معهد الامن القومي: المجازفة الإيرانية بالتصعيد من أجل استعادة الردع أمام إسرائيل

معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي – ترجمة: عزيز حمدي المصري

بعد اغتيال حسن مهدوي، قائد الحرس الثوري في سوريا ولبنان، في دمشق، وعدت القيادة الإيرانية، بما في ذلك الزعيم الإيراني آية الله خامنئي نفسه، بالانتقام من إسرائيل على هذا العمل. وظهرت إشارة أخرى إلى نية الرد في كلمة ألقاها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يوم الجمعة 5 أبريل، حيث ادعى أن الرد الإيراني على اغتيال المهدوي 'أكيد'، وأن السؤال الرئيسي في الوقت الحالي ليس 'إذا' ولكن 'متى' وخاصة في أي إطار سيتم الرد.

وفقًا لمصادر مختلفة للمعلومات، والتي يُزعم أن بعضها يستند إلى معلومات استخباراتية تلقتها وكالات الاستخبارات الأمريكية، تعتزم إيران الرد على اغتيال مهدوي بوابل مشترك من الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز تجاه دولة إسرائيل أو تجاه هدف دبلوماسي إسرائيلي. (على ما يبدو في المنطقة – الأردن، في دول الخليج أو ربما في القوقاز)، والتي سيتم إطلاقها من إيران نفسها أو من العراق/سوريا. وعلى الرغم من أن هذا ليس الحادث الأول لإطلاق النار المباشر من إيران على إسرائيل، إلا أن رد إيران المحتمل وستكون هذه المرة غير مسبوقة، خاصة في ظل ردودها السابقة على النشاط الإسرائيلي الذي نفذته من وجهة نظرها ضد أصولها وشعبها في الساحة السورية، والذي تجلى بإطلاق طائرات مسيرة على أي سفن مملوكة لإسرائيل في منطقة المحيط الهندي.

وهكذا، وعلى النقيض تماماً من الحذر الكبير الذي أبدته إيران بشأن ردود الفعل المباشرة ضد إسرائيل بسبب إحجامها عن التورط بشكل مباشر في حرب 'السيوف الحديدية' وبالتالي المخاطرة بمواجهة مع الولايات المتحدة أيضاً، يبدو أن هذه المرة إيران مستعدة للقيام برد فعل مباشر من أراضيها – رغم العواقب المحتملة لمثل هذا العمل عليها وعلى المحور الذي تمر فيه عملية النقل بأكملها وفي المعضلة بين رد الفعل المعتدل الذي قد يضر فعلياً بالردع الإيراني، ورد الفعل الحاد الذي قد يوسع المعركة، خلافاً لسياسة إيران المعلنة، يبدو أن القيادة الإيرانية اختارت الخيار الثاني. وتظهر هذه الحقيقة إلى أي مدى رأت القيادة في طهران، ومن المرجح أن خامنئي شخصياً أيضاً، أن تصفية المهدوي تطور يتطلب رداً شديداً.

ورغم أنه لا يمكن استبعاد احتمال الرد «المتكامل» من قبل إيران مع «وكلائها»، إلا أنه من الواضح تماماً، خاصة بعد خطاب نصر الله، أن إيران ترغب في الرد مباشرة على إسرائيل وعدم الاعتماد على هؤلاء الوكلاء. ومن وجهة نظر إيران، فإن الاعتماد على وكلاء رداً على عمل مباشر ضد إيران يشير إلى ضعفها العسكري، وقد يعرض وكلاءها للخطر أيضاً برد فعل إسرائيلي قاس (خاصة في سياق حزب الله). ولذلك، فمن المرجح أن يكون الجزء الأكبر من الهجوم إيرانياً، بشكل مباشر وباستخدام الأسلحة الإيرانية.

يبدو أن هذا ليس مجرد انتقام. وربما تدرك القيادة في طهران أنه بدون اتخاذ إجراء 'كبير'، فإن قدرتها على ردع المزيد من الهجمات في المستقبل (سواء ضد المصالح الإيرانية أو ضد إيران نفسها) ستتآكل إلى حد كبير. هذا، ورغم أنه من المرجح أنه على الرغم من الرغبة والنوايا في الرد القاسي، والذي ربما يدفع القيادة في طهران للاستعداد لتوسيع الصراع، إلا أنه لا يزال يبدو أن القيادة الإيرانية ليس لديها نية لحرب واسعة النطاق. إذ إن القوى التدميرية المفروضة على القيادة في طهران – وعلى رأسها الخوف من التورط مع الوجود الأميركي في الخليج، إلى جانب الإحجام في ظل حملة واسعة لـ 'التضحية' بحزب الله – أداة إيران الأهم في الشرق الأوسط – لا تزال موجودة، في التصور الإيراني للوضع في الوقت الحاضر. من المحتمل أن يدفع هذا الفهم القيادة الإيرانية إلى محاولة 'إغلاق' الحدث الحالي بعد رد الفعل هذا، دون مواجهة مباشرة ومستمرة مع إسرائيل (على الرغم من أنه لا يمكن استبعاد إمكانية وقوع أعمال إرهابية مستقبلية ضد سفارات أو شخصيات إسرائيلية حول العالم).

وفي ضوء ذلك، بعد تنفيذ الرد الإيراني، 'ستنتقل الكرة إلى ملعب إسرائيل'، ومن المشكوك فيه للغاية ما إذا كانت إيران ستحاول الرد بطرق أكثر مباشرة – بشكل أساسي على أساس أن هذا سيزيد بشكل كبير من احتمال دخولها. نظام 'السيوف الحديدية' مباشرة. ولهذا فإن القرارات التي ستتخذ في إسرائيل قريباً بشأن «الرد على الرد» ستؤثر بشكل مباشر على احتمالات التصعيد بين الدول وخطورة التوسع في منظومة «السيوف الحديدية».

ويبدو أن إسرائيل تستطيع استغلال الحدث الحالي 'لمعاقبة' إيران على تورطها في حرب 'السيوف الحديدية'. ربما لم تكن إيران تعلم كل التفاصيل المتعلقة بالهجوم الحمساوي في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكن المساعدات العسكرية والاقتصادية التي قدمتها لحماس، وخاصة الدعم الذي تتلقاه حماس من أنشطة الميليشيات الشيعية العاملة تحت إشراف إيران منذ إن بداية حرب 'السيوف الحديدية'، تشهد على مسؤوليتها 'الكاملة' عن الحملة التي تشن حاليا ضد دولة إسرائيل. وفي سياق مباشر، فإن معاقبة إيران تخدم أيضًا وجهة النظر الإسرائيلية، والتي بموجبها يجب أن تكون إيران مسؤولة أيضًا عن تصرفات وكلائها، وبشكل عام، يبدو أن ذلك سيعزز التحذير الإسرائيلي في العيون الإيرانية.

لكن الرد الإسرائيلي الحاد، وبالتأكيد في هجوم مفتوح على أراضيها، سيدفع إيران إلى الرد بطريقة تؤدي إلى 'دوامة التصعيد'، التي من المحتمل أن تنتهي بتوسيع كبير لحدود الحملة. وعلى الرغم من التردد الواضح للقيادة الإيرانية في التصعيد، إلا أنها سترد بالضرورة على أي هجوم مفتوح على أراضيها، أو إذا تم تنفيذه وفق نمط عمل مماثل للقضاء على المهدوي في أماكن أخرى من الشرق الأوسط. وفي ضوء ذلك، إذا كانت الحكومة الإسرائيلية لا تزال ترحب بتدمير حماس وإطلاق سراح المختطفين كهدف أساسي في هذه الحملة، فإن الرد غير المتناسب على الهجوم الإيراني سيضر حتماً بالقدرة على تحقيق هذه الأهداف.

وبالتالي، فإن الرد القاسي للغاية سيفتح 'صندوق باندورا'، وهو ما قد يجذب حزب الله إلى توسيع حملته في الشمال ويؤدي إلى تغيير جذري في تركيز نشاط الجيش الإسرائيلي – من تدمير حماس إلى التعامل مع حزب الله وبقية المنظمات الإرهابية. أذرع إيران في الساحة الشمالية.. هذه الحقيقة ستكون لها عواقب وخيمة على النظام الأمني ​​الإسرائيلي، وعلى سكان دولة إسرائيل والاقتصاد الإسرائيلي الذي يتعافى ببطء من أحداث 7 أكتوبر، وعلى الشرعية الدولية لإسرائيل. للقيام بمثل هذه الحملة على الإطلاق، والتي تآكلت بشكل كبير منذ بداية القتال، لذلك من الصواب اعتبار (اعتماداً على نتائج الهجوم الإيراني) رداً يسمح للحدث بأن ينتهي الحالي دون حملة توسع.

إن النظام الدولي بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، له دور مهم جداً في الوقت الحاضر. الإدارة في واشنطن، مثل النظام في طهران، ليست مهتمة بتوسيع الحملة، خاصة في ظل الفهم بأن مثل هذا التطور سيجبرها على توسيع عملياتها العسكرية في الشرق الأوسط، بما في ذلك مباشرة ضد إيران. لذلك، من المرجح أن تحاول الإدارة 'تسييج' رد فعل إيران وإسرائيل، وبالتالي منع المزيد من التصعيد في منطقة الخليج، وأن تنضم دول المنطقة أيضاً إلى جهود الولايات المتحدة التي خائفون جدًا من العواقب عليهم في حالة نشوب حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران.

خلاصة القول، إن تهديدات إيران رداً على اغتيال المهدوي تشير إلى أن هذا الاغتيال، في نظر قيادتها، ليس 'حادثة أخرى' في الحرب ضد تأسيس قواتها في سوريا يمكن احتواؤها. وخلافاً للحذر الذي أظهرته القيادة الإيرانية بقيادة المرشد الأعلى خامنئي منذ بداية نظام “السيوف الحديدية” فيما يتعلق بتورط إيران المباشر في الحملة، يبدو أنها الآن مستعدة لخوض مخاطرة كبيرة ومهاجمة إسرائيل بشكل مباشر. لكن رغم ذلك، من المشكوك فيه جداً أن تكون طهران تريد الاستفادة من رد الفعل هذا لتوسيع حدود الحملة إلى حد الحرب الشاملة. ولذلك فإن ما سيحدد مستقبل المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران هو الرد الإسرائيلي على هذا الحدث. كلما سعت إسرائيل إلى الرد بقوة على أي عمل، كلما زاد احتمال حدوث تصعيد خطير بين إسرائيل وإيران وحزب الله، بطريقة تجعل من الصعب للغاية على إسرائيل تحقيق أهدافها العسكرية في قطاع غزة ضد حماس.