اخبار فلسطين
موقع كل يوم -شبكة قدس الإخبارية
نشر بتاريخ: ٨ أيار ٢٠٢٥
خاص - شبكة قدس الإخبارية: أعلنت باكستان أنها أسقطت 12 طائرة مسيّرة هجومية من طراز 'هاروب' تابعة للهند، وذلك خلال عمليات نُفذت بين ليلة الأربعاء وصباح الخميس في مناطق متفرقة من البلاد.
وأكد المتحدث باسم الجيش الباكستاني، الفريق أحمد شريف شودري، أن المسيّرات كانت محملة بالذخيرة وتم اعتراضها في مناطق حساسة من بينها روالبندي، مقر قيادة الجيش، وكذلك مناطق قرب كراتشي ولاهور. وأسفر الهجوم عن إصابة أربعة جنود باكستانيين في لاهور، ومقتل مدني في إقليم السند.
الطائرات المسيّرة من طراز 'هاروب' تُنتجها شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، وتُستخدم كذخائر طائرة تنفجر عند ارتطامها بالأهداف. وسبق أن حصلت الهند على هذه الطائرات في إطار اتفاقيات تسليح مع الاحتلال، ما يعكس عمق التعاون العسكري بين البلدين.
هذا الإعلان الباكستاني جاء بعد تقارير موثقة تكشف عن تورط الهند في دعم آلة الحرب الإسرائيلية، خصوصًا خلال العدوان على غزة عام 2024. ففي يونيو/حزيران من العام نفسه، استُهدف ملجأ تابع للأمم المتحدة في النصيرات بقذيفة تحمل ختم 'صنع في الهند'.
كما زودت الهند الاحتلال بأسلحة وقذائف مدفعية، وفق ما نشرته تقارير عبرية، بينها صحيفة 'يديعوت أحرونوت'، التي كشفت عن شحنة أسلحة هندية انطلقت من ميناء تشيناي إلى حيفا، والتي منعتها إسبانيا من الرسو في موانئها لاحتوائها على متفجرات.
تطور العلاقات بين الهند و'إسرائيل'
طوال عقود من الزمن، التزمت الهند بموقف حذر تجاه دولة الاحتلال، رغم اعترافها بها عام 1950. لم تقم نيودلهي علاقات دبلوماسية كاملة مع 'إسرائيل' حتى عام 1992، وذلك بسبب جملة من الاعتبارات السياسية والدولية. في مقدمتها كان الدعم التقليدي للقضية الفلسطينية، الذي شكل حجر زاوية في السياسة الخارجية الهندية، المنبثقة من إرث حركات التحرر ومبادئ عدم الانحياز.
علاوة على ذلك، لعب الاعتبار الداخلي دورًا مهمًا، إذ أن الهند تحتضن واحدة من أكبر الجاليات الإسلامية في العالم، وكانت السلطات الهندية تتحسس من أي خطوات قد تثير حفيظة تلك الجالية. إلى جانب ذلك، ارتبطت المصالح الاقتصادية الهندية بعلاقات وثيقة مع الدول العربية المنتجة للنفط، ما جعل تقاربًا معلنًا مع الاحتلال بمثابة مغامرة دبلوماسية غير محسوبة في تلك المرحلة.
ورغم هذا الجمود الظاهري، فقد حافظت الهند والاحتلال على قنوات تواصل غير رسمية في مجالات محدودة، مثل الزراعة والتبادل الاستخباراتي، دون الإعلان عنها علنًا.
نقطة التحول: من التعاون السري إلى الشراكة الإستراتيجية
شهد عام 1992 نقطة تحول مفصلية في العلاقات بين الطرفين، حين قررت الهند، في أعقاب انتهاء الحرب الباردة، إعادة صياغة علاقاتها الدولية بشكل جذري.
أدى انهيار الاتحاد السوفيتي، الحليف التقليدي للهند، إلى فراغ استراتيجي دفع نيودلهي للبحث عن شركاء جدد، وكان من الطبيعي أن تجد في دولة الاحتلال طرفًا مناسبًا في ضوء تفوقها التكنولوجي والعسكري.
منذ ذلك الوقت، تطورت العلاقات بين الهند والاحتلال بشكل لافت، حيث أصبحت الصناعات الأمنية والعسكرية في قلب الشراكة. تحولت دولة الاحتلال إلى أحد أكبر موردي السلاح للهند، وتم تعزيز التعاون في مجالات مثل الطائرات المسيّرة، أنظمة الدفاع الصاروخي، تكنولوجيا الاتصالات، والحرب الإلكترونية.
تجلى هذا التعاون بشكل واضح خلال حرب كرغيل عام 1999 بين الهند وباكستان، عندما زود الاحتلال نيودلهي بأسلحة ومعدات متقدمة، مما عزز الثقة المتبادلة ورسّخ الشراكة في المجال الدفاعي. ولم يقتصر التعاون على الجانب العسكري فقط، بل امتد إلى الزراعة والتكنولوجيا المتقدمة.
أنشأت دولة الاحتلال عشرات المراكز النموذجية في مختلف الولايات الهندية، لنقل تقنيات الري بالتنقيط، وإدارة الموارد المائية، وزيادة إنتاج المحاصيل في ظل التغير المناخي. وفي المجال الاقتصادي، تجاوز حجم التبادل التجاري بين الطرفين 7 مليارات دولار سنويًا، في حين نشطت شركات التكنولوجيا الإسرائيلية في السوق الهندية، لا سيما في قطاعات الأمن السيبراني والطاقة المتجددة.
كما عززت الزيارات رفيعة المستوى – مثل زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى دولة الاحتلال عام 2017، وزيارة نظيره لدى الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى الهند عام 2018 – من مستوى العلاقة الرمزية، لتتحول إلى تحالف سياسي معلن بين الجانبين.
قيود التحالف ومجالات التوازن
رغم أن الخطاب الرسمي الهندي بات أكثر تحفظا في دعم الفلسطينيين، إلا أن الهند لم تتخلَّ عن دعم حل الدولتين وتستمر في تقديم مساعدات إنسانية للفلسطينيين. إلى جانب ذلك، تسعى الهند إلى الحفاظ على توازن حساس في علاقاتها مع إيران ودول الخليج، التي تشكل مصدرًا رئيسيًا للطاقة، وسوقًا مهمًا للعمالة الهندية. ولذلك، فإن نيودلهي تحرص على إبقاء العلاقة مع 'إسرائيل' بعيدة عن الاستقطابات الإقليمية.
من جهة أخرى، لم يُوقَّع حتى الآن اتفاق للتجارة الحرة بين الطرفين، رغم المفاوضات المستمرة، وهو ما يشير إلى وجود بعض الحواجز البنيوية في العلاقة، سواء من جهة الحساسيات الداخلية في الهند أو الفروقات التنظيمية والجمركية.
ورغم هذه العقبات، يمكن القول إن التحالف الهندي الإسرائيلي يمثل نموذجًا لعلاقات تتجاوز البعد الإيديولوجي، وتقوم على المصالح المشتركة في الأمن والاقتصاد والتكنولوجيا. ومع ازدياد التحولات في النظام الدولي، وخاصة صعود قوى آسيوية جديدة، فإن هذا التحالف مرشح لأن يلعب دورًا محوريًا في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية.