اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٢ شباط ٢٠٢٥
لا تبدو أجواء الشتاء أو المنخفضات الجوية مصدر سعادة للغزيين الذين يعيشون كارثة إنسانية غير مسبوقة في العصر الحديث، إزاء 'حرب الإبادة' التي تشنها (إسرائيل) منذ أكثر من 500 يوم.
ومع تلبّد السماء بالغيوم القاتمة التي تنذر بأيام ماطرة، يتوقف مصدر الطاقة في غزة (الألواح الشمسية)، التي باتت ملجأ الغزيين الوحيد منذ أن قطع وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي السابق، يوآف غالانت، في بداية حرب الإبادة، مصادر الكهرباء والوقود عن القطاع، ما جعله غارقًا في الظلام والدمار.
ورغم وقف إطلاق النار في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، برعاية أمريكية ومصرية وقطرية، لا تلوح في الأفق حلول لأزمة الكهرباء في غزة، الأمر الذي دفع سلطة الطاقة والموارد الطبيعية للتحذير من تدمير جيش الاحتلال نحو 70% من شبكات الكهرباء المحلية، مُقدّرة الأضرار الأولية بنحو 450 مليون دولار.
خيارات صعبة
على غير عادته، جلس الشاب حارس أبو سالم (29 عامًا) خلف مكتبه دون أن يستقبل زبائنه داخل (كشك) صغير أقامه أمام منزله.
لم يتوقف أبو سالم عن الاعتذار لزبائنه عن عدم قدرته على شحن أي من الهواتف أو البطاريات أو حتى أجهزة الحاسوب (اللابتوب)، بسبب أجواء المنخفض الجوي.
يمتلك أبو سالم منظومة كاملة للطاقة البديلة، إلا أن ذلك لم يسعفه في أول أيام المنخفض الجوي، وعزا ذلك لعدة أسباب: قلة الألواح الشمسية، تهالك البطاريات (وحدات التخزين)، إضافة إلى غياب الشمس في الأجواء الماطرة.
وحذّرت دائرة الأرصاد الجوية من تداعيات المنخفض الجوي، الذي يستمر خمسة أيام (الخميس – الاثنين)، ويهدد حياة أكثر من مليوني غزي يعيشون دون مصادر طاقة أو تدفئة، بينما يقيم الآلاف منهم في خيام قماشية أو تحت أسطح المنازل المدمرة جزئيًا.
وتسبب منخفض جوي سريع، أخيرًا، في اقتلاع العديد من الخيام وغرق أخرى، ما زاد من معاناة المواطنين الذين يكابدون تداعيات 'حرب الإبادة' التي دمرت جميع مناحي الحياة في القطاع المحاصر برًا وبحرًا وجوًا.
يقول أبو سالم لـ 'فلسطين أون لاين' إن انعدام مصادر الطاقة ضاعف طلب المواطنين على 'نقاط الشحن' المنتشرة سواء في البيوت أو الطرقات العامة، لكن مع مرور الوقت بدأت المنظومة الشمسية تتهاوى يومًا بعد يوم.
ويضيف: 'العائق الأكبر الذي يواجه الطاقة البديلة حاليًا هو تهالك مستلزماتها وارتفاع أسعارها – إن وجدت – ما يفاقم معاناة مستخدميها'.
وبصعوبة بالغة، تمكن أبو سالم في بداية 'حرب الإبادة' من شراء لوح طاقة (660 واط) بثمن 1800 شيقل، إضافة إلى بطاريات وجهاز طاقة. ومع تزايد الطلب على ألواح الطاقة الشمسية جراء طول مدة الحرب، وصل سعر اللوح الواحد إلى أكثر من 7000 شيقل.
وكان هذا اللوح يُباع سابقًا في الأسواق المحلية بسعر يتراوح بين 700 و800 شيقل، إلا أن عمليات النزوح والقصف الإسرائيلي المتكرر للأحياء السكنية أدت إلى تدمير آلاف الألواح ومستلزماتها.
على مدى شهور الحرب، يداوم أبو سالم على الجلوس في (كشكه) الممتلئ بالأسلاك والمقابس الكهربائية، لاستقبال زبائنه في الأيام العادية لشحن (الهاتف مقابل شيقل واحد)، و(البطارية مقابل 3 شيقلات)، وغيرهما من الأجهزة الكهربائية، بعد انقطاع الكهرباء عن محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة.
لا بدائل
عمار الشريف (45 عامًا)، وهو أحد ذوي الإعاقة، يخرج من منزله يوميًا لقضاء حاجيات أسرته عبر 'عربة كهربائية'.
لا يستطيع الأب لثلاثة أطفال الاستغناء عن سيارته الكهربائية، التي لا تعمل إلا بعد 'شحن بطاريتها' لدى جيرانه (ممن يمتلكون طاقة شمسية) أو في نقاط الشحن المنتشرة.
لكن أجواء المنخفض الجوي التي توقف نقاط الشحن عبر الألواح الشمسية، تجبر الشريف على شحن 'العربة' في نقطة شحن تعمل عبر 'مولد كهربائي' بأسعار باهظة.
يقول عبد المجيد العقرب، صاحب إحدى 'نقاط الشحن'، إنه يشتري الكيلو الواحد من مولد كهربائي تجاري بثمن 30 شيقلًا، ما يرفع سعر شحن (الهاتف مقابل 2 شيقل)، و(البطارية من 7 إلى 10 شيقلات)، وغيرهما.
يشير العقرب لـ'فلسطين أون لاين' إلى أن أصحاب بعض المصالح التجارية يلجؤون إليه خلال المنخفضات الجوية أو عند الحاجة إلى مصدر كهربائي يتناسب مع الأجهزة الكهربائية ذات الأحمال الكبيرة.
ومع توقف الحرب، يتفق العقرب والشريف وأبو سالم على أن 'حرب الإبادة الجماعية' على غزة وضعت الغزيين أمام كارثة إنسانية ومأساوية غير مسبوقة، وأمام 'خيارات محدودة جدًا'، وأنه لا سبيل لتخفيف تداعيات هذه الكارثة إلا برفع الحصار الجائر على غزة برًا وبحرًا وجوًا.
ويتهم (المكتب الإعلامي الحكومي) في غزة سلطات الاحتلال بتعطيل البروتوكول الإنساني المنصوص عليه في اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يقضي بإدخال 600 شاحنة مساعدات يوميًا، بما فيها المنازل المتنقلة والخيام وشاحنات الوقود.
وينص الاتفاق أيضًا على إدخال المولدات الكهربائية وقطع غيارها، وألواح الطاقة الشمسية، والبطاريات، والأسلاك الكهربائية اللازمة لإعادة تشغيل قطاع الكهرباء المدمر إسرائيليًا.
ورغم تنصل الاحتلال من تنفيذ الاتفاق، أعلنت شركة توزيع الكهرباء في غزة أن خططها جاهزة لإعادة إعمار وتأهيل قطاع الكهرباء، لكنها مرتبطة بتوفير وإدخال المستلزمات المطلوبة، التي لم تستلمها حتى الآن.
وبيّنت الشركة أن هناك خطة متدرجة لإعادة إحياء القطاعات الحيوية، تتضمن ثلاث مراحل، حيث تمتد المرحلة الأولى 60 يومًا، بينما تمتد المرحلة الثانية 6 أشهر، فيما تمتد المرحلة الثالثة 3 سنوات.