اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢١ حزيران ٢٠٢٥
لا تقل أوضاع مرضى السرطان خارج غزة صعوبة عما هي عليه الحال داخل القطاع، فلم يكن سفر مرضى السرطان من غزة إلى الخارج نجاةً من براثن الحرب والمرض نتيجة تدمير الاحتلال الإمكانات والمستشفيات التخصصية لعلاجهم في القطاع، فبداخل المستشفيات المصرية تُرك الكثير منهم دون متابعة طبية وكافحوا في رحلة بحث شاقة عن العلاج، بين أروقة سفارة السلطة بالقاهرة التي صال فيها المرضى وجالوا بين مكاتب المسؤولين للحصول على علاج وتغطية ولم يتلقوا أي شيء سوى 'وعود وتسويف ومماطلة'.
مكث كثيرون من المرضى بين غرف المستشفيات دون البدء بعلاجٍ إشعاعي أو كيماوي، ما دفع كثيرين منهم وبعد تفشي المرض باستكمال العلاج على نفقتهم الشخصية أو بالحصول على تبرعات خيرية.
وكشف مرضى سرطان لصحيفة 'فلسطين' أن سفارة السلطة بالقاهرة لا تقوم بدورها المطلوب تجاه توفير الرعاية الملائمة لهم فضلا عن قطع البرتوكول العلاجي لهم مع عدم تقديم دعم مالي، متهمين شخصيات محددة داخل السفارة بـ 'المحاباة والواسطة' لمرضى معينين ومرافقيهم.
تمييز ومحاباة
نداء (اسم مستعار) وهي مريضة سرطان 'ثدي' تقول: 'كمرضى متواجدين بالقاهرة، فإن سفارتنا لا علاقة لها بنا، عندما نذهب إليها للحصول على أي ورقة نعامل بشكل غير لائق، هناك شخصية تدعى 'ن. ب' كل المرضى يشتكون منها، فمثلا نحن كمرضى حصلنا على تغطية مالية من وزارة الصحة ونعيش بسكن مجاني، هناك مرضى سمحوا لهم بجلب أزواجهم وأولادهم معهم، ومرضى آخرين منعوا من ذلك وهذا كله تمييز لاعتبارات المحاباة'.
وتضيف نداء، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، لصحيفة 'فلسطين': 'يفترض أن يكون لنا راتب أو مخصص شهري. في أكتوبر ونوفمبر 2023 قدموا لنا مبلغ 4 آلاف جنيه، ورغم أنه مبلغ قليل إلا أنهم قطعوه بالرغم من وجود دعم، فضلا عن التكلفة الباهظة لعلاج السرطان بمصر. في المشفى حددوا لي 16 جرعة كيماوي أخذت جرعتين، ونقلت على السكن وقطع العلاج عني، ومكثت خمسة أشهر بدون علاج، وأمضيتها دائرة بين السفارة والمشفى وهذا مع وجود تغطية مالية'.
وتتابع: 'طلبت مني السفارة التوجه لمعهد الأورام، وهناك أبلغوني أنه علي انتظار انتهاء علاج 2700 حالة، وهذا يعني أن حالتي ستتفاقم ومريض السرطان لا يمكنه الانتظار، وهناك مرضى توفوا بسبب ذلك، ولولا قدوم متبرع من مدينة سوهاج قام بأخذ مرضى سرطان فلسطينيين وعالجهم على نفقته لساءت حالتي، وكنت يوميا أذهب في طريق طويل تستغرق تسع ساعات ذهابا ومثلها عودة، حتى انتهيت من العلاج وكانت نتائج الفحوصات الأخيرة جيدة'.
ولا تنحصر مشاكل المرضى عند موضوع العلاج، بل تتفاقم في العيش داخل سكن تتشارك فيه عدة عائلات سواء داخل الشقة الواحدة أو داخل الغرفة نفسها، وعن ذلك توضح: 'يضعون كل أربعة مرضى بغرفة واحدة، من خلال وضع أسّرة من ثلاثة طوابق بغرفة واحدة بعرض ثلاثة أمتار مربعة، لم يوفروا لنا طعاما ولا مساعدات، قد توضع أربعة عائلات بغرفة واحدة، وقد يتم وضع كل عائلة بغرفة داخل الشقة نفسها، مما ينتج مشاكل وخلافات بين الأسر، على النظافة والأطفال، المشاركة بدورة المياه والمطبخ فضلا عن التدخل بالخصوصيات، وجود رجال بعائلة بنفس الشقة والعائلة الأخرى يكون بينهم نساء'.
أما الحاجة صبحية البابا من بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، فوصلت مصر في 7 إبريل/ نيسان 2024، بعد مكوث دام سبعة أشهر للعلاج بالمستشفى الأوروبي، في آخر ثلاثة أشهر لها بغزة انقطع العلاج.
تقول ابنتها المرافقة لصحيفة 'فلسطين': 'نزلنا بمستشفى النيل، لكن تفاجأنا أنهم طلبوا منها استمرار أخذ العلاج الهرموني، رغم أنها تحتاج جرعات كيماوية، ومضت سنة كاملة ولم يسأل علينا أحد، وكنا نجلب الدواء على نفقتنا من حبوب كيماوي وهرمونات وعلاج للقلب، فقمنا بعرضها على طبيبة خاصة وأجرينا تحاليل: مسح ذري، وإيكو، وتحاليل دم، وأقرت لها 17 جرعة كيماوي على أن يكون الوقت الزمني بين جرعة وأخرى 21 جرعة ثم استئصال الثدي'.
وتتابع: 'ذهبنا لوزارة التضامن وللسفارة، وقمنا بتجديد التحويلة والتغطية المالية التي صدرت قبل رمضان الماضي، وقدمناها لسفارة (السلطة) بالقاهرة والآن وبعد كل هذا الانتظار سنبدأ العلاج، لكن للأسف حالتها صعبة، وفي كل مرة تذهب للمستشفى تخرج بإسعاف على نفقتنا بأسعار باهظة'.
وبلغ عدد مرضى السرطان في قطاع غزة 11 ألف مريض بينهم 2900 مريض بانتظار السفر، ونحو 1500 مريض فقط تمكنوا من السفر خلال حرب الإبادة المستمرة منذ 20 شهرا.
انتظار مجهول
أجرت سناء أحمد (اسم مستعار) عملية استئصال للثدي نهاية سبتمبر/ أيلول 2023، لكن حدوث حرب الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/ تشرين أول من العام ذاته، حال دون استكمالها العلاج الإشعاعي، وبعد نزوحها القسري من مدينة غزة لمنطقة الزوايدة وسط القطاع ثم محافظة رفح، تقدمت بتحويلة طبية في نوفمبر/ تشرين ثاني من ذات العام، وصدرت في مارس/ آذار 2024 ورافقها طفلتاها وأمها للسفر لاستكمال العلاج بالقاهرة.
تقول أحمد، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، لصحيفة 'فلسطين': 'نزلت بالمشفى المصري ومكثت شهرًا كاملاً دون علاج، ثم طلبوا مني الخروج من المشفى على السكن الذي تديره وزارة التضامن. خرجت دون أية معلومات أو مواعيد عن كيفية المتابعة وطريقة العلاج، وعندما وصلت السكن المخصص للمرضى الفلسطينيين، ذهبت مرارا سواء للمشفى أو السفارة لطلب العلاج دون استجابة من أي جهة كانت، وكلها كانت توجه وعودا، فضلا عن التسويف والمماطلة في كل مرة'.
وتضيف: 'كانوا في السفارة يوجهوننا لمستشفيات مصرية، وكان الأمر شكليًا فقط فعندما نصل المشفى لا يتم علاجنا ويطلبون منا المغادرة، وهذا الإجراء هدفه أن تمل وتترك المتابعة، فعلى مدار عام ونصف لم أحصل على حبة دواء واحدة لعلاج مرض السرطان سواء من المستشفيات أو من خلال السفارة الفلسطينية بالقاهرة'، لافتة، إلى أن 'فاعل خير' هو من وقف بجانبها ووفر لها العلاج الإشعاعي.
ورغم أنها استطاعت توفير العلاج الإشعاعي، لم تقم المشفى باستكمال التصوير والمتابعة، وتتابع: 'تبقى استكمال العلاج الهرموني وبنفس الطريقة سعيت وبحثت كثيرا إلى أن وصلت لمجموعة أفراد يساعدون حالات قليلة من مرضى السرطان، وقبلوا مساعدتي ضمن برنامجهم وقاموا بتغطيتي ماليا وتوفير العلاج اللازم. السفارة تخلت عنا ولولا فاعلي الخير لتفاقمت حالتي'.
وبحسب مصدر مطلع على واقع مرضى السرطان بمصر، فإن المرضى بمصر ينقسمون إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول موجود بالمستشفيات وليس له علاج بهذه المستشفيات ولا يتم تحويله على مكان آخر، وقسم من المرضى موجود بالمستشفيات ويأخذ علاجا بسيطا وقليلا، وقسم أنهى علاجه وموجود بمساكن وأوضاعهم صعبة، ويتم وضع نحو خمس عائلات في شقة واحدة وهذا لا يتناسب مع عادات الشعب الفلسطيني الاجتماعية.
ووفق تقديرات المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته لصحيفة 'فلسطين' يبلغ عدد مرضى السرطان من غزة بمصر نحو 700 مريض، استطاع الوصول إليهم توفي العديد منهم نتيجة تأخير علاجهم، مؤكدًا، عدم وجود جهات رسمية تتابع أوضاع المرضى الذين يضطرون لخوض رحلة صعبة للانتقال من مشفى لآخر، فضلا عن تقييد حركتهم داخل المسكان وتقييد على زيارتهم.
وعن دور السفارة، يوضح 'تحاول السفارة حصر دورها بالمعايير المصرية بأشد ما يمكن، دون التدخل لمساعدة المرضى بأقصى طاقة، ودورها ينحصر بالحدود الأدنى في أي شيء قد تفعله تجاه المرضى، وليس لديها قسم لاستقبال الشكاوى أو أية استفسارات من المرضى.