اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢ أيلول ٢٠٢٥
ثمة مسؤولية أخلاقية ومبدئية أساسية تلزم جمهور المقاومة قادةً وأفراداً بالتزام خطاب التثبيت الذي يعقب اغتيال الاحتلال لقادة ورموز المقاومة، وبتأكيد المفاهيم الرسالية العقائدية المتعلقة بدوام الفكرة وتجذرها حين تُغذى بالدماء وتُبذل لأجلها أعز التضحيات، ويقضي على طريقها خيرة الرجال.
تلك قضية لا خلاف على مركزيتها ولزوم استحضارها في مسيرة الحركات الجهادية، ولا سيما تلك المرتبطة بفلسطين وحمل لواء الجهاد فيها، لكن مراحل الوهن والعجز تفرز توظيفاً سلبياً لها، وذلك حين تكتفي النخب والجماهير الجالسة في مقاعد المشاهدة بترديدها وتوظيفها بنمطية مستمرة عقب كل فقد للمجاهدين القادة، وبما يؤدي مع الوقت إلى التهوين من أثر هذا الفقد وعده حدثاً عاديا، وبما يصرف الأنظار عن الفراغ الذي يتحصل بخسارتهم، وغياب رمزياتهم الحية، ومعناها وأثرها، وهو أثر قد لا يكون مرئياً أو ملاحظاً بالضرورة، وقد لا يدركه الناظر إلى المشهد من لحظته الراهنة المتخمة بالعجز والتخاذل.
وأخطر ما يتعلق بهذا التبسيط للفقد ألا يقترن بسعي ونهوض لتعويضه، أي أن يُكتفى بالخطاب النظري الذي يؤكد استحالة تأثر التنظيم الجهادي بفقد قادته، ودوام الفكرة، دون أن يتساءل أحد من المنظرين عن الواجب المترتب إزاء كل هذه الخسارات في رصيدنا من خيرة الرجال الذين أنجبتهم الأمة وقدّر الله أن ينبتوا في أكناف بيت المقدس ويحملوا مشروع الجهاد فيه ضد أعداء الله ورسالته ومقدساته.
جيد ومطلوب أن نقول دائماً إن القائد يخلفه ألف مثله، وإنه ' إذا سيّد منا خلا قام سيّدُ '، فالثبات أمام فتك الاحتلال بأنبل الرجال وأشجعهم ضروري دائما، لكن السماء لا تمطر رجالاً أشداء في مواسم الجدب، أو عندما يغيب واجب الإعداد، وهؤلاء، بهذا الكم وبهذه السمات، ليسوا حصيلة الصدفة أو الحظ، بل هم حصاد مشروع جهادي طويل ومرير، عكفت عليه حماس في فلسطين عموما، وفي غزة خصوصاً على مدار عشرات الأعوام، وقد تهيأت للحركة ظروف أو هي هيأتها وطوعتها وصاغتها رغم شدة الملاحقة والحصار، هذه الظروف صنعت هذا الإرث العظيم من القادة الأفذاذ ومن الرموز التي حفرت مكانتها في قلوب الجماهير بتضحياتها الممتدة، وبتصاعد فعلها وأثرها حتى وهي تعيش حياة المطاردة والملاحقة، وقبل ذلك كانت هناك بيئة عقائدية فريدة، أصيلة ومخلصة ومتجردة للرسالة، صاغت نفوس كل هؤلاء القادة ومعهم آلاف الجند، وسط حاضنة شعبية حية وصادقة ومعطاءة، وجعلت منهم حالة جهادية استثنائية، لا يكاد يكون لها مثيل في العالم إذا ما نظرنا إلى ضيق المكان وشح الموارد، وواقع الاحتلال والحصار، والتعقب والملاحقة، وكثافة الجولات القتالية في مدى زمني قصير نسبياً، وفي بيئة احتملت وعانت شتى الأهوال، وتكثفت فيها كل أشكال الأوجاع التي عرفتها البشرية.
الفقد الذي تحصل خلال عامين كبير ومهول دون شك، وهذه القافلة النادرة والتاريخية من القادة الجهاديين الذين قضوا نحبهم فيها لن يكررها الزمن دائماً أو لن يعوضها بسرعة قياسية، خصوصاً أن منهم من كان مجرد استشعار حضوره كفيلاً بشحن العزائم وتمتين بأسها، بل إن أكثر الناس لم يتعرفوا على كل جوانب عطاء هؤلاء القادة في ميادين الإعداد والجهاد والتضحية، ودورهم ضمن المشروع الجهادي في فلسطين، لكنهم يشتركون في كونهم قدموا المثال العملي الأكمل على معنى وكيفية العيش لأجل الفكرة، وجعلها منهج حياة، وانتهاج طريق الجهاد في ظلها دونما توقف، من لحظة الانتساب له وصولاً إلى لحظة الشهادة، دون أن يقعدهم جرح أو يحبسهم ظرف خاص أو يقنعهم نداء الراحة بأنهم قد أدوا ما عليهم وآن لهم الانسحاب قبل بلوغ إحدى الحسنيين.
كل هذه الخسارات في رصيد الرجال، ينبغي أن تنبه المنتظرين خلفهم إلى ضرورة المسارعة لتعويضها، حتى مع الإيمان بأن ما يُبذل في سبيل الله ليس خسارة، وحتى مع الإدراك في المقابل بأن ثمة رجالاً لا يكررهم الزمن مرتين ولا يأتي بمثلهم سريعا، لكن المنتسب لمشروعهم بحق والحامل هم الرسالة والأرض والمقدسات لا يُكتفى منه بكلمات العزاء والمواساة، أو المداومة على حالة الانتظار السلبي، حتى لو بذل بين يديها كل معاني التطمين واليقين، وكل ما دون الإعداد واستنهاض الفاعلية وتجديد الدماء في أوصال رجال آخرين.