بلير ورجال أعمال إسرائيليون وشركة أمريكية يتصورون غزة ما بعد الحرب: إعادة توطين وخيالات عن ريفييرا

كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” عن تورط مؤسسة تابعة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في المشاورات المتعلقة بمشروع “ريفييرا غزة” وإعادة توطين فلسطينيين مع شركة أمريكية.

وفي تقرير أعده ستيفن فولي وجيم بيكارد قالا فيه إن معهد توني بلير في لندن شارك في تطوير خطة لما بعد الحرب التي كان من المقرر أن تعيد إنعاش قطاع غزة الذي دمرته الحرب مع “ريفييرا ترامب” و”منطقة التصنيع الذكية لإيلون”.

وقد تم تقديم الخطة من خلال عرض شرائح اطّلعت عليها صحيفة “فايننشال تايمز” وقاده رجال أعمال إسرائيليون استخدموا نماذج طورت داخل شركة “بوسطن كونسالتنغ غروب” والتي تخيلت غزة كمركز تجاري مزدهر.

وحملت الخطة عنوان “الثقة الكبرى” وتم تقديمها لإدارة دونالد ترامب، حيث تشمل دفع نصف مليون فلسطيني من غزة لمغادرتها ودعوة رجال الأعمال والمستثمرين لتطوير القطاع.

وفي الوقت الذي لم يعدّ فيه معهد بلير شرائح أو يصادق على عرض نهائي، إلا أن اثنين من الموظفين فيه ساهموا في مجموعة رسائل على منصات التواصل الإجتماعي ومكالمات لتطوير المشروع حسب شخصين على معرفة بالموضوع.

وفي وثيقة مفصلة عن غزة ما بعد الحرب، وكتبها عضو في معهد توني بلير، وتم توزيعها بين المجموعة للنظر والتعليق، تضمنت فكرة “ريفييرا غزة” المتخيلة من خلال جزر اصطناعية أمام الشاطئ مثل الجزر الاصطناعية في دبي، ومبادرات تجارية على طريقة “بلوك تشين” وميناء مياه عميقة يربط غزة بممر الهند- الشرق الأوسط- أوروبا الاقتصادي والضرائب المنخفضة أو “المنطقة الاقتصادية الخاصة”.

وتقول وثيقة معهد توني بلير، إن الحرب في غزة “خلقت فرصة لا تحدث إلا مرة واحدة في قرن من أجل إعادة بناء غزة من أصولها كمجتمع آمن ومزدهر”.

ورغم وجود بعض التداخل، فإن شرائح العرض المقدمة من رجال الأعمال الإسرائيلين والتي تغطي 30 صفحة، تختلف وبشكل كبير عن تلك التي أعدها موظفو معهد توني بلير. فوثيقة المعهد لا تشير إلى إعادة توطين الفلسطينيين، وهي فكرة بدا ترامب يدعمها في بداية العام الحالي ولكنها لم تحظ بدعم دولي.

وعندما طلبت “فايننشال تايمز” من معهد توني بلير التعليق، قال متحدث باسم المعهد: “تقريركم خطأ بالمطلق، لم يشارك معهد توني بلير بتحضير شرائح والتي كانت هي شرائح مجموعة بوسطن كونسالتنغ غروب ولم يكن له أي تأثير على المحتوى”.

وبعد ذلك، قدمت الصحيفة تفاصيل حول مجموعة تواصل مكونة من 12 شخصا بمن فيهم اثنان من معهد توني بلير ورجال أعمال إسرائيليين ووثيقة غير منشورة من معهد بلير والمعنونة بـ”الملامح الاقتصادية لغزة”.

وعند هذه النقطة، قال المتحدث باسم المعهد: “لم نقل أبدا أن معهد توني بلير ليس لديه أي دور بما كانت هذه المجموعة تعمل أولا تعمل عليه في المكالمات التي ناقشت فيها المجموعة خططها”.

وقال المعهد إنه في اجتماعات المجموعة لمناقشة خطط ما بعد الحرب، فإنه كان مجرد “مستمع”، فيما نظرت وثيقة معهد توني بلير الداخلية “في المقترحات” و”التي قدمتها عدة أطراف وهي واحدة من عدة وثائق داخلية”.

ونفى المتحدث أن يكون معهد توني بلير قدم وثيقته الداخلية من أجل استخدامها في أغراض وأعمال “بوسطن كونسالتنغ غروب”.

واعترف بأن طاقم المعهد اطّلع على شرائح العرض لكن لم يعلق عليها، وأضاف المتحدث باسم المعهد: “من الخطأ الافتراض أننا كنا نعمل مع المجموعة لإنتاج خطتهم عن غزة”.

وقال معهد توني بلير إن المعهد وعلى مدى العقدين الماضيين: “أراد غزة أفضل للغزيين”، و”لم يكن الأمر أبدا عن إعادة توطين الغزيين، وهو مقترح لم يتقدم به معهد توني بلير أبدا ولم يطوره أو يصادق عليه”.

وتقول الصحيفة إن عمل “بوسطن كونسالتنغ غروب” لغزة وضَعها في مركز الجدل الدولي. فقد ساعدت في إنشاء مبادرة مساعدات مدعومة من الولايات المتحدة أو ما أطلق عليها اسم “مؤسسة غزة الإنسانية”، حيث شاب الإعلان عنها وعملها الجدل، وأدى إلى مقتل مئات الفلسطينيين عند مراكز التوزيع. وقد تبرأت مجموعة بوسطن من عمل مؤسسة غزة الإنسانية الذي قالت إنه تم بدون استشارتها وطردت مسؤوليْن قالت إنهما ضللا المدراء البارزين.

وكشفت “فايننشال تايمز” في الأسبوع الماضي عن دور “بوسطن كونسالتنغ غروب” في إعداد خطط لإعادة إعمار غزة.

ونفت الشركة الاستشارية أي دور، وقالت إن الفريق المشارك كان يعمل في انتهاك مباشر لأمر بعدم تنفيذ المشروع.

وأضافت: “لم يكن العمل من مشاريع “بوسطن كونسالتنغ غروب”، وقد أبلغت “بوسطن كونسالتنغ غروب” الشريك الرئيسي بشكل قاطع عدم القيام به”.

وتابعت: “لقد تم تدبيره وإدارته سرا خارج نطاق أو موافقات “بوسطن كونسالتنغ غروب”، وقد تنصلنا تماما من هذا العمل. وانسحبت “بوسطن كونسالتنغ غروب” بسرعة من العمل مع كلا الشريكين المشاركين في هذا العمل”.

وقال معهد توني بلير لصحيفة “فايننشال تايمز” إنها “حصلت على المعلومات [فيما يتعلق بدور المعهد] من أشخاص راغبين بحرف الأنظار عن دورهم”.

وكانت مجموعة رجال الأعمال الإسرائيليين الذين يقفون وراء المشروع، بمن فيهم المستثمر التكنولوجي ليران تانكمان والمستثمر مايكل آيزنبرغ، قد وضعت في وقت سابق الخطوط العريضة لمؤسسة غزة الإنسانية وساهمت في تأسيسها، وفقا لأشخاص مطلعين على دورهما.

وقد سعى فيل رايلي، حليف رجلي الأعمال الذي يدير الآن العمليات الأمنية لمؤسسة غزة الإنسانية إلى كسب ود توني بلير في اجتماع عقد في مقر معهد توني بلير في لندن في آذار/ مارس. وقال معهد توني بلير إن رايلي، الضابط السابق في سي آي إيه، والموظف السابق في بوسطن كونسالتنغ غروب هو مَن طلب المقابلة، وأضاف: “مرة أخرى، استمع بلير.. وكما تعلمون فإن معهد توني بلير ليس جزءا من مؤسسة غزة الإنسانية”.

وقد تصورت خطة ما بعد الحرب التي طورها رجال الأعمال عملية إغاثة واسعة وتوفير مساكن مؤقتة للفلسطينيين الذين بقوا في القطاع، في وقت عبّروا عن أملهم أن تؤدي الأموال النقدية ودعم الغذاء والإيجار، الذي يبلغ إجماليه 9,000 دولار للفرد لتشجيع ربع السكان أو أكثر على المغادرة.

ووفقا لأشخاص مطلعين على المشروع، فقد تم عرض مجموعة الشرائح الأخيرة، بعنوان “الثقة العظيمة: من وكيل إيراني مدمر إلى حليف إبراهيمي مزدهر”، على أعضاء الإدارتين الأمريكية الحالية والسابقة، إلى جانب حكومات وجهات معنية أخرى في الشرق الأوسط.

وجاءت كلمة “عظيمة” كاختصار لاسم الخطة بالإنكليزية وهو “إعادة تشكيل غزة والتسريع الاقتصادي، والتحول”. واشتملت الخطة على وضع كل أراضي غزة العامة تحت إدارة “صندوق للتنمية” تباع أصوله لمستثمرين عبر عملات رقمية ومن خلال ما يعرف بـ”بلوك تشين”، وسيكون بإمكان الغزيين المساهمة بأراضيهم الخاصة للصندوق مقابل الحصول على عملة رقمية تؤهلهم بوحدة سكنية دائمة.

وقد تم إعداد الشرائح في نيسان/ أبريل، قبل هجوم إسرائيل على إيران، مع أن أفكار المجموعة تتطور في ضوء تلك الحرب، حسبما ذكر الأشخاص.

وقال أحد الأشخاص: “إنه جهد مجموعة من رجال الأعمال الذين عملوا بلا كلل على مدار العشرين شهرا الماضية لخلق مستقبل أفضل لغزة”.

وأضافت الصحيفة أن هذا الصندوق الذي ستشرف عليه الحكومة الإسرائيلية ستكون له حقوق إدارية على القطاع حتى يتم “نزع سلاح غزة وتطهيرها من التطرف” ويمكن نقل المسؤولية إلى “كيان سياسي فلسطيني مستقل”. ويعد هذا المشروع واحدا من عدد متزايد من خطط غزة لما بعد الحرب من الحكومات والجماعات المستقلة.

وقد أيدت جامعة الدول العربية برنامج إعادة إعمار بقيمة 53 مليار دولار وضعته مصر في آذار/ مارس، بينما وضعت مراكز الأبحاث الخاصة، بما في ذلك راند، مقترحاتها الخاصة.

وخلال فترة ولاية ترامب الأولى في البيت الأبيض عام 2020، وضع خطة سلام أخرى طويلة الأجل للمنطقة تضمنت التنمية الاقتصادية لغزة، والتي رفضها الفلسطينيون. وفي شباط/ فبراير، اقترح ترامب إخلاء غزة من الفلسطينيين بينما تتسلم الولايات المتحدة السلطة هناك لإعادة تطوير القطاع وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”.

وكانت مجموعة الشرائح التي أعدها رجال الأعمال الإسرائيليون “استكشافا اقتصاديا للأفكار التي طرحها الرئيس ترامب”، وفقا لأحد الأشخاص المطلعين على إعدادها.

وتحتوي على تصاميم لافتة صممت خصيصا لجذب انتباه الرئيس الأمريكي وقادة الخليج الذين قد يدعمون جوانب من الخطة.

ومن بين 10 “مشاريع ضخمة”، تتضمن الوثيقة الطرق السريعة التي سميت باسم ولي العهد السعودي ورئيس الإمارات حيث أشير إليها باسميهما المختصر في الغرب “حلقة أم بي أس” و”أم بي زيد سنترال”. إلى جانب “منطقة التصنيع الذكية لإيلون ماسك” على حدود غزة وإسرائيل، حيث ستقوم شركات السيارات الكهربائية الأمريكية بتصنيع سيارات للتصدير إلى أوروبا.

وقد تم إعداد الخطة في وقت كان ماسك أحد أقرب مستشاري ترامب، قبل تدهور العلاقات بينهما لاحقا. كما احتوت على إشارات لاتفاقيات إبراهيم مثل “ممر البنية التحتية الإبراهيمي” و”البوابة الإبراهيمية” و”مدن غزة المخطط لها” و”ريفييرا غزة ترامب والجزر”، وبناء مطار وميناء جديدين ومركز مائي إقليمي ومنطقة البيانات الأمريكية الآمنة وغير ذلك.

وبالمناسبة، تصف الخطة “ريفييرا وجزر غزة ترامب” بأنها “منتجعات راقية المستوى على طول الساحل، وعلى جزر اصطناعية صغيرة تشبه جزر النخيل في دبي”.

وقد ذكرت وثيقة معهد توني بلير هذه الجزر أيضا. ويصف عرض الشرائح كيف ستحول الطرق السريعة والميناء والمطار الجديد غزة إلى مركز تجاري، و”يضمن وصول الصناعة الأمريكية إلى معادن أرضية نادرة بقيمة 1.3 تريليون دولار في الخليج” من غرب المملكة العربية السعودية.

ويحفل عرض الشرائح بشعارات الشركات التي طمح المؤلفون لجذبها إلى غزة، من تيسلا وأمازون ويب سيرفيسز إلى آيكيا ومجموعة أي أتش جي للفنادق. ولا يوجد ما يشير إلى أن الشركات كانت على دراية بالمشروع. وباستخدام نموذج مالي معقد أعده فريق بوسطن كونسالتنغ غروب، افترضت الخطة أن 25% من سكان غزة سيغادرون، ولن تعود غالبيتهم أبدا. وقالت إن خطة إعادة التوطين ستكلف 5 مليارات دولار، لكنها ستوفر مبلغا قدره 23,000 دولار عن كل فلسطيني ينتقل، لأن الدعم أرخص من الإنفاق على دعم الإسكان وغيره من التكاليف في الأراضي الفلسطينية. وأشارت إلى أن زيادة عدد الغزيين الذين سيغادرون خلال إعادة الإعمار من شأنه أن يقلل التكاليف بشكل أكبر.

وإلى جانب ازدهار الصناعة ونمو الناتج المحلي الإجمالي، فإن الخطة “ستزيد قيمة غزة من صفر دولار اليوم، إلى حوالي 324 مليار دولار”، وفقا للنموذج المالي لبوسطن كونسالتنغ غروب.

وكان فريق مكون من خمسة أفراد من المجموعة، أنتج النموذج وصمم الرسومات لإدراجها في عرض الشرائح، يعمل دون إصدار فواتير مقابل العمل، واصفا إياه بأنه “تطوير أعمال”، وفقا لأشخاص مطلعين على المشروع. ولم يمنحوا رجال الأعمال الإسرائيليين أو معهد توني بلير إمكانية الاطلاع على النموذج، خشية أن يستخدم يوما ما للحصول على مبالغ مالية.

وقال أحد الأشخاص المطلعين على المشروع: “عرضت بوسطن كونسالتنغ غروب القيام بعمل مجاني، وبالطبع، سارعت المجموعة إلى ذلك نظرا لخبرتها في تخطيط مشاريع إعادة الإعمار الكبيرة حول العالم وخبرتها في نماذج التمويل المبتكرة، بما في ذلك الترميز”.

وقال الشخص إن الاستشاريين قدموا “النمذجة والمقارنة المعيارية وصياغة الشرائح”، واصفا ذلك بأنه “عمل استثنائي”.