اخبار فلسطين
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
غزوة الدوحة تؤكد الحاجة إلى تسوية شاملة وضع أساسها 'بيان نيويورك'... لا خطط الضم والفرز
تخطت إسرائيل في هجومها على الدوحة كل الضوابط والمقاييس وأعادت، تزامناً، طرح قضيتي فلسطين والأمن القومي العربي، على المحك.
قال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إن إسرائيل قصفت الدولة التي تضم القيادة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، والشريك الأمني المميز للولايات المتحدة الأميركية من خارج دول حلف شمال الأطلسي والدولة التي استضافت حركة 'حماس' بطلب من أميركا وإسرائيل بهدف تسهيل التواصل والتفاوض، وقبل ذلك الدولة الخليجية التي كانت سباقة في إقامة علاقات مع تل أبيب، وتحولت إلى مقر للمساومات حول أفغانستان وتنظيم 'القاعدة'، ومحادثات الإدارات الأميركية مع حركة 'طالبان'، إضافة إلى حالات أخرى قد لا يكون أشهرها ترتيب أوضاع أبو سياف الفيليبيني!
وعندما قامت إسرائيل بفعلتها مستهدفة، على ما صرحت، قيادة 'حماس' المجتمعة للبحث في ورقة الرئيس دونالد ترمب الخاصة بوقف الحرب في غزة، قفزت فوق كل الوقائع الآنفة. ولم تأبه لعلاقتها القديمة بالدولة الخليجية ولا لمغزى استضافتها أهم القواعد الأميركية في الشرق الأوسط ولا لدورها الوسيط في حرب غزة، وقبل ذلك لم تأبه لتلك الشراكة المديدة بين بنيامين نتنياهو والإدارة القطرية في رعاية أوضاع القطاع الفلسطيني التي اقتضت من الجانب القطري تخصيص ملايين الدولارات الأميركية التي كانت تنقل إلى 'حماس' عبر أجهزة الأمن الإسرائيلية.
كل تلك العوامل لم تأخذها إسرائيل في الاعتبار عندما ارتكبت فعلتها ضد قطر، مما جعل المسؤولين في الدولة وعلى امتداد الخليج والعالم العربي يتساءلون عن حجم التغطية الأميركية للهجوم ومدى دخول ترمب في رعاية الخطط الإسرائيلية حول فلسطين والشرق الأوسط، والتي عبر عنها نتنياهو خلال إحدى مقابلاته أخيراً متحدثاً عن إسرائيل توراتية تمتد من الخليج إلى نهر النيل.
وذهبت صحيفة 'هآرتس' الإسرائيلية إلى التلميح صراحة إلى إذن أميركي بالضربة. فبعد طرح اقتراح ترمب، قالت إنه 'وقبل 20 ساعة من هجوم الدوحة، ورد اتصال من واشنطن فيه أن الأميركيين يتخوفون من جعل قطر ’حماس‘ تتصلب وتعرقل مسار ترمب لإنهاء الحرب'، وبعد ساعات من ذلك الاتصال، قررت إسرائيل قصف الدوحة، في عملية معناها الوحيد لا جدية لاقتراح ترمب ولا جدوى للتفاوض.
ما لم تقله 'حماس' أو أطراف عربية بعد الغارة على الدولة القطرية، والمشاعر التي أثارتها فلسطينياً وعربياً، قاله إسرائيليون. فصحيفة 'معاريف' كتبت 'لو كنت حمساوياً أرفض أية صفقة تأتي من ترمب، أو من نتنياهو لأنهما كاذبان متكرران أخلا بالتفاهمات التي فجرت صفقة عيدان ألكسندر في مايو (أيار) 2025. وكحمساوي أوافق على أي نقاش حقيقي في شأن الصفقة سواء كانت جزئية أو كاملة بشروط أن تضمن لي أوروبا والعالم العربي، وبصورة خاصة دول الخليج، أن أي خرق سيكلف إسرائيل ثمناً قد تدفعه من ’اتفاقات أبراهام‘'.
لكن الحدث القطري وإذ يرتبط مباشرة بحرب غزة وامتداداتها فإنه، أبعد من ذلك، يطرح مسألة أمن الخليج ودوله على بساط البحث والتساؤلات. وكان التهديد في عرف المنطقة يأتي من إيران. وخلال الأعوام الأخيرة تعرضت حقول نفط في السعودية لهجمات اتهمت إيران بالمسؤولية عنها، وقصف الحوثيون بتوجيهات إيرانية أبو ظبي، وهدد أنصار إيران مراراً، بمن فيهم زعيم 'حزب الله' الذي قتلته إسرائيل حسن نصرالله بتدمير 'مدن الزجاج'، أي ما بناه مواطنو دول الخليج بجهدهم ومثابرتهم. وقبل الغارة الإسرائيلية على الدوحة، شنت إيران هجوماً صاروخياً على قاعدة 'العديد' الأميركية مخترقة السيادة القطرية.
ولم يكُن موقف الولايات المتحدة إزاء الهجمات الإيرانية على الدول العربية في الخليج مطمئناً أو في مستوى التحدي. وربما تكون إسرائيل أخذت في الاعتبار تجربة الهجوم الإيراني الأخير على قطر وردود الفعل المتواضعة التي أعقبته لتتشجع وتشن هجومها الخاص. فلو ووجه القصف الإيراني على الإمارة الخليجية بحزم، إقليمياً ودولياً، وأميركياً خصوصاً، لربما كانت إسرائيل ستحسب مليون حساب قبل الذهاب في عملها الصلف ضد دولة مستقلة ذات سيادة، تقوم بدور الوسيط في حرب غزة، بناء لطلب الأعداء والخصوم أنفسهم، وفي يوم مخصص لبحث مبادرة رئيس الدولة الكبرى الحليفة!
لكن الواقع أن شيئاً من ذلك لم يحصل، ومُرر الهجوم الإيراني وكأنه ضربة فولكلورية متفق عليها مسبقاً، ولا تستحق وقفة مبدئية حازمة.
لم يعد، بعد الصدمة الأخيرة، ممكناً الوقوف في دائرة التلقي من دون رد فعل جماعي يعيد الأمور لنصابها ويجعل الأمن الخليجي أولوية عربية وخليجية ودولية. وقد تكون القمة العربية المقررة في الدوحة مدخلاً إلى وضع أسس جديدة لفهم كيفية الدفاع المشترك عن هذا الأمن وقبله منع خرقه وحمايته في وجه التهديدات، لكن هذه نقطة لن يمكن فصلها عن أصل المشكلة التي أشعلتها حرب غزة، وهي مشكلة فلسطينية- إسرائيلية، قائمة قبل 'طوفان حماس' بكثير.
ففضلاً عن الإدانة والبحث في مستقبل أمن الخليج والدول العربية، بعيداً من أطماع إسرائيل وأوهام إيران الإقليمية المذهبية، فإن تثبيت شروط التسوية في فلسطين بدءاً من إنهاء حرب غزة، سيكون هدفاً أساساً لقمة الدوحة ومدخلاً إلى استعادة الأمن الإقليمي ووضع حد للعدوانية الإسرائيلية.
صحيح أن القمة تعقد بسبب الهجوم على قطر، لكن فلسطين تقف في خلفية الصورة بل هي الصورة كاملة.
لقد استمرت الدولة الإسرائيلية، على رغم أصداء غزوة قطر والغضب العالمي المتصاعد على أفعالها في غزة، في مشروعها لتفريغ القطاع وطرد سكانه نحو مصر، كما أنها أقرت الأسبوع الماضي خطتها لاستيطان قلب الضفة الغربية تحت شعار يرفعه نتنياهو ومفاده بأنه لن تكون هناك دولة فلسطينية إلى الأبد.
في هذا الوقت تراوح المساعي الأميركية، وبعضهم يعتبرها مجرد تفسير للرغبات الإسرائيلية في خدمتها لسياسة نتنياهو. وقالت صحيفة 'معاريف' الإسرائيلية هذا الأسبوع 'إن مقترح ترمب (الأخير) ليس مقترحاً، بل هو بمثابة إنذار قسري يستند إلى التهديد بمواصلة السحق من قبل الجيش الإسرائيلي'. واستناداً إلى ما تقوم به إسرائيل، يفقد الاقتراح قيمته الوسيطة، فهو في الواقع تعبير عن رغبات نتنياهو وحكومته من دون النظر بتاتاً في مستقبل الشعب الفلسطيني. بهذا المعنى لا تعود لمهل ترمب الغزية والدولية أية قيمة، فهو بحسب 'معاريف'، 'طالب بوتين بالذهاب إلى تسوية مع أوكرانيا ضمن مهلة نهائية، وببساطة لم يرد بوتين'.
إن إعادة صياغة المبادرات، بما فيها مبادرة ترمب، ستحتاج إلى جهد استثنائي، وهذا الجهد تبذله السعودية وفرنسا وأسفر عن 'بيان نيويورك' في شأن 'حل الدولتين' الذي حاز تأييد 142 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتعقد هذه الدول جولة جديدة من المؤتمر حول دعم قيام الدولتين في الـ22 من سبتمبر (أيلول) الجاري، وفي هذه الجولة ستكون بلورة رؤية عربية- دولية واضحة من أجل الحل ممكنة، ضمنها إقامة السلام العادل في فلسطين وضمان ردع الانفلات الإسرائيلي على عواصم قريبة وبعيدة، وما يثيره هذا الانفلات من رغبات أطراف قريبة وبعيدة، طامعة في مد يدها على عالم عربي تعاني أطراف فيه شللاً وعجزاً مزمنين.