اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٣٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
الكاتب: ربى النجار
شباب فلسطين بين الدمار والقيود
يعيش الشباب الفلسطيني اليوم مأساة مركبة، حيث تتقاطع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع آثار الاحتلال والحروب المتكررة، لتترك جيلًا كاملًا على حافة الانهيار. يمثل الشباب الفلسطيني نحو 65% من السكان، أي أكثر من 3.5 مليون نسمة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهم الطاقات التي يُفترض أن تكون رافعة للتغيير والتنمية. ومع ذلك، يكشف الواقع عن صورة قاتمة: شباب محرومون من التعليم والعمل، يعيشون تحت قيود الاحتلال، وفي غزة تحت وطأة الدمار بعد الإبادة الجماعية، مع انعدام أي أفق للمستقبل.
إن هذا الجيل، الذي كان يُنظر إليه دائمًا كأمل للنهوض الوطني، اليوم يواجه فقدان الأمل، وانهيار الحياة اليومية، وصدمة جماعية لا مثيل لها، الأمر الذي يهدد ليس فقط حياتهم الفردية، بل النسيج الاجتماعي والسياسي للفلسطينيين على المدى الطويل.
غزة: جيل بعد الإبادة، بلا أفق
في قطاع غزة، تحوّل الوضع إلى مأساة وجودية بعد الإبادة الجماعية الإسرائيلية في أكتوبر 2023، والتي أودت بحياة أكثر من 40 ألف فلسطيني، نصفهم من النساء والأطفال والشباب. يعيش اليوم نحو 2.2 مليون فلسطيني تحت ظروف غير إنسانية، بينهم 60% من الشباب الذين فقدوا التعليم والعمل وأي أفق للمستقبل.
تشير الأمم المتحدة إلى أن 80% من مواطني القطاع أصبحوا نازحين داخلياً، وأن 70% من المدارس والجامعات تضررت أو توقفت عن العمل. البطالة بين الشباب تجاوزت 75%، ووصلت إلى 91% بين خريجي الجامعات والمعاهد العليا. أما الاقتصاد، فقد تقلص إلى أقل من سدس حجمه قبل الحرب، بينما تعيش 90% من الأسر تحت خط الفقر.
هذه الأرقام لا تعكس فقط الأبعاد الاقتصادية، بل تعكس صدمة نفسية وجماعية عميقة. الجيل الشاب في غزة يعيش في بيئة من العدمية والفراغ، يواجه صعوبات البقاء اليومية، ويكافح للحفاظ على توازنه النفسي والاجتماعي وسط تداعيات الحرب والدمار.
الأزمة في الضفة الغربية: بطالة، قيود، وانسداد أفق
في الضفة الغربية، يواجه الشباب تحديات اقتصادية وسياسية تتفاقم عامًا بعد عام. وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2024، معدلات البطالة بين الشباب الجامعيين تجاوزت 40%، بينما تبلغ نسبة الشباب خارج التعليم أو سوق العمل نحو 47%، أي ما يعادل أكثر من 300 ألف شاب وشابة.
القيود الإسرائيلية المستمرة على الحركة، وتقليص عدد تصاريح العمل داخل إسرائيل من 107 آلاف إلى أقل من 25 ألفاً، إضافة إلى الانقسام السياسي الداخلي، يجعل من الصعب على الشباب أن يجدوا فرصًا حقيقية لتحقيق طموحاتهم. ونتيجة لذلك، يفكر 48% من الشباب في الضفة بالهجرة بحثًا عن مستقبل أفضل، وفق استطلاع حديث للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية.
هذا الواقع يولّد إحباطاً جماعياً ويقوّض شعور الشباب بالهوية الوطنية والمشاركة المجتمعية، ويزيد من الميل إلى الانكفاء على الذات أو البحث عن حلول فردية، بعيدًا عن المشروع الوطني الجامع.
الأبعاد النفسية والاجتماعية للكارثة
الشباب الفلسطيني لا يعانون فقط من البطالة والفقر، بل من أزمات نفسية متفاقمة. تقارير حقوقية وأكاديمية تشير إلى ارتفاع معدلات الاكتئاب، القلق، واضطراب ما بعد الصدمة، خاصة بين الشباب الغزي بعد الإبادة الجماعية. هذا الجيل، الذي فقد المنازل والمدارس والأحباء، أصبح يفتقد القدرة على التخطيط للمستقبل، ما يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي على المدى الطويل.
وبينما يواجه الشباب في الضفة الغربية القيود اليومية للسياسة والاقتصاد والاحتلال، فإن الشعور بالعجز واليأس يعزز الانكفاء، ويزيد من احتمالية اللجوء إلى وسائل فردية للخلاص أو الهجرة، ما يضع مستقبل القضية الفلسطينية في خطر كبير.
الخطورة الاستراتيجية: طاقة بشرية تتحول إلى قنبلة اجتماعية
الشباب الفلسطيني كانوا دائمًا القوة المحركة لأي مشروع وطني أو مقاومة. اليوم، غياب الفرص التعليمية والاقتصادية والسياسية يحوّل هذه الطاقات إلى عبء على المجتمع. في غزة، الجيل ما بعد الإبادة يعيش في فراغ كامل من التعليم والعمل، وفي الضفة، القيود السياسية والاقتصادية تهدد بإنتاج جيل محبط ومهمش وغير قادر على المشاركة الوطنية.
إذا لم تتخذ خطوات عاجلة، فإن النتيجة ستكون انفجاراً مجتمعياً مؤجلاً، قد يظهر على شكل هجرة جماعية، انخراط في أعمال عنف، أو تفكك المجتمع المدني والسياسي، مما يجعل مستقبل فلسطين بأكمله مهدداً.
من الإغاثة إلى التمكين
لمعالجة أزمة الشباب الفلسطيني، هناك حاجة إلى رؤية وطنية شاملة تركز على تمكين الشباب وإعادة بناء القدرات الوطنية. يجب إعادة بناء البنية التعليمية في قطاع غزة وربطها ببرامج إعادة الإعمار والتدريب المهني لضمان استمرار العملية التعليمية وإعادة إحياء المؤسسات الأكاديمية. كما ينبغي إطلاق برامج تشغيل وطنية للشباب في الضفة وغزة، مع التركيز على القطاعات الحيوية مثل الزراعة والطاقة والبناء لتوفير فرص عمل حقيقية ومستدامة. إلى جانب ذلك، يجب تمكين الشباب رقمياً عبر برامج العمل عن بُعد وريادة الأعمال والتكنولوجيا الحديثة، ما يتيح لهم تجاوز القيود الميدانية والمنافسة في الأسواق الإقليمية والدولية. ويُعد تعزيز المشاركة السياسية للشباب من خلال الانتخابات والتمثيل الفعلي في مؤسسات صنع القرار خطوة ضرورية لإعادة الثقة وتحفيز الانخراط الإيجابي في المجتمع. وأخيراً، لا بد من توفير دعم نفسي واجتماعي واسع للشباب، خاصة في غزة بعد الإبادة الجماعية، لضمان إعادة تأهيلهم وتمكينهم من مواجهة المستقبل بشكل فعال.
الشباب آخر خط دفاع
الشباب الفلسطيني ليسوا مجرد فئة عمرية، بل هم مستقبل الأمة وركيزة صمودها. استمرار التهميش وانعدام الأفق السياسي والاقتصادي سيحوّل هذه الطاقات إلى عبء على المجتمع، بينما الاستثمار فيها يمكن أن يحوّل الشباب إلى قوة حقيقية لإعادة بناء فلسطين.
من رماد الإبادة وفقدان الأمل، يمكن أن يولد جيل قادر على النهوض، واستعادة الحياة، والمساهمة في مشروع وطني حقيقي، إذا ما توفرت القيادة الصادقة، البرامج الوطنية، والدعم الإقليمي والدولي الكافي. فالشباب هم آخر خط دفاع عن فلسطين، وعليهم أن يتحولوا من جيل بلا أفق إلى جيل يحمل المستقبل.
من رماد غزة إلى قيود الضفة: شباب فلسطين على حافة الانهيار

























































