اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٩ حزيران ٢٠٢٥
أعادت مشاهد كمين خان يونس التي بثّتها كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، حيثيات المعركة في قطاع غزة إلى الواجهة بقوة، ليس فقط عسكريًا، بل على مستوى الوعي الإسرائيلي العام، ومستوى الثقة في جيش وحكومة الاحتلال.
فبينما تدعي التصريحات السياسية الرسمية الإسرائيلية تحقيق ما تسميها 'إنجازات' مزعومة في قطاع غزة، تأتي صور الميدان لتفند تلك الرواية وتكشف حجم الفجوة بين الخطاب والميدان.
العملية التي نُفّذت قرب مسجد علي بن أبي طالب جنوب خان يونس، الثلاثاء الماضي، وأسفرت عن مقتل 7 جنود إسرائيليين بينهم ضابط، جرى توثيقها بكامل تفاصيلها، من تتبع ناقلتي جند وسط أنقاض البيوت، وتقدم المقاومين نحوهما، وإلقاء العبوة الناسفة دخل قمرة القيادة، واشتعال الآليتين بمن فيهما، في مشهد شكّل نقطة تحول جديدة في الحرب الدائرة في قطاع غزة ، بحسب مختصين في الشأن الإسرائيلي.
صدمة إسرائيلية
الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي، نزار نزال، قال إن مشاهد كمين خان يونس شكّلت 'صدمة حقيقية في الشارع الإسرائيلي'، مضيفًا أن أصواتًا بدأت تتعالى داخل الحكومة والكنيست تطالب بانسحاب فوري من قطاع غزة.
وأوضح نزال لصحيفة' فلسطين'، أن 'هناك من يقول بوضوح داخل (إسرائيل): لا يُعقل أن نرمي بجنودنا في هذه المذبحة دون أي أهداف سياسية أو عسكرية واضحة'، مشيرًا إلى أن العملية عمقت مشاعر الاحتقان والتململ، وكشفت هشاشة جيش الاحتلال وتراجع قدرته على التعامل مع الواقع الميداني داخل غزة.
وأضاف: 'المقاومة الفلسطينية أثبتت أنها ما زالت تمتلك زمام المبادرة، وتتعاطى بثقة وقوة على الأرض، بما يفنّد رواية نتنياهو وحكومته التي تدعي القضاء على المقاومة، بل إن هذه العملية تدعم موقف الوفد الفلسطيني المفاوض في أي مباحثات مقبلة بشأن وقف إطلاق النار'.
وفيما يخص ثقة الجمهور الإسرائيلي بالقيادة السياسية، أشار نزال إلى أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو 'روّج بعد الهجوم على إيران أنه أنهى تهديدًا وجوديًا تمثل بالسلاح النووي، لكن الشارع الإسرائيلي بدأ يفقد ثقته في هذه الخطابات'.
وتابع: 'صحيح أن استطلاعات الرأي أظهرت صعودًا مؤقتًا لشعبية نتنياهو إلى نحو 31 مقعدًا، لكن هذه النسبة ستتراجع سريعًا مع استمرار العمليات في غزة، لأنها تشكّل نقطة الانطلاق والنهاية في نظر الشارع الإسرائيلي'.
وأكد نزال أن مشاهد ميدانية مثل مطاردة المقاومين للآليات ومحاولات فتح أبوابها، وظهور ناقلات الجنود تهرب من عناصر المقاومة، سببت موجة غضب واسعة تجاه المؤسسة العسكرية، لافتًا إلى أن مشهد إلقاء عبوة ناسفة داخل ناقلة ومقتل سبعة جنود أحدث 'زلزالًا نفسيًا وسياسيًا' داخل كيان الاحتلال، وكرس فقدان الثقة المتزايد بالجيش والنخب السياسية والأمنية.
وعن مستقبل الاستراتيجية الإسرائيلية في غزة، قال نزال: 'إذا استمرت المقاومة في تنفيذ عمليات من هذا النوع، ومع انتقال تأثيرها إلى الداخل الإسرائيلي وازدياد أعداد القتلى، فإن ذلك سيضغط على الحكومة ويجبرها على مراجعة موقفها'، مضيفًا أن 'رمال غزة تبتلع الجنود الإسرائيليين، وقد بدأت أصوات داخل (إسرائيل) تصف القطاع بأنه مقبرة للجيش و'فيتنام الشرق الأوسط'، وتدعو إلى انسحاب فوري، حتى لو جاء ذلك بشكل غير معلن'.
تداعيات داخلية
أما الخبير في الشأن الإسرائيلي عادل شديد، رأى أن مشاهد العمليات الفدائية التي تنفذها المقاومة الفلسطينية، لاسيما كمين خان يونس الأخير، لها تداعيات نفسية واجتماعية عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، لا سيما على وعي الجمهور الإسرائيلي وأسر الجنود.
وقال شديد في حديثه لـ'فلسطين' إن 'جرأة الشاب الفلسطيني الذي ألقى العبوة داخل ناقلة الجند، تُضعف معنويات الجنود وتثير ذعرهم، بل وتقلق ذويهم بشكل خاص'، مضيفًا أن 'كل جندي يبدأ بالتفكير في مصيره الشخصي، وأهالي الجنود يبدأون في الخوف على أبنائهم، لتتحول غزة إلى كابوس نفسي يطارد العائلات الإسرائيلية'.
وأوضح أن هذا التأثير قد ينعكس بشكل عملي على الأرض من خلال 'نقاشات رافضة واحتجاجات داخلية متزايدة'، حيث 'يبدأ الأهالي بالضغط على المؤسسة العسكرية، ويرفض بعضهم إرسال أبنائهم للخدمة في غزة، بل قد يتوجهون إلى القواعد العسكرية للمطالبة بإعفائهم'.
وأضاف: 'هذا يذكّرنا بما جرى في أواخر التسعينات في جنوب لبنان، حينما أدت العمليات الفدائية وارتفاع أعداد القتلى إلى إطلاق حركة 'الأمهات الأربع'، التي شكّلت لاحقًا عامل ضغط أساسي أجبر القيادة السياسية على الانسحاب'.
وفيما يتعلق بكيفية تعامل حكومة الاحتلال مع هذه المشاهد، يرى شديد أنها 'تكذّب السردية الرسمية التي تتحدث عن الإنجازات وتحقيق الأهداف'، مؤكداً أن 'ما يظهر في الميدان يعكس صورة معاكسة تمامًا، ويثبت أن المقاومة تأقلمت مع الواقع وتتحرك بأريحية'، وهو ما قد يورّط المستوى السياسي للاحتلال في مواجهة متزايدة مع الشارع الإسرائيلي.
لكن، هل يمكن أن تدفع هذه المشاهد القيادة السياسية للاحتلال إلى تغيير استراتيجيتها في غزة؟ يُجيب شديد: 'لا أعتقد ذلك في ظل وجود بنيامين نتنياهو وائتلافه المتشدد، فهؤلاء لا يتأثرون بسهولة، ولن يغيروا توجههم إلا إذا نجحت هذه المشاهد في تحفيز الشارع الإسرائيلي للخروج والضغط بشكل مباشر لاختراق تركيبة الحكم'.
ويضيف أن 'الرهان الحقيقي لا يكمن في نتنياهو أو بن غفير أو سموتريتش، بل في الشارع وأحزاب المتدينين الحرديم مثل يهودات هتوراه، التي يمكن أن تتأثر بضغط القواعد الشعبية'.
وبشأن إمكانية حدوث انقسام بين المستويين العسكري والسياسي، قال شديد إن 'الجيش اليوم أضعف من أن يفرض رؤيته على القيادة السياسية، لكنه في حال استمرار العمليات وسقوط مزيد من القتلى، وارتفاع صوت عائلات الجنود، فإن المؤسسة العسكرية قد تجد نفسها مجبرة في لحظة ما على المطالبة بإعادة النظر في أهداف الحرب أو حتى الدعوة لوقفها'.
وكانت القناة 14 العبرية قد نقلت عن ضابط كبير في جيش الاحتلال وصفه لمشاهد الكمين بأنها 'مُخزية ولا تشرف الجيش'، ما يعكس حجم الإرباك والانكشاف الداخلي للمؤسسة العسكرية للاحتلال