اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٥ حزيران ٢٠٢٥
بعد مرور أكثر من 600 يوم على اندلاع الحرب الإسرائيلية الشاملة على قطاع غزة، لا تزال المقاومة الفلسطينية صامدة وفاعلة، في حين تتكشف مؤشرات فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أيٍّ من أهدافه العسكرية أو السياسية، وسط أزمات متفاقمة داخليًا وخارجيًا تُضعف قدرته على مواصلة الحرب أو فرض إرادته.
وفي قراءتهما للمشهد بعد أكثر من عام ونصف العام من حرب الإبادة الإسرائيلية، يُجمع خبيران عسكريان على أن الاحتلال أخفق استراتيجيًا وميدانيًا، وأن المقاومة حققت مكاسب تكتيكية وسياسية حالت دون انتصار الاحتلال أو فرض معادلاته.
كبح الاندفاع الصهيوني
يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد أن 'الاحتلال الإسرائيلي لم ينجح في تحقيق أي من أهدافه المعلنة في قطاع غزة، رغم مرور 600 يوم من القتال، ورغم تصريحات بنيامين نتنياهو بأنه يقاتل على ست جبهات وسيغيّر وجه الشرق الأوسط'.
ويقول أبو زيد لصحيفة 'فلسطين': 'منذ بداية الحرب، أعلن الاحتلال ثلاثة أهداف رئيسية: القضاء على المقاومة، ونزع سلاحها، واستعادة الأسرى بالقوة. لكن بعد كل هذا الوقت، ما تزال المقاومة تطلق الصواريخ، ولم تُجرد من سلاحها، كما أن استعادة الأسرى لم تتحقق إلا عبر صفقات تبادل، لا من خلال القوة'.
ويضيف: 'لم نرَ علمًا أبيض يُرفع من أي مقاوم، رغم كل المجازر. الاحتلال لم يخُض قتالًا حقيقيًا، بل مارس تدميرًا وقتلًا ممنهجًا بحق المدنيين، وجيشه جيش قتل لا جيش مقاتلين. لذا يمكن القول إن المقاومة منعت الاحتلال من تحقيق النصر، وهذا بحد ذاته يُعدّ انتصارًا لها'.
ويُبرز أبو زيد أثر الحرب على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، قائلًا: 'وفق الإحصاءات الإسرائيلية، هاجر أكثر من 250 ألف إسرائيلي خلال الحرب، وسط تصاعد الأزمات الاقتصادية والسياسية. كما بدأ الرصيد الدولي لـ(إسرائيل) يتآكل، فقد وجهت دول مثل بلجيكا وأستراليا وأيرلندا، وأخيرًا ألمانيا، انتقادات صريحة لسياساتها في غزة، في مؤشر واضح على تراجع مكانتها الدبلوماسية في الغرب'.
ويرى أن المقاومة الفلسطينية حققت مكاسب استراتيجية وتكتيكية مكّنتها من الصمود طيلة هذه المدة، مضيفًا: 'نتنياهو تحدث عن تغيير وجه الشرق الأوسط، لكن ما غيّر معادلات المنطقة فعلًا هو يوم 7 أكتوبر، لا سياساته المتطرفة'.
وختم أبو زيد بالقول: 'لولا عملية طوفان الأقصى، لواصل نتنياهو عنجهيته في فرض الأدبيات الصهيونية ليس فقط في فلسطين المحتلة، بل على كامل المنطقة. لكن المقاومة كبحت جماح المشروع الصهيوني بعد 600 يوم من القتال، وأعادت رسم معادلات جديدة على الأرض'.
(إسرائيل) لا تعبأ بجنودها
من جانبه، يرى الخبير العسكري ناجي ملاعب أن الحرب الإسرائيلية على غزة أكدت مجددًا أن (إسرائيل) لا تُعير أهمية لمواطنيها أو جنودها، بل تعتبر الحرب غاية قائمة بذاتها، لا وسيلة للسياسة.
وقال ملاعب لـ'فلسطين': '(إسرائيل) سبق أن اجتاحت بيروت عام 1982 بذريعة اعتداء على أحد عناصر سفارتها في بريطانيا، لكن تبيّن لاحقًا أن المزاعم غير صحيحة. ما جرى حينها وما يجري اليوم يُثبت أن (إسرائيل) لا تهتم بجنودها أو بمواطنيها، وأنها ما تزال متمسكة بنظرية جابوتنسكي الصهيونية'.
وتابع: 'فلاديمير جابوتنسكي، أحد منظري الصهيونية، كتب عام 1926 أن اقتلاع شعب من أرضه لا يكون إلا بالحرب، ثم الحرب، ثم الحرب. هذا ما نراه اليوم. كل الحكومات الإسرائيلية، وليس فقط اليمينية، تؤمن بأن الحرب هي المدخل إلى السياسة، وليس العكس. ولهذا تستمر الحرب دون أهداف واضحة'.
وأوضح ملاعب أن المجتمع الإسرائيلي نفسه بدأ يشعر بعبثية الحرب، وهو ما عبّر عنه بعض وزراء الكابينت الذين طالبوا بوضع أهداف محددة، مثل غانتس وأيزنكوت اللذين استقالا لاحقًا، في حين صمت رئيس الأركان السابق هاليفي بعدما صرّح بأن 'الجيش حقق أهدافه ويجب الانسحاب'.
أما عن الشارع الإسرائيلي، فقال: 'المظاهرات التي خرجت لم تكن حاسمة، لأن المعارضة لم تدعمها بقوة، وكانت محصورة في أهالي الأسرى. وبالتالي، سقطت مقولة أن العنصر الإسرائيلي مهم لدى حكومته'.
وأشار إلى أن المقاومة، وتحديدًا حركة حماس، أثبتت قدرة تنظيمية وقيادية عالية، ظهر ذلك في دقة التنسيق أثناء وقف إطلاق النار، ما يعكس تماسكًا داخليًا لم يستطع الاحتلال زعزعته.
ويرى ملاعب أن استمرار المقاومة يعود إلى قوة شبكة الأنفاق تحت الأرض، قائلاً: '(إسرائيل) لم تنجح في القضاء على شبكة الأنفاق، وهي أحد أبرز أسباب صمود المقاومة. هناك غزة أخرى تحت الأرض. وتشير تقارير إسرائيلية إلى أن حماس أعادت بناء قوتها بشكل كبير، وتضم اليوم نحو 40 ألف مقاتل، وتستفيد حتى من الذخائر غير المنفجرة لإعادة التذخير'.
وأضاف: 'رغم السيطرة الجوية والبرية والنارية للاحتلال، ما تزال المقاومة تطلق الصواريخ وتنفذ كمائن مركبة عالية التنظيم. وهذا يدل على تطور كبير في قدراتها العسكرية'.
وعلى الصعيد الدولي، يؤكد ملاعب أن الاحتلال ما زال يحظى بدعم غربي واسع، قائلًا: 'الولايات المتحدة وافقت مؤخرًا على دعم عسكري بقيمة 3 مليارات دولار، منها 300 مليون لتمويل جرافات تُستخدم في تدمير غزة. لكن رغم هذا الدعم السياسي والعسكري والمالي، فشلت (إسرائيل) في تحقيق حسم عسكري'.
وختم ملاعب قائلًا: 'المقاومة ما زالت قائمة، وستبقى الأرض في يدها مهما حاول الاحتلال نزعها بالقوة. الدعم الخارجي لم يُغيّر الحقائق على الأرض، بل على العكس، أظهر فشل الاحتلال رغم تفوقه التكنولوجي والعسكري'.