اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
غزة لم تكن أبدا مشروع هزيمة بل مدرسة للصمود والتضحية والاعداد، ومع ان الاعداء كثر، وقد يكونون عتاة، ومع ذلك لا يجوز اغلاق العيون امام حقائق خطرة؛ فالعدو وحده ليس الاخطر دوما، فالخطر الاكبر يكمن فيمن يعملون على تفكيكنا من الداخل، ينهبون خيرات الامة ويهدرون طاقتها ومواردها؛ حكام بلا شرعية او مشروعية صاروا يبتاعون بلا ثمن، يتحالفون مع مشروعات الاستكبار ليهزوا عماد الصمود، ويشرّعون التفريط بمقاييس باطلة، فواجب الامة اليوم ان تكشف هؤلاء وترد عليهم بضاعتهم وبال عليهم عبر وحدة الكلمة والموقف.
الاحتلال واتباعه، لما عجزت قوتهم عن كسر ارادة غزة، لجاوا الى المكائد والدسائس، فاطلقوا حملات اعلامية تستهدف نزع الشرعية عن مقاومتها وشيطنتها، وترويج رسائل توحي بان المدافع عن الحق 'إرهابي'، وان الجزّار صاحب حق، هذه الحملات لم تكن مجرد كلام، بل نتاج خطط مدروسة تسعى لإحداث شق داخلي يمهد لتطبيق مخططات الوصاية والتحكم، لكن الله مع الصابرين وبشائر الفرج في اقتراب.
التجارب التاريخية تعلمنا ان الامم تنجو حين تتحد، وتهزم حين تشتت وتتفرق كلمتها، ولم يحدث في التاريخ ان صار اهل الوطن سدا منيعا بوجه أبنائه، وحصنا حصينا لعدوهم، الا نادرا وفي لحظات حالكة من التاريخ، وما يحدث اليوم هو تكرار لتلك اللحظات؛ حين انزلقت الامة الى هذا القاع، فصار القاع وطنا لانكسارهم وخنوعهم، ونعترف اليوم بكل مرارة، ان الامة تمر بأزمة لم يسبق لها مثيل؛ فقد بلغ الذل والمهانة لدى قادتها وابنائها مبلغا عظيما، ولم يأت هذا من فراغ، بل بفعل سياسات من يفترض ان هم اهل الحل والعقد، اولئك الذين بدلوا دينهم وقيمهم بمقابل بخس.
لكن الهم لا يقتل الامل، والمؤامرة - مهما بلغت - لا تغلب الصبر، كما لا يغلب عسر يسرين؛ فواقع غزة اليوم يكشف امرا جوهريا؛ الصمود ليس مجرد مظهر مادي او مقاومة مادية، بل اخلاقية وروحية، ومن يظن ان نزع سلاحها، سواء الرمزي او المعنوي، سينجح فهو مخطئ؛ لان رصيد المقاومة وسلاحها الاقوى هو ايمان عميق بالحق، وانتماء للثلة القليلة الباقية على الحق، وهذا انتماء لا يوزن بميزان، ولا يقدر بثمن، وفي هذا دعوة لكل من يريد بالأمة خيرا، ان يرمم جدار الشرعية، ويرفض اي محاولة لإدانة المنافحين عن الحق، او تحميلهم تبعات هذه الجريمة.
المعادلة العملية تفرض خطوات عاجلة وواضحة، تبدأ بتوحيد الخطاب الوطني، وقطع الطريق على الحملات الدعائية المدفوعة، التي تضلل الراي العام المحلي والعالمي، وقبل هذا وبعده، دعم غزة ماديا ومعنويا، دعما غير مشروط، واعادة التركيز على الانسان وحقه في العيش بكرامة، ثم الانخراط الجاد لكشف الحقائق امام المجتمع الدولي والراي العام العالمي، وعلى علماء الامة والدعاة والمثقفين والاعلاميين ان يهبوا هبة رجل واحد، لإعادة صياغة خطاب يحيي الامة، ويؤكد ان من قاتل في سبيل حرية شعبه لا يمكن ان يكون 'إرهابيا'، والتركيز على الشباب، رصيد الامة، ليكونوا قوة بناء ومناصرة تقف بوجه حملات التضليل وتدعم غزة، فعلا لا قولا او بالشعارات.
نزع الشرعية من اخطر الاسلحة التي يتشبث بها حلفاء الاحتلال وداعموه، ويجدون السعي في ذلك، وفي اللحظة التي ينجحوا فيها – لا قدر الله - بإقناع شعوب الامة، بان المقاومة بلا حق، فقد صارت طريق تفكيكها ممهدة، لذا يفرض الواجب الوطني ان نجعل من حماية شرعيتها خطا احمر، لا مساومة فيه، فغزة تعلمنا ان الحق لا يتراجع، وان الامة التي تحفظ كرامتها لا تستسلم للمكر والدسائس.
ولذا نقول بثقة ايمانية وتاريخية؛ لن يغلب اثنا عشر الفا من قلة، فتجدهم اليوم، وبعد قرابة عامين من الابادة والتجويع، يلجؤون الى المكائد والخديعة، وهذه ليست مجرد عبارة، بل باتت من واقع غزة وتجربتها حقيقة روحية وايمانية؛ فالقلة اذا كانت على الحق، فلا يغلبها باطل، مهما عظم، والكثرة اذا تخلت عن دينها وقيمها، فمصيرها الضياع، فلتكن غزة منارة امل تبعث البشائر في قلوب من يوقنون ان الفجر قادم؛ هذا وعد الله، فلا ظلمة دائمة اذا اجتمعت العزائم، ومن رحم الابتلاء والثبات تنبلج بشائر الفرج؛ فالنصر - وان تأخر - لا محالة، هو وعد الله للمستضعفين في ارضه.