اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٤ أيلول ٢٠٢٥
نشرت إذاعة جيش الاحتلال منذ عدة أيام، خبرا بالغ الأهمية والدلالة، إذ يشير الخبر: 'للمرة الأولى في تاريخ القدس (أي منذ احتلال المدينة) – غالبية الطلاب الجدد ممن التحقوا في الصف الأول، سيذهبون إلى التعليم الحريدي: وتشير الأرقام إلى التحاق نحو 8,400 من بين نحو 16,000 تلميذ جديد بالمؤسسات الحريدية، في مقابل نحو 4,300 في التعليم الرسمي التابع للاحتلال و3,500 في التعليم العربي'.
وفي سياق قراءة تفاصيل هذا الخبر وما تضمنه من اشارات بالغة الأهمية، نتناول في هذا المقال محاولات الاحتلال تحقيق الأغلبية السكانية في القدس المحتلة، في سياق سعيه لتحويل القدس المحتلة إلى مدينة يهودية بالكامل.
الواقع السكاني في القدس المحتلة
بحسب معطيات الاحتلال المنشورة في عام 2024، فقد بلغ عدد سكان القدس المحتلة حتى نهاية عام 2022 نحو 981700 نسمة، يسكنون في شطري المدينة المحتلة، ويشكلون نحو 10٪ من سكان دولة الاحتلال، من بينهم 597.400 مستوطن يهوديّ يشكلون نحو 61%، أما عدد الفلسطينيين فيبلغ نحو 371.400 نسمة، يشكلون نحو 38% من مجموع السكان في القدس المحتلة. أما في الشطر الشرقي من القدس المحتلة، تُشير المعطيات الإسرائيليّة إلى أن عدد سكانها يصل إلى نحو 612400 نسمة، من بينهم 233600 مستوطنٍ يهوديّ، يشكلون نحو 38% من سكان الشطر الشرقي، وبحسب هذه المصادر يُعدّ 'الحريديم' أكبر شريحة بين المستوطنين اليهود في هذا الشطر من المدينة المحتلة، إذ يشكلون نحو 44% من السكان المستوطنين، أما عدد الفلسطينيين، فيبلغ نحو 378700 فلسطينيّ، يشكلون نحو 62% من سكان الشطر الشرقي للقدس المحتلة، و98% من مجمل الفلسطينيين القاطنين في شطري القدس.
تُشير المعطيات أعلاه إلى عدم قدرة الاحتلال على الحفاظ على التفوق الديموغرافي في شطري القدس المحتلة، لذلك يلجأ إلى الاستيطان، في محاولة لرفع أعداد المستوطنين القاطنين في القدس، وبحسب مصادر الاحتلال تضم المناطق الاستيطانية نحو 175900 وحدة سكنية، ومن خلال قراءة سلوك الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة، فإنها حاولت في السنوات العشر الأخيرة أن تضاعف أرقام الاستيطان في المدينة المحتلة، في محاولة لإحداث قفزة في عدد المستوطنين، وما يتصل بهذه الأعداد من امتداد مناطقهم، وفرض المزيد من السيطرة على مناطق الفلسطينيين، ما بين عامي 2014 و2024 أقرت سلطات الاحتلال مخططات لبناء نحو 124352 وحدة استيطانية جديدة .
القدس مدينة طاردة للمستوطنين
وعلى الرغم من المشاريع الاستيطانية الضخمة، إلا أن القدس المحتلة تحولت في السنوات الماضية إلى مدينة طاردة للمستوطنين، وفي سياق معطيات مركز القدس الإسرائيلي آنف الذكر، ففي عام 2022، انتقل نحو 12200 مستوطن من مناطق أخرى داخل الأراضي المحتلة إلى مدينة القدس، بينما كان عدد المستوطنين الخارجين منها إلى مدن أخرى نحو 27700 مستوطن، وهو ما يشير إلى هجرة سلبية تقدّر بنحو 15500 مستوطن، وبحسب التقرير ينتقل جزء كبير من هؤلاء إلى المستوطنات القريبة من القدس المحتلة، والجزء الآخر إلى مدينة 'تل أبيب'، وبحسب التقرير هو الرقم الأعلى منذ عقد من الزمن.
ولم يُشر التقرير إلى التقسيمات الواضحة لخلفيات المستوطنين الذين غادروا القدس المحتلة، إلا أنها تحمل مؤشرات مهمة من بينها أن 20% من مجموع المستوطنين من المتدينين المتشددين، ورغم الاكتفاء بهذه الإشارة، فإنها تدلّ أن نحو 80% من هؤلاء المستوطنين أقل تدينًا، وبكل تأكيد تصنف شرائح كبيرة منهم على أنهم من العلمانيين، وفي سياق الحديث عن هؤلاء أشار التقرير إلى أن 16% من المستوطنين العلمانيين انتقلوا إلى 'تل أبيب'، والتي تُعدّ الوجهة الأكبر للعلمانيين داخل الكيان.
وتؤكد معطيات التقرير تحول القدس المحتلة خلال السنوات الماضية إلى مدينة طاردة للمستوطنين، وتتعمد أذرع الاحتلال عدم نشر معطيات محدثة تتصل بالسكان في القدس المحتلة، إلا أن الهجرة العكسية من القدس المحتلة خاصة، والكيان بشكلٍ عام تصاعدت بشكلٍ كبير منذ السابع من أكتوبر، وبعيدًا عن المعطيات التفصيلية المرتبطة بالمرحلة ما بعد 'طوفان الأقصى'، نورد في النقاط الآتية تفصيل للهجرة السلبية بحسب معطيات الاحتلال المنشورة:
- في عام 2019 سجلت الهجرة السلبية 8200 مستوطن.
- في عام 2020 سجلت الهجرة السلبية 7800 مستوطن.
- في عام 2021 سجلت الهجرة السلبية 10800 مستوطن.
- في عام 2022 سجلت الهجرة السلبية 15500 مستوطن.
زيادة الحريديم قنبلة موقوتة
وأمام المعطيات السابقة، وما تُشير إليه من غلبة المستوطنين المتدينين على مجمل المستوطنين في هذه المدينة، وانعكاسات تنامي أعدادهم على الوجود الإسلامي وهوية المدينة من جهة، وعلى واقع المستوطنين من جهة أخرى، إذ تُظهر مستويات الاحتـلال خوفًا متزايدًا من هذه التطورات على الصعيد الديموغرافي، ومنها تصريحات لنائب رئيس بلدية الاحتلال السابق عوفر بروكوفيتش حول وجود ثغرة كبيرة بين المستوطنين المتدينين والعلمانيين في القدس المحتلة، وهو ما يؤثر على الهجرة العكسية، التي وصلت إلى أعلى مستوياتها، وأكد بروكوفيتش بأن مستقبل الاحتلال في القدس في خطر، نتيجة تراجع أعداد العلمانيين الصهاينة، وهو ما سيؤثر على قدرة الاحتلال على إدارة المدينة وتسيير شؤونها.
وفي عام 2022 عبّر بروكوفيتش عن مخاوفه من أن تصبح القدس مدينة حصرية للمجتمع الحريدي، وأن المدينة ستصل إلى هذا الواقع خلال 20 سنة، إذا لم تُقدّم قيادة المدينة 'أفقًا اقتصاديًا وجودة حياة' لكل فئات السكان، وقصد هنا بطبيعة الحال المستوطنين، وقد قال حينها 'إذا وُجِّهت الخدمات فقط للمجتمع الحريدي — فلن يبقى فيها علمانيون. وهذا ليس جيدًا للمدينة.'
أخيرًا، تُظهر المعطيات الميدانية والديموغرافية أن محاولات الاحتلال الصهيوني الرامية إلى فرض تغييرات جوهرية في تركيبة القدس السكانية تواجه تناقضات داخلية عميقة، على الرغم من محاولاتها الحثيثة لتقليل حجم الوجود الفلسطيني وكثافته. ففي ظل فشل المشروع الاستيطاني في جذب المستوطنين العلمانيين، وتحول القدس إلى مدينة طاردة للمستوطنين، يُصبح تنامي الوجود الحريدي إشكالية مكثفة للاحتلال وأذرعه المختلفة، وتهدد رؤيته المستقبلية للمدينة من جهة، فزيادة أعداد الحريديم، رغم ما يروّج له من 'أفضلية ديموغرافية'، تُفاقم التصدع المجتمعي داخل الكيان، وتكشف عن أزمة هوية واقتصاد وحوكمة تُهدّد بتحويل القدس إلى مدينة منقسمة داخليًا، تُدار بمنطق طائفي أكثر من كونها عاصمة سياسية أو روحية.
على المقلب الآخر، ومع ما تشير إليه هذه المعطيات من فرص كبيرة، إلا أن استهداف الاحتلال للوجود الفلسطيني، وسعيه إلى طردهم من القدس المحتلة من خلال التضييق على حياتهم وحرمانهم من السكن والحقوق، تشكل حلقة في سياق التغيير الممنهج لهوية المدينة وتركيبتها السكانية، ولا شكل بأن هوية القدس الحقيقية لا تُقرَّر في دوائر الاستيطان، ومن خلال قرارات الحكومة المتطرفة، بل عبر صمود أهلها، وارتباطهم بأرضهم وأقصاهم.

























































