اخبار فلسطين
موقع كل يوم -سما الإخبارية
نشر بتاريخ: ٥ تموز ٢٠٢٥
كشفت صحيفة فايننشال تايمز في تقرير استقصائي أن شركة “مجموعة بوسطن للاستشارات”، وهي من كبرى شركات الاستشارات الإدارية في الولايات المتحدة، تورّطت في مشروع “مؤسسة غزة الإنسانية” المدعوم من الولايات المتحدة وإسرائيل، والذي تضمّن خطة لنقل مئات آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة، في مخالفة جسيمة للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وفق ما نقل موقع “ميدل إيست آي” البريطاني.
وتبيّن أن مجموعة بوسطن، التي كانت قد أنكرت سابقا أي دور فعلي في المشروع، قد تعاقدت على تنفيذ خدمات استشارية بقيمة 4 ملايين دولار، تضمنت إعداد نماذج لإعادة إعمار ما بعد الحرب في غزة، شملت سيناريوهات “إعادة توطين طوعي” لنحو نصف مليون فلسطيني خارج القطاع، مقابل حوافز مالية.
من “دعم مجاني” إلى عقد بملايين الدولارات
في يونيو/حزيران، أعلنت الشركة في بيان رسمي أنها قدّمت فقط “دعماً مجانياً” لمشروع “مؤسسة غزة الإنسانية، وأن اثنين من شركائها الكبار قاما بعمل “غير مصرح به” خارج علم الإدارة. وأكدت أن الشريكين، مات شلويتر ورايان أوردواي، تم فصلهما لاحقا، وبدأت الشركة تحقيقا داخليا.
لكن بحسب مصادر مطّلعة تحدّثت لصحيفة فايننشال تايمز، فإن مجموعة بوسطن لم تكتفِ بالدعم المجاني، بل وقّعت عقدا رسميا للعمل على المشروع لمدة سبعة أشهر، من أكتوبر/تشرين الأول وحتى أواخر مايو/أيار، شارك فيه أكثر من 12 موظفا من الشركة ضمن مشروع أطلق عليه داخليا اسم “أورورا”.
وأشارت الوثائق والشهادات إلى أن إدارة المجموعة العليا كانت على علم بالمشروع، لكنها قالت إنها “خُدعت” بشأن طبيعة وحجم العمل، وأكدت أن الشريك المسؤول تم تحذيره بوضوح من المضي في المشروع، إلا أنه “انتهك التوجيهات بشكل مباشر”.
حوافز مالية لتشجيع المغادرة
ومن أبرز ما كُشف عنه، أن عمل الشركة شمل تقديم نماذج مالية أُعدّت بتكليف من جهات إسرائيلية، تضمنت خطة لإقناع نحو 500 ألف فلسطيني بمغادرة غزة “طوعاً”، مقابل حزم مالية بقيمة 9,000 دولار للفرد.
وتُقدّر النماذج أن نحو 25% من سكان غزة قد يوافقون على المغادرة، على أن 75% منهم لن يعودوا أبدا.
وبحسب الوثائق، فإن النموذج ذاته قارن بين تكلفة التهجير القسري والدعم داخل القطاع، ليخلص إلى أن طرد الفلسطينيين بالقوة سيكون أقل تكلفة بنحو 23 ألف دولار للفرد، مقارنة بتكاليف رعايتهم في سياق إعادة الإعمار.
أدوار لوكلاء سابقين للسي آي إيه
وتوسّعت الصحيفة في تتبّع الارتباطات الأمنية للشركة في المشروع، إذ كشفت أنه تم التعاقد مع مجموعة بوسطن مبدئيا من قبل شركة الأمن الأمريكية “أوربيس”، التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، لإعداد دراسة جدوى لعملية مساعدات جديدة بتكليف من “معهد تخليث” الإسرائيلي، وهو مركز أبحاث مقرب من الحكومة الإسرائيلية.
واختيرت مجموعة بوسطن للمشروع بسبب علاقتها بفيل رايلي، ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) لمدة 29 عاما، وكان يشغل منصب مستشار كبير في قسم الدفاع بالشركة. ووفقا لموقع “ميدل إيست آي”، فقد استمر رايلي بمناقشة خطط المساعدات مع شخصيات إسرائيلية وهو لا يزال يشغل دوره الاستشاري في المجموعة، وذلك في أوائل عام 2024.
لاحقا، غادر رايلي مجموعة بوسطن وأسس شركة “سيف ريتش سوليوشنز” (Safe Reach Solutions)، وهي شركة أمنية خاصة أصبحت المورد الأمني الرئيسي لـ”مؤسسة غزة الإنسانية”.
ونقل التقرير أن عدداً من موظفي مجموعة بوسطن الاستشارية انتقلوا للعمل على “التخطيط التفصيلي” لصالح شركتي “سيف ريتش سوليوشنز” و”مؤسسة غزة الإنسانية”، ضمن ما عُرف داخل الشركة بوحدة الدفاع، في حين كانت المرحلة الأولى من المشروع تُدار تحت مظلة “قسم التأثير الاجتماعي” بقيادة الشريك ريتش هاتشينسون.
وفي يناير/كانون الثاني، وقّعت مجموعة بوسطن عقدًا جديدًا مع شركة McNally Capital، وهي شركة استثمار مقرها شيكاغو وتملك أوربيس، لتخطيط عمليات “مؤسسة غزة الإنسانية” الميدانية من تل أبيب. وشمل التعاون منح تصاريح سفر وتنسيق أعمال أمنية مباشرة في غزة، بحسب التحقيق.
ووقّعت “سيف ريتش سوليوشنز” عقدا أوليا بقيمة تفوق مليون دولار لتغطية ثمانية أسابيع من عملياتها في غزة، وسط إشراف مباشر من إدارة المخاطر في مجموعة بوسطن.
تمويل غامض
وفيما يتعلق بتمويل “مؤسسة غزة الإنسانية” وشركة “سيف ريتش سوليوشنز”، أشار التحقيق إلى أن الكيانين مسجلان في ملاذات ضريبية أمريكية، ولا توجد أي شفافية في سجلاتهما المالية العامة. وكشف مصدر تحدث للصحيفة أن المؤسسة تلقت تعهدًا بتمويل قيمته 100 مليون دولار من “دولة لم يُفصح عنها”.
وفي تطور لافت، ذكرت وكالة رويترز أن بنكي يو بي اس وغولدمان ساكس رفضا فتح حسابات مصرفية لمؤسسة غزة الإنسانية بسبب افتقارها إلى الشفافية بشأن مصادر تمويلها، وهو ما شكّل عقبة رئيسية في محادثات المؤسسة مع المصارف الأمريكية.
ورداً على ذلك، قال متحدث باسم مؤسسة غزة إنها “تحدثت عن تمويل أولي من أوروبا، لكننا لا نكشف عن أسماء المانحين حفاظا على خصوصيتهم”.
توزيع المساعدات بـ”الرصاص”
وكانت هذه المؤسسة المشكوك في دورها قد استبدلت 400 نقطة توزيع مساعدات تقليدية في قطاع غزة بأربع نقاط توزيع “مُعسكرة”، في مواقع يتحكم بها الجيش الإسرائيلي وتخضع لإجراءات أمنية مشددة.
وقد أسفر ذلك عن استشهاد أكثر من 600 فلسطيني وإصابة نحو 4,000 آخرين برصاص قوات الاحتلال أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات في ظل ظروف إنسانية مأساوية.
وفي تطور صادم، اعترف جنود إسرائيليون في تقارير صحافية بأنهم أطلقوا النار عمدا على مدنيين فلسطينيين غير مسلحين كانوا ينتظرون المساعدات الغذائية، وذلك تنفيذا لأوامر مباشرة من قياداتهم العسكرية.