بصراحة .. لا أعرف ما الذي يحدث

على مدار الأسبوع الماضي لم أستطع أن أمر مرور الكرام عن كل الأخبار والفيديوهات التي تنقل ما يجري في الرابية يومياًَ،

لا يستطيع أحد منّا ان يتغافل او ان يشيح بوجهه عن شكل الشارع في الأيام الماضية، كل هذا التأجيج والاحتقان الموجودان في فضائنا العام اليوم ليسا طبيعيين برأيي، وأعتقد أن من واجبنا جميعاً أن ننظر لما يجري ونحاول فهمه….

لا يخفى على أحدٍ ارتباط الأردنيين من شتى الأصول والمنابت والتوجهات بفلسطين وتعلقهم الجذري وما يجري بها، وارتباطهم الروحي بالقضية الفلسطينية، ونحن نعي تماماً خصوصية هذه العلاقة التاريخية المختلفة عن كل علاقات المنطقة، وأن احتشاد الأردنيين في الساحات والشوارع نصرة لأخونهم الفلسطينيين ليس أمراً جديداً، أو وليد اللحظة، وإن مقابر شهداء الجيش العربي الأردني في القدس خير شاهد، وجبال السلط لم تشح النظر عن فلسطين قدر أنملة.

إن هذا الإرتباط ايضاً ليس محض صدفة، له عوامل كثيرة وتجليات واضحة وكبيرة، إن الموقف الأردني الرسمي السياسي والدبلوماسي والعسكري النابع و المنضوي تحت موقف جلالة الملك عبدالله الثاني شخصياً من القضية الفلسطينية هو خيرُ دليل على أن الأردن لم يتوانى يوماً عن مد يد العون لمحيطه العربي، لا وبل في الحرب الأخيرة على غزة تحديداً أخذ الأردن على عاتقه الكثير الكثير وقاد دول العالم نحو ما يحصل في غزة. لم نرى قائد دولة أخرى يقود عمليات الإنزال مثلاً…

تنبهت بالصدفة لجملة النائب عمر العياصرة عبر قناة المملكة قبل أيام عندما قال بالحرف ' أي الصفدي لو ينزل ع الرابية سقفه اعلى من سقف بعض الهتيفة'

فعلاً، إن وزير الخارجية الأردني ورئيس الوزراء والطواقم الدبلوماسية في الخارج، تقوم بعمل خارق في سبيل تهدئة الأوضاع في المنطقة، ولا يخفى على أحد أن مصلحة المواطنين الأردنيين -كل الأردنيين- هي محور اهتمام الدولة الأردنية في ادارتها للملف الخارجي، وإن الأردن يأخذ على عاتقه مصلحة الغزيين والفلسطينيين في جهوده الرامية لإنهاء الحرب على غزة وأن بوصلة العمل السياسي الأردني واضحة وضوح الشمس..

فإن السياسة أعزائي ليست شعاراتٍ فضفاضة، ولا جُملاً برّاقة، وما أسهلها من كلمات عندما تقولها وأنت لا تدرك تبعاتها، ولا تتحمل مسؤوليتها، فإن الواقع السياسي يفرض شروطه وأن التعقيد أكبر مما يعيه الشباب الذي يملأ صدره الغضب لما يحصل في غزة.

ان جهودنا السياسية والانسانية تجاه غزة لم تهدأ منذ بدأ العدوان، وان من شروط السياسة ايضاً هو ان تستطيع تقييم ما يحصل ومعرفة الخيار الاستراتيجي الأنسب. إن الأردن اليوم ليس معزولاً عن العالم بل هو لاعب قوي وله العديد من العلاقات الدبلوماسية المتشابكة، ولا يخفى على أحدٍ انه هناك الكثير من الأطراف التي تنتظر حدوث أي اضطراب في الأردن لمطامع لا تخفى عن أحد.

إن ما نراه اليوم من تحريض على الأجهزة الأمنية لا يمكن السكوت عنه، وتصوير مرتبات الأمن العام والدرك على أنهم على عداوة مع من ينزل الى الشارع ليعبر عن تضامنه هو أمرٌ غير مقبول، هنالك من يحاول سلبنا هذا الشعور بالأمان عند رؤية ابناء الأجهزة الأمنية. ان اكثر ما يقلقني هو هذا التجييش والجهد المبذول لحرف بوصلة الناس عن التضامن مع فلسطين وتوجيه غضب الشارع الى من يحاول حمايتهم واستغلال قهر الأردنيين الصادقين بمشاعرهم لمصالح فئاتٍ لا تتورع عن استغلال الأزمات.

لم يحدث يوماً أن منعت الأجهزة الأمنية اي شخص من حقه في التعبير عن رأيه، بل أن ما يميز اجهزتنا الأمنية في وطننا الحبيب، هو قدرتهم على فهم تركيبة الشارع الأردني وفهم دوافع الناس عندما ينزلون بغضب الى الشوارع، فيعلم الضباط والأفراد أن بين هؤلاء، المقهور والغاضب والمتعاطف واليساري والإسلامي، ويحرص الأمن على توفير مساحة آمنة للناس للتعبير عن آرائهم دائماً،

هل تظن عزيزي بأن رجل الأمن الذي يقف في الشارع لا يتمنى مثلك انتهاء هذا الكابوس المتمثل في غزة، ؟وأنه مستعد ليفدي المظلومين بماله وروحه، وأن هدفه الرئيسي من وقوفه بالشارع هو ضمان أمنك حتى في مظاهراتك.

قال الله -تبارك وتعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين.