اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٦ أب ٢٠٢٥
في مشهد يعيد إلى الأذهان أقسى فصول النكبة، لا يكاد الليل يختلف عن النهار في شمال قطاع غزة، وتحديدًا في جباليا البلد وجباليا النزلة شمال شرق مدينة غزة، حيث تمطر طائرات الاحتلال الإسرائيلي بيوت المدنيين بالصواريخ، ويقصف المدفع الأرض بلا توقف.
الدخان يملأ السماء، والركام يسد الطرقات، وأصوات الانفجارات لا تترك مجالًا للصمت أو للحياة.
هناك، في تلك البقعة المحاصرة، يمشي الناس بين ركام منازلهم، بعضهم يحمل جريحًا، وآخر يبحث عن جثمان، بينما تواصل الطائرات قصف كل ما يتحرك.
ولليوم الخامس على التوالي، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي شن غارات عنيفة ومكثفة على منطقتي جباليا البلد وجباليا النزلة، مخلفة وراءها دمارًا واسعًا، ونزوحًا قسريًا لسكان أصروا على البقاء حتى اللحظة الأخيرة.
بداية التصعيد
في بداية التصعيد، أطلقت طائرات الاحتلال من نوع 'كواد كابتر' رسائل تهديد عبر مكبرات الصوت، مطالبة سكان جباليا البلد والنزلة بإخلاء منازلهم فورًا تمهيدًا لعملية عسكرية وشيكة.
ورغم هذه التحذيرات، تمسّك كثيرون بالبقاء في منازلهم رفضًا للتهجير القسري، إلى أن تصاعد القصف المدفعي والجوي بشكل عنيف، ما أجبر العديد على الفرار تحت وابل القذائف.
وتروي وسام الهسي، إحدى الناجيات، كيف بقيت مع أطفالها الثلاثة صامدين في منزلهم حتى مساء اليوم الثالث من العدوان، ومع اشتداد القصف اضطرت للهروب وسط مشاهد مروعة. تقول: إنها شاهدت وأطفالها جثثًا متناثرة في الطرقات، ودخانًا يملأ الأفق.
وتؤكد الهسي لصحيفة 'فلسطين' أن جنود الاحتلال لم يتركوا مجالًا للحياة؛ كل من يتحرك في الشارع كان هدفًا مباشرًا.
وفي أحد منازل الأقارب، تجلس وسام وأطفالها بقلق، بانتظار نهاية العمليات العسكرية، ورغم توالي الدعوات من جيش الاحتلال بالتوجه نحو جنوب القطاع بزعم أنه 'آمن'، رفضت الهسي ذلك.
تقول: 'نجونا بأعجوبة'، وتصف لحظة هروبها الجريئة مع أطفالها وسط مشاهد لأجساد الشهداء والجرحى على جانبي الطريق، بينما القصف لا يهدأ.
أما محمد أبو وردة، فما يزال يعود يوميًا قرب جباليا النزلة في محاولة للاطمئنان على منزله وسط خطر داهم، قائلًا: 'الطائرات لا تغادر سماء المنطقة، وتطلق النار على كل من يتحرك'.
ويضيف أن ما يُسمى بـ'المناطق الآمنة' خدعة خطيرة، فالقصف يطال كل مكان دون استثناء، ولا يوجد ملاذ آمن في قطاع غزة.
قصف عشوائي
من جانبه، يوضح إبراهيم جابر أن عشرات الشهداء لا تزال جثامينهم ملقاة في شوارع جباليا البلد والنزلة، في ظل عجز فرق الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم بسبب شدة القصف وانتشار الطائرات الحربية في الأجواء.
ويؤكد جابر لـ'فلسطين' أن عشرات المواطنين، بينهم نساء وأطفال، استشهدوا خلال الأيام الماضية بفعل القصف العشوائي والمكثف.
ويلفت إلى أن كثيرين من سكان المنطقتين ما زالوا متمسكين بالبقاء في بيوتهم رغم خطر الموت، مؤمنين أن الخروج منها لن يكون سوى تكرارًا لسيناريوهات النكبة السابقة، وأن ما يسمى بـ'المنطقة الآمنة' لا يعني شيئًا في قاموس الاحتلال.
ومنذ ظهر يوم الجمعة الماضية لم يتوقف القصف، ويتضمن غارات من طائرات استطلاع 'زنّانة' وطائرات حربية من طراز 'إف 16'، بالإضافة إلى استخدام الروبوتات المتفجرة التي يتم تفجيرها بين المنازل، ما تسبب بتدمير واسع لمئات البيوت في جباليا البلد والنزلة.
وفي ختام حديثه، ناشد جابر المجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية بالتحرك الفوري لإنهاء الحرب المستمرة على قطاع غزة، ووقف المجازر التي تُرتكب بحق المدنيين، والتي وصفها بـ'جرائم إبادة جماعية' تجري تحت أنظار العالم وبدعم أمريكي واضح.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن سلطات الاحتلال الإسرائيلي حربًا غير مسبوقة على قطاع غزة، خلّفت حتى الآن أكثر من 62,192 شهيدًا، وأكثر من 157,114 جريحًا، إلى جانب أكثر من 9,000 مفقود، وسط كارثة إنسانية شاملة، ونزوح قسري لمئات الآلاف، ومجاعة تفتك بالأطفال والنساء.