اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٧ كانون الأول ٢٠٢٥
لم تمض ساعات على حادثة إطلاق النار التي وقعت في مدينة سيدني الأسترالية خلال احتفالات يهودية، حتى سارع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إخراج الحادثة من سياقها القانوني، وإعادة تعريفها بوصفها تهديدا وجوديا لليهود في العالم.
هذا التحول السريع لم يأت في إطار تعاطف إنساني مع القتلى أو انتظار نتائج التحقيقات، بل في سياق سياسي مألوف يعيد توظيف المآسي خارج حدودها الطبيعية.
الخبيرة في الشؤون السياسية د. غانية ملحيس ترى أن ما جرى يعكس نمطا ثابتا في إدارة الخطاب السياسي الإسرائيلي، يقوم على نقل الأحداث العنيفة من إطارها القانوني إلى فضاء 'الأمننة'.
تكثيف الشعور بالتهديد
في هذا الفضاء، تقول ملحيس، لا تعامل الحادثة بوصفها فعلا فرديا، بل تتحول إلى أداة سياسية تستخدم لإعادة إنتاج الخوف الجماعي وتكثيف الشعور بالتهديد الدائم.
وتوضح ملحيس، لـ 'فلسطين أون لاين'، أن اللغة الإعلامية الإسرائيلية لا تؤدي وظيفة وصفية، بل تعمل كآلية تعبئة تعيد تشكيل الوعي الجمعي.
ووفق هذا الخطاب، يقدم يهود العالم كجماعة مهددة على الدوام، فيما تطرح إسرائيل باعتبارها الملاذ الوحيد في عالم يصور بوصفه معاديا.
تراجع غير مسبوق
وتشير ملحيس إلى أن هذا التصعيد الخطابي يتزامن مع تراجع غير مسبوق في الدعم الدولي للسياسات الإسرائيلية، خصوصا في ظل حرب الإبادة على قطاع غزة.
هذا التزامن، بحسبها، يكشف وظيفة سياسية للخطاب تتجاوز حماية الجماعات الدينية، لتتحول إلى أداة لإعادة شد الولاءات وتوجيه الاصطفافات السياسية وحتى الهجرات.
وفي هذا السياق، سارع نتنياهو إلى تحميل الحكومة الأسترالية مسؤولية الهجوم، متهما إياها بـ'التساهل' مع ما يسميه 'معاداة السامية'.
ولم يتوقف عند ذلك، بل ربط بين اعتراف أستراليا بالدولة الفلسطينية وبين الهجوم، معتبرا أن هذا الاعتراف 'يشجع الإرهاب' ويغذي الكراهية ضد اليهود.
تجديد رخصة الإبادة
من جهته، اعتبر ديمتري دلياني، رئيس التجمع الوطني المسيحي في الأراضي المقدسة، أن هذا الخطاب يمثل استثمارا سياسيا مباشرا لدماء سيدني.
ويقول دلياني لـ'فلسطين أون لاين': إن السلوك الرسمي الإسرائيلي لم يتجه نحو التعاطف الإنساني، بل نحو التصعيد والاتهام، في تعبير عن ذهنية استعلاء عنصرية.
ويرى أن نتنياهو حول الحادثة إلى منصة لطلب دعم غربي متجدد لسياساته، بما يشبه تجديد رخصة الإبادة' بحق الفلسطينيين في غزة.
وبحسب دلياني، ينسجم هذا الخطاب مع محاولات تعطيل تنفيذ المرحلة الثانية من قرار مجلس الأمن المتعلق بوقف إطلاق النار في غزة، في تحد واضح للإرادة الدولية.
يأتي ذلك في وقت يواصل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي خروقاته لوقف إطلاق النار، وسط حصيلة بشرية تجاوزت 70 ألف شهيد في قطاع غزة، غالبيتهم من النساء والأطفال، إلى جانب تدمير واسع للبنية المدنية.
وبينما أعلنت الشرطة الأسترالية مقتل 16 شخصًا وإصابة أكثر من 40 آخرين في هجوم سيدني، تتكشف مفارقة صارخة: جريمة تستغل سياسيا خارج سياقها، ودماء تستدعى لتبرير دماء أخرى، حيث تتحول الحادثة، كما يخلص كل من ملحيس ودلياني، إلى أداة لإعادة هندسة الخوف والولاءات في خدمة مشروع استعماري متواصل، يتجاوز الجغرافيا ويتحدى القانون الدولي.

























































