادها على أساس القدرات والاحتياجات. وسوف تشمل هذه العملية أفراداً من قبل عام 2007 وبعده، شريطة نجاح عملية التدقيق وتقييم القدرات. وسوف تعمل القيادات العليا في الشرطة، التي تعينها الحكومة الفلسطينية، على التنسيق مع رؤساء المجالس البلدية لضمان كفاءة الحكم المحلي وقدرته على الاستجابة. وسوف يلعب الشركاء الدوليون دوراً حاسماً في توفير المعدات والدعم اللازمين لبناء القدرات. وبالإضافة إلى ذلك، قد تسعى الحكومة الفلسطينية إلى الحصول على مساعدات أمنية دولية حسب الحاجة. وسوف تتولى السلطة الفلسطينية إدارة مراقبة الحدود في غزة، بدعم دولي مؤقت من الجهات الفاعلة ذات الصلة، كما حدث مع بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية في عام 2005 .
وتؤكد خطتنا على الحاجة الحيوية إلى دمج وتنسيق المؤسسات والخدمة المدنية في مختلف أنحاء الضفة الغربية وغزة. ولتيسير ذلك، سنعين قيادات عليا مؤقتة للمؤسسات الحكومية في غزة، لتولي مهامها مؤقتاً إلى حين اختيار المديرين الدائمين من خلال عملية شفافة قائمة على الجدارة. وسيتم اختيار الموظفين على أساس الاحتياجات الفنية، مع الالتزام بمعايير الجدارة والشفافية في جميع القرارات المتعلقة بالموظفين.
وكخطوة فورية لاستعادة الحكم المحلي وإعادة دمجه في غزة وضمان الملكية المحلية للتعافي، سأقوم بتعيين شخصيات محلية مستقلة وذات مؤهلات عالية في المجالس البلدية والمحلية لمدة عام واحد. وسيتم تزويد هذه المجالس بالميزانيات اللازمة لدعم المشاريع المحلية التي تلبي الاحتياجات العاجلة وتقدم فوائد ملموسة لشعب غزة، في ظل مبادئ توجيهية واضحة حددتها حكومتي. وفي نهاية فترة الانتقال التي تستمر لمدة عام واحد، سيتم إجراء انتخابات للحكومة المحلية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة لضمان المشاركة الديمقراطية والتمثيل في الحكم المحلي.
إن الدمار غير المسبوق الذي حل بغزة لا يتطلب الدعم الدولي الجاد فحسب، بل يتطلب أيضاً التزاماً جماعياً بإعادة الإعمار والتعافي. ونحن ندعو جيراننا العرب وجميع الدول الشريكة إلى الوقوف معنا في هذا الجهد الضخم. فمعاً، نستطيع أن نلبي الاحتياجات الفورية لشعبنا، ونستعيد الخدمات الأساسية، ونعيد بناء الاقتصاد، ونعيد إحياء الأمل.
إن هذا المسار، على الرغم من التحديات التي ينطوي عليها، هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق إلى الأمام ــ السبيل الذي يرسي أسس السلام الدائم والأمن والازدهار. والأمر لا يتعلق فقط بمستقبلنا كشعب فلسطيني، وسعينا الدؤوب إلى تقرير المصير، وحقنا في العيش في حرية وكرامة؛ بل يتعلق أيضاً بضمان الاستقرار ومستقبل أفضل لجميع شعوب المنطقة.