اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٤ حزيران ٢٠٢٥
بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة على قطاع غزة، باتت الصواريخ اليمنية التي تطلقها جماعة أنصار الله باتجاه مطار 'بن غوريون' في تل أبيب عنوانًا لعجز الاحتلال عن حماية عمقه الاستراتيجي، على الرغم من امتلاكه أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورًا في المنطقة والعالم.
ولم تعد هذه الضربات مجرد رسائل رمزية، وفق ما يقول خبراء عسكريون، بل أصبحت تهديدًا حقيقيًا لأمن المستوطنين وثقة الجمهور الإسرائيلي بحكومته، مع اضطرار الملايين إلى النزول للملاجئ في مشهد يربك حسابات الردع الإسرائيلي والأميركي معًا.
وأعلن جيش الاحتلال، مساء أول من أمس، اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن، ما أدى إلى إغلاق مطار 'بن غوريون' قرب تل أبيب، وهرع ملايين السكان إلى الملاجئ في عدة مناطق وسط كيان الاحتلال.
وأفادت قناة '12' العبرية الخاصة بأن صفارات الإنذار دوت في عدة مناطق وسط إسرائيل، من بينها تل أبيب وضواحيها، والقدس، إضافة إلى مستوطنات في الضفة الغربية.
انعدام الثقة
ويرى الباحث في الشؤون العسكرية زكريا الشربعي أن الصواريخ اليمنية على مطار بن غوريون تقوّض ثقة المستوطنين بحكومة الاحتلال وتكشف انهيار منظومته الدفاعية.
وقال الشربعي إن الاحتلال لم يعد قادرًا على إخفاء آثار الصواريخ التي استهدفت مطار بن غوريون ومناطق في تل أبيب، مشيرًا إلى أن الرقيب العسكري الإسرائيلي فرض رقابة مشددة منذ بداية العدوان على غزة، لمنع تداول أي معلومات تتعلق بهذه الصواريخ أو أماكن سقوطها.
وأشار إلى أن سفير الاحتلال في مجلس الأمن اشتكى مؤخرًا من تعدد الضربات الصاروخية اليمنية التي استهدفت تل أبيب، رغم أن حكومته كانت تنفي ذلك سابقًا. واليوم، مع تصاعد وتيرة هذه العمليات واتساع تأثيرها، لم يعد الاحتلال قادرًا على إنكار الواقع.
وأوضح أن 'التأثير لا يقتصر فقط على البعد الاقتصادي، رغم أنه يمس عصب الكيان، بل يمتد ليضرب عمق الأمن الجماعي للاحتلال؛ إذ إن إرسال أربعة ملايين مستوطن إلى الملاجئ يمثل ضربة معنوية وأمنية أكبر من مجرد سقوط صاروخ في منطقة محددة'.
وتابع: 'نحن أمام استهداف مباشر لأساس بقاء المستوطنين في فلسطين المحتلة، فحين يفقد هؤلاء ثقتهم بحكومتهم وقدرتها على حمايتهم، تنهار أهم ركائز المشروع الصهيوني القائم على التفوق العسكري والدعاية الأمنية'.
وأشار إلى أن الاحتلال أنفق مليارات الدولارات على بناء صورة الردع والتفوق الجوي، وشنّ عدة غارات على اليمن بدعوى الردع، إلا أن 'الواقع يثبت فشل هذا الردع؛ فالصواريخ اليمنية لا تزال تنطلق وتواصل ضرب أهداف في عمق الكيان'.
وعلى مدار الأشهر الماضية، شنت إسرائيل غارات عدة على اليمن، إحداها في السادس من مايو/أيار الماضي، وألحقت أضرارًا كبيرة بمطار صنعاء الدولي وميناء الحُديدة على البحر الأحمر.
وفي السياق، أكد الشربعي أن 'منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي، بما فيها المرتبطة بشبكات الإنذار المبكر والرادارات والأقمار الصناعية، لم تتمكن من التصدي لتلك الصواريخ، وهو ما يكشف انهيارًا كبيرًا في الأداء الدفاعي للاحتلال'.
وتوقع تصاعد وتيرة العمليات اليمنية في ظل استمرار العدوان على غزة، مؤكدًا أن 'العقيدة الأمنية الإسرائيلية طالما اعتمدت على أربع ركائز: الإنذار المبكر، الدفاع، الحسم، والردع. اليوم، تنهار هذه الركائز بالكامل، ومعها منظومات مثل القبة الحديدية و(ثاد). نحن لا نتحدث فقط عن تكاليف مادية ضخمة، بل عن فشل استراتيجي وانهيار ثقة المستوطنين بالمنظومة الأمنية، واستنزاف فعلي لمخزون الصواريخ الدفاعية'.
وبحسب إذاعة جيش الاحتلال، فقد أطلقت جماعة أنصار الله في اليمن 43 صاروخًا باليستيًا باتجاه إسرائيل منذ استئناف الحرب على غزة في 18 مارس/آذار الماضي، بينها 5 صواريخ خلال الأسبوع الماضي فقط.
مشهد غير مسبوق
من جانبه، رأى الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا أن إسرائيل باتت أمام مشهد غير مسبوق، إذ تجد نفسها عاجزة عن التعامل مع الصواريخ اليمنية رغم امتلاكها منظومة دفاعية متقدمة، مشيرًا إلى أن الأثر السيكولوجي لهذه الضربات ينعكس على أكثر من 1.5 مليون إسرائيلي يضطرون للنزول إلى الملاجئ في كل إنذار.
وأكد العميد حنا أن جماعة الحوثي استطاعت فرض معادلات جديدة باستخدام وسائل محدودة تحقق أثرًا إستراتيجيًا كبيرًا، بينما تنفق إسرائيل موارد ضخمة دون تحقيق مردود فعلي، مشيرًا إلى أن استمرار إطلاق الصواريخ من اليمن رغم الوجود العسكري الأميركي في المنطقة يكشف محدودية قدرة الردع الإسرائيلي والأميركي.
ولفت إلى أن الأثر النفسي الذي تسببه هذه الصواريخ لا يقل أهمية عن أثرها الميداني، موضحًا أن الإجراءات التي تتخذها إسرائيل لحماية منشآتها الحيوية، كإغلاق مطار بن غوريون وإنزال السكان إلى الملاجئ، تشير إلى مستوى الإرباك الذي تحدثه هذه الهجمات.
وأوضح أن (إسرائيل) تفتقر إلى 'دواء فعّال' لوقف هذه الصواريخ، فهي عاجزة عن استهدافها قبل إطلاقها، ولا تملك معلومات كافية عن البنية اللوجستية التي تمكّن أنصار الله من الاستمرار في إطلاقها، مما يفرض تحديات أمنية حقيقية لا يمكن تجاوزها عبر التصريحات السياسية.
وتتمسك جماعة أنصار الله بمواصلة إطلاق الصواريخ على كيان الاحتلال الإسرائيلي ما دامت تل أبيب تواصل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، والتي خلّفت أكثر من 178 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين.