اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٦ تموز ٢٠٢٥
'نحن لا نموت.. نحن نترك أثرًا من الرمل يحكي عنا.. نحن شهود عيان على جرائمكم'— بهذه الكلمات تُلخص الفنانة التشكيلية رانا الرملاوي رسالتها إلى العالم، عبر مجسماتها الرملية التي تحاكي صور العذاب والمعاناة التي يتعرض لها شعبها خلال حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على غزة.
ترى الرملاوي أن غزة لا تواجه حربًا عسكرية فقط، بل حربًا متعددة الأوجه: نفسية ومعيشية وإنسانية. ومن خلال الفن، وسيلتها في المقاومة، تحاول إحياء القصص التي قد تُنسى وسط زحام الأخبار والمجازر المتكررة.
منذ الطفولة، كان الفن شغفها الحقيقي وطريقتها الوحيدة للتعبير عن ذاتها والواقع الذي تعيشه. تقول: 'مع الوقت، قررت أن أكرّس نفسي للفن تمامًا، لأنه أصبح صوتي وذاكرتي'.
ومثل كل فنان، تأثرت الرملاوي في أعمالها بالأحداث المحيطة، لكن الحرب الأخيرة كانت الأعنف والأكثر قسوة في حياتها: 'فقدت والدي الذي كان يعاني من الشلل الرعاش، وتوفي أمام عيني بسبب انهيار القطاع الصحي بعد إصابته إثر قصف منزلنا فوق رؤوسنا'، تضيف بأسى، 'ولاحقًا فقدت شقيقي الأكبر وزوجته وطفلتيه، الذين قضوا تحت ركام منزلهم، وأنا اليوم نازحة أعيش في خيمة بمركز إيواء، بلا خصوصية أو راحة، لكنني أحاول أن أخلق مساحة للفن رغم هذا الخراب'.
تشعر الرملاوي بالحزن لأن المآسي التي جسدتها في أعمالها الفنية قبل الحرب لا تزال تتكرر في عام 2025، وتقول لـ 'فلسطين أون لاين': 'من أبرز أعمالي السابقة كانت منحوتة 'اللاجئة' التي جسدت فيها أمًا تحمل طفلها الرضيع وكيس دقيق، تسير بجانبها طفلتها، ومن خلفهم خريطة فلسطين. كان ذلك في عام 2020، وللأسف لا يزال المشهد ذاته يتكرر.. ما زلنا في الخيام'.
ورغم الفقد والنزوح، تواصل الرملاوي النحت على الرمال، مجسدةً مشاهد من الواقع المُعاش: 'أم تبكي على طفلها الجريح، أطفال في حضن الخوف، عائلات تحت الأنقاض. أحب أن أجسد التفاصيل التي لا تراها الكاميرات، ولا تنقلها الأخبار، لأن الفن قادر على إيصال الألم بلغة يفهمها العالم كله'.
لكن هذا العمل الفني لا يخلو من التحديات؛ فالنزوح وفقدان البيت والأمان وغياب الموارد الأساسية كلها عقبات دائمة. تقول: 'لا مكان مخصص للعمل، فبيوتنا دُمّرت، ونعيش في خيام متلاصقة، كما أن أدواتي دُمرت تحت الركام، وحتى الرمال أصبحت صعبة النحت، لأنها مختلطة بالأنقاض والحصى، فأقضي وقتًا طويلًا في تنقيتها'.
وتشير إلى أن الفن يعاني تهميشًا شديدًا في زمن الحرب، ويُنظر إليه كترف لا ضرورة له، بينما هو في جوهره رسالة وقضية. وتؤكد: 'أطمح إلى إيصال صوت غزة إلى العالم من خلال فن وُلد من رحم المعاناة'.
وتضيف: 'أحلم بالمشاركة في معارض دولية، وأتمنى افتتاح مرسم للأطفال النازحين، أُعلّمهم فيه كيف يخرجون حكايتهم من بين أصابعهم عبر الرمل، بدلًا من أن تختنق داخلهم في الصمت'.
وتختم بقولها: 'بالرمل نحفر ذاكرتنا، ونبني بيوتًا فنية مؤقتة بدل البيوت التي سقطت. في كل منحوتة أزرع أملًا صغيرًا، وأحاول أن أقول: نحن باقون.. أقوياء.. وفنّنا باقٍ معنا حتى على تراب النزوح'.