اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٦ شباط ٢٠٢٥
في أحد مراكز إيواء النازحين في منطقة جباليا البلد، شمالي قطاع غزة، يعيش الطبيب إياس البرش بين الذكريات المؤلمة لحرب الإبادة الإسرائيلية والإصرار على تحقيق العدالة ضد قادة الاحتلال وجنوده.
اعتقلت قوات الاحتلال البرش عندما كان على رأس عمله في علاج جرحى الحرب داخل مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة، بعد اقتحامه فجر الـ18 من مارس/ آذار 2024.
يتذكر اللحظات الأولى لاعتقاله: 'دخلوا المستشفى وأخذوني دون أي تهمة واضحة أو تفسير.'
تلك الليلة كانت بداية فصل مظلم في حياة الطبيب البرش، فقد نقله جيش الاحتلال إلى معتقل 'سديه تيمان' سيئ الصيت والسمعة، والذي استشهد فيه عشرات المعتقلين الغزِّيين جراء عمليات القهر والتعذيب.
يقول البرش لـ 'فلسطين أون لاين': 'تعرضت لأشكال متعددة من التعذيب النفسي والجسدي.'
ورغم الإفراج عنه يوم 15 فبراير/ شباط 2025، لا يزال البرش يعاني تبعات الاعتقال وعمليات التعذيب التي تعرض لها.
'كل يوم أعاني من الألم، ليس فقط الجسدي ولكن النفسي أيضًا'، يقول البرش وعيناه تلمعان بالأسى.
بدأ جيش الاحتلال حرب الإبادة يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، واستمرت 471 يومًا قبل إعلان وقف إطلاق النار، وتعمد خلالها استهداف المنظومة الطبية ومستشفياتها، فقتل واعتقل الكوادر الطبية.
أما اقتحام مجمع الشفاء في مارس، فقد استمر أسبوعين كاملين، قتل خلالها جيش الاحتلال أكثر من 200 مواطن، وأقام مقابر جماعية في ساحة المجمع، واعتقل عددًا كبيرًا من النازحين، إضافة إلى أطباء وممرضين.
قهر وتعذيب
البرش، البالغ من العمر 30 عامًا، ليس فقط طبيبًا اعتقل في سجون الاحتلال ثم أُطلق سراحه، بل هو أيضًا ابن شقيق الشهيد الطبيب عدنان البرش، رئيس قسم العظام في مجمع الشفاء، والذي كان معتقلًا أيضًا في 'سديه تيمان' وتعرض لتعذيب شديد هناك قبل نقله إلى سجن 'عوفر' وإعلان استشهاده.
ترك التعذيب والذل والإهانة التي واجهها الطبيب البرش داخل سجون الاحتلال آثارًا نفسية وجسدية لا تزال تلازمه.
ومن الأشياء العالقة في ذهنه أسماء الأقسام التي كان معتقل 'سديه تيمان' يضمها، والتي تعرف عليها خلال الأشهر الأربعة التي قضاها هناك تحت التعذيب والإهانة.
يقول: 'كان هناك قسم اسمه (الجحيم) وآخر اسمه (جهنم)، وهما القسمان الأكبر في المعتقل والأشد فتكًا بالمعتقلين.'
ويضيف، وعيناه تتلألآن بالدموع مستذكرًا مشاهد مؤلمة: 'أمضينا أيامًا في غاية القسوة، كنا طوال الوقت معصوبي الأعين، مكبلي الأيدي، ومن يخالف تعليمات السجانين والجنود الإسرائيليين يتعرض لإهانة وتعذيب لم نشهده من قبل.'
منذ الإفراج عنه، يعيش البرش في مركزٍ لإيواء النازحين بعد أن دمر جيش الاحتلال منزل عائلته خلال عمليات القصف والنسف التي نفذها بالقرب من دوار أبو شرخ، شرق حي الصفطاوي، والتي طالت محافظة شمال القطاع بالكامل.
لم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد قتل جيش الاحتلال شقيقيه سامح (22 عامًا) ومحمود (17 عامًا) خلال الحرب.
يقول البرش، بصوت مليء بالتحدي: 'فقدت الكثير، لكنني لم أفقد إيماني بالعدالة.'
ويضيف: 'نعيش في ظروف صعبة هنا، لكننا صامدون. نحن نؤمن بحقنا في هذه الأرض، ولن نتخلى عنها مهما كانت الظروف.'
ملاحقة الاحتلال
لا يسعى البرش إلى التعافي من جروحه فحسب، بل يتطلع أيضًا إلى ملاحقة قادة الاحتلال وتحقيق العدالة.
يقول: 'التعذيب الذي واجهته يجب أن يُحاسب عليه المسؤولون في حكومة الاحتلال وجيشه. لن أترك هذا الأمر يمر دون عقاب.'
ويضيف: 'لقد فقدت عمي، واستشهد إخوتي، ولن أدع دماءهم تذهب هباءً. سأكافح حتى آخر نفس من أجل تحقيق العدالة لهم ولجميع الذين عانوا من الظلم.'
رغم المعاناة الكبيرة التي يعيشها إياس، يجد الدعم من أفراد مجتمعه.
يقول: 'الجيران والأصدقاء هنا يقدمون لي دعمًا معنويًا كبيرًا، وهذا يعطيني القوة لمواصلة الكفاح.'
وعن أمله في المستقبل، يقول: 'أحلم باليوم الذي أرى فيه قادة الاحتلال يُحاسبون على جرائمهم. أحلم باليوم الذي أعيش فيه بأمان وسلام في أرضي.'
وبقدر ما واجه البرش من قسوة وتعذيب في سجون الاحتلال، وما خلَّفه ذلك من تداعيات نفسية وجسدية، فإنه يصر بقوة على العودة إلى العمل كطبيب، بعد كل ما مر به، لتقديم المساعدة الطبية للمرضى وجرحى حرب الإبادة.
رغم الظروف الصعبة، يبقى البرش متمسكًا بالأمل: 'لن نفقد الأمل مهما كانت الصعاب. سنبقى هنا، نصمد ونكافح من أجل حقوقنا.'
ويختم حديثه قائلًا: 'ربما يكون طريقي طويلًا وصعبًا، لكنني أؤمن بأن النصر في النهاية سيكون حليفنا. لن نتخلى عن أرضنا، وسنواصل الكفاح من أجل تحقيق العدالة.'