اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ٢٩ نيسان ٢٠٢٥
في خضم الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي يعيشها قطاع غزة، تبرز تساؤلات متزايدة حول دور سلطة النقد الفلسطينية والبنوك العاملة في القطاع في مفاقمة المشهد المالي، وسط اتهامات بتقصير واضح في إدارة ملف السيولة النقدية، وفرض قيود خانقة على معاملات التحويل والاستقبال الإلكترونية، وصمت مريب تجاه حسابات بعض التجار المتنفذين.
ومؤخرًا، عمدت البنوك المحلية على تحديث تطبيقات الدفع الإلكتروني من خلال تقييد المبالغ المالية المرسلة أو المستقبلة، والمقيدة بالفترة الزمنية اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية.
أزمة سيولة خانقة
وتعاني أسواق قطاع غزة منذ أشهر من نقص حاد في السيولة النقدية، خاصة الفئات الصغيرة مثل العشرة شواكل، التي تعد أساسية في المعاملات اليومية. هذا النقص لم يُقابل بأي إجراءات عملية من سلطة النقد أو البنوك العاملة، بل اكتفى المسؤولون بالصمت، ما عمّق حالة الركود وضاعف من معاناة المواطنين وأصحاب المصالح التجارية.
ورغم مطالبة المواطنين والتجار بضرورة إصدار بيانات رسمية تشجع على تداول العملات الورقية المهترئة وفئة العشرة شواكل التي تشكل نحو 6%-7% من حجم النقد المتداول في غزة، لم تصدر سلطة النقد أي تعليمات واضحة أو حملات توعوية بهذا الخصوص، ما فاقم من أزمة التداول النقدي في الأسواق المحلية.
عملة مهترئة ورفض صامت
في شوارع غزة وأسواقها، يتزايد رفض التجار للعملة الورقية المهترئة، ما يعيق حركة البيع والشراء اليومية. هذه الظاهرة كان يمكن احتواؤها بقرار رسمي ملزم يحث على قبول جميع أشكال العملة المتداولة قانونيًا، ولكن غياب الموقف الرسمي من سلطة النقد شجع حالة الفوضى وأربك العمليات المالية اليومية للمواطنين.
أحد الباعة في سوق الزاوية وسط مدينة غزة قال: 'نعاني يوميًا من رفض الزبائن للعملة القديمة، ولا نجد دعمًا من البنوك أو سلطة النقد التي تلتزم الصمت، مما يهدد رزقنا ويدفعنا أحيانًا لقبول الخسائر بدلًا من خسارة الزبون'.
في الوقت ذاته، أبدت سلطة النقد تهاونًا ملحوظًا مع حسابات بعض كبار التجار المتنفذين، الذين يُتهمون بتخزين العملات النقدية خارج الدورة الاقتصادية، ما ساهم بشكل مباشر في تفاقم أزمة السيولة. وقد أبدى العديد من المواطنين تساؤلاتهم حول السبب وراء عدم اتخاذ إجراءات رقابية حازمة بحق هذه الفئة، والتي تحظى – كما يعتقد البعض – بحماية غير معلنة، على عكس حسابات المواطنين التي تتعرض للتجميد في حال تجاوز الحد الأقصى من التحويل والاستقبال اليومي أو الأسبوعي أو الشهري.
المختص في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر تحدث لوكالة 'صفا' عن تلك الأزمة. وقال 'هناك شواهد واضحة على احتكار العملة من قِبل تجار كبار، ومع ذلك لا نرى أي تدخل حقيقي من سلطة النقد لضبط السوق، وهو ما يثير الريبة بشأن العلاقة بين بعض التجار المتنفذين ومؤسسات الإشراف المالي'.
وتساءل أبو قمر: 'لماذا لم تبادر سلطة النقد إلى إصدار تعليمات واضحة وشفافة، أو خطة طوارئ لدعم السيولة، بدلًا من الصمت الذي يكتنف قراراتها؟'.
ويشير المختص الاقتصادي إلى أنه ومع توالي الأزمات الاقتصادية في غزة منذ بداية سنوات الحصار في العام 2006 وليس انتهاءً طوال شهور العدوان الجاري؛ فإن أزمة أخرى طفت إلى السطح تتعلق بتقييد الحسابات الإلكترونية. حيث فرضت سلطة النقد والبنوك سقوفًا صارمة لمبالغ الدفع اليومية والأسبوعية والشهرية عبر المحافظ الإلكترونية، ما أعاق معاملات المواطنين وألحق ضررًا جسيمًا بالتجارة الإلكترونية الناشئة في غزة.
وحتى البنوك التي حاولت افتتاح أبوابها في أسابيع الهدنة في منتصف يناير الماضي، أكد المختص الاقتصادي أبو قمر أن ذلك الدور لم يكن سوى إجراء شكلي فشل في الحد الأدنى من تلبية احتياجات المتعاملين مع البنوك التي لم تقدم خدمتي السحب والإيداع الأساسيتين، في الوقت الذي لم تشجع المواطنين بشكلٍ كافٍ على استخدام تطبيقات الدفع الإلكتروني وطرق الوقاية من عمليات الاحتيال المالي المرتبط بها.
وأفاد أحد أصحاب الأعمال الصغيرة المعتمدة على البيع عبر تطبيقات الدفع الإلكتروني أن القيود المفروضة على حدود السحب والتحويل 'خنقت المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تعتمد بشكل أساسي على سرعة وسهولة المعاملات الإلكترونية، عدا عن المعاملات اليومية للمواطنين من خلال البيع والشراء'.
وأضاف: 'المواطن اليوم لا يستطيع دفع أكثر من مبلغ محدود يوميًا، حتى لو كانت لديه القدرة المالية، وهذا يعرقل الإيفاء بمتطلبات الحياة اليومية ويجعل من الاعتماد على المحافظ الإلكترونية خيارًا مكلفًا وغير عملي'.
غياب الشفافية
ويشير أبو قمر إلى افتقاد المواطنين للشفافية الكاملة فيما يتعلق بالإجراءات المتخذة من قِبل سلطة النقد والبنوك المحلية العاملة لمعالجة الأزمة، مما قد يُعزز حالة من فقدان الثقة بالقطاع المصرفي.
ودعا أبو قمر إلى إصدار بيان رسمي يشجع على تداول جميع العملات الورقية بما فيها المهترئة والفئات المالية المعدنية، بالتزامن مع إطلاق حملات توعية عامة لدعم ثقافة قبول العملة القديمة وتطبيقات الدفع الإلكتروني.
كما طالب برفع سقوف المعاملات الإلكترونية لتلبية احتياجات المواطنين اليومية ومحاسبة التجار المحتكرين للنقد بشفافية وعدالة واعتماد سياسات مالية مرنة تدعم النشاط الاقتصادي بدلًا من تقييده.