اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢ أيلول ٢٠٢٥
مع كل صباح، وقبل أن تشتد حرارة الشمس، يخرج الخمسيني أيمن الهسي، وهو من سكان جباليا النزلة شمال شرقي مدينة غزة، متجهًا نحو أقرب نقطة تسمح له بالاطمئنان على منزله، الذي أصبح في مرمى نيران الاحتلال الإسرائيلي.
لكن هذه الخطوة البسيطة محفوفة بالمخاطر، ففي كل مرة يحاول الاقتراب، يواجه الهسي، وغيره من السكان إطلاق نار مباشر من طائرات 'كواد كابتر' التابعة لقوات الاحتلال، والتي تطلق الرصاص والقنابل الصغيرة على كل من يتحرك في المنطقة، في محاولة لترهيب السكان ومنعهم من البقاء.
ومنذ نحو أسبوعين، تشن قوات الاحتلال عملية عسكرية واسعة في شمال مدينة غزة، وتحديدًا في منطقتي جباليا البلد والنزلة وأبو اسكندر، مستخدمة أسلحة متطورة أبرزها الروبوتات المتفجرة، وهي آليات قتالية يتم تحميلها بأكثر من سبعة أطنان من المتفجرات، قبل أن تُفجَّر وسط المناطق السكنية، مسببة دمارًا واسع النطاق وهدمًا شبه كامل للمنازل.
تهجير قسري
ويقول الهسي، إنه أجبر على مغادرة منزله قبل أيام، بعدما اقتربت هذه الروبوتات من الحي الذي يسكن فيه، تزامنًا مع القصف العنيف وسقوط القذائف بكثافة، ما أدى استشهاد عشرات المواطنين الذين رفضوا النزوح وتمسكوا بالبقاء في منازلهم.
ويؤكد الهسي، لـ 'فلسطين أون لاين' أن ما يجري على الأرض هو عملية ممنهجة لتدمير الأحياء السكنية ودفع السكان قسرًا إلى جنوب قطاع غزة، في إطار سياسة التهجير القسري التي تنتهجها سلطات الاحتلال.
لكنه، كحال كثيرين من سكان غزة، يرفض الانصياع لهذه السياسة، ويصر على البقاء قريبًا من منزله، ولو من بعيد، مفضلاً النزوح نحو غرب المدينة بدلًا من التوجه إلى الجنوب كما تطالب قوات الاحتلال.
حال الهسي، لا يختلف كثيرًا عن حال محمود الأسود، وهو من سكان منطقة أبو اسكندر، الذي اختار نقل أسرته المكونة من زوجته وسبعة أطفال إلى منطقة أكثر أمنًا في غرب غزة، بينما بقي هو وحيدًا في منزله، يراقب من بعيد ويحاول حماية ما تبقى من ذكرياته وممتلكاته.
ويقول الأسود لـ 'فلسطين أون لاين': إن منطقته أصبحت ساحة معركة حقيقية، فالقصف لا يتوقف، والانفجارات تهز الأرض بشكل مستمر، ورغم ذلك، فإن كثيرًا من السكان ما زالوا يرفضون المغادرة، مفضلين الموت في بيوتهم على التهجير إلى المجهول.
ويتابع الأسود: 'قبل أيام ألقت طائرات الكواد كابتر، قنابل متفجرة على المارة في الشوارع، ما أدى إلى استشهاد أربعة مواطنين وإصابة العشرات بجراح خطيرة، وكل من يتحرك يُستهدف بلا تمييز، حتى الأطفال والنساء'.
ورغم كل هذا العنف، يوجه سكان مدينة غزة دعوة قوية لبعضهم البعض للثبات وعدم مغادرة المدينة، رفضًا للمخطط الإسرائيلي لتفريغ غزة من سكانها الأصليين.
ويؤكدون أن الدعوات التي يطلقها جيش الاحتلال عبر منشوراته أو اتصالاته للسكان بالتوجه إلى الجنوب، بحجة وجود 'مناطق إنسانية آمنة'، ليست إلا خدعة، في ظل القصف المتواصل الذي يطال كل أرجاء القطاع دون استثناء.
نداء للعالم
ويطلق محمود الغندور، وهو أحد سكان حي أبو اسكندر، نداءً للعالم العربي والإسلامي، ولكل أحرار العالم، مطالبًا بالخروج في مظاهرات حاشدة تنديدًا بـ'حرب الإبادة الجماعية' ضد سكان قطاع غزة.
ويقول الغندور، لـ 'فلسطين أون لاين': إن الاحتلال يتعمد استهداف المدنيين ومنازلهم لفرض واقع جديد بالقوة، مشيرًا إلى أنه، كحال الكثيرين، يضطر لتفقد منزله نهارًا، بينما يغادره ليلاً حفاظًا على حياته، بسبب استمرار القصف وعمليات الاستهداف من الطائرات المُسيّرة التي تطلق النار على أي حركة.
ويضيف الغندور، أن ما يحدث في حيّه لم يعد يُحتمل، فالصواريخ تنهال من الجو، والقذائف من المدافع، وأصوات الانفجارات لا تتوقف.
ومع ذلك، يرفض السكان أن يكونوا جزءًا من مخطط التهجير، ويؤكدون أن تمسكهم بمنازلهم هو شكل من أشكال المقاومة.
ويختم الغندور، حديثه قائلاً: 'نحن هنا لنموت بكرامة في بيوتنا، ولن نغادرها مهما كانت الظروف، فالأرض لنا، والمنازل لنا، وإذا خرجنا، فإننا نمنح الاحتلال ما يريد'.
ورغم آلة الحرب الإسرائيلية ووسائلها التكنولوجية المتقدمة، يظل سكان غزة، في جباليا البلد والنزلة وأبو اسكندر ومناطق أخرى، صامدين، متمسكين بحقهم في الحياة والوجود، رافضين أن يكونوا ضحايا جديدة لموجة تهجير قسري جديدة.
وبدعم أمريكي، تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 63،371 شهيدًا، و159،835 مصابًا، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.