اخبار فلسطين
موقع كل يوم -الميادين
نشر بتاريخ: ٢٥ أذار ٢٠٢٤
غزّيون يبيعون 'الرواق' لأهل البلاد.. ليالي الشمال لم تعد كلها حزينة
من الموضوعية القول، إننا شعب يحب الفرح بالقدر الذي يرى فينا الحزن أننا 'أهله وقبائله'، ولعل ساعات ما بعد الإفطار، تعكس تلك الغريزة حتى في عالم غزة السفلي المتمثل في مراكز الإيواء.
لا شيء في مشاهدات الحرب اليومية، ينزع عن سكان غزة طبيعتهم، البعيدة كل البعد عن الأسطرة وخرق العادة، في نهاية الأمر، هم شعبٌ عادي ككل شعوب أهل الأرض، تُخرج الأزمات أجمل وأسوأ ما فيهم، وتكشف عن المعادن الأصيلة والمزيفة. وفي تبني خرافة الأسطرة والتبجيل المبالغ فيه، جنوحٌ إلى تبرير الخذلان والتقصير، على اعتبار 'أننا' مغايرون للطبيعة البشرية المعتادة، وقادرون على التأقلم دائماً مع الظروف أياً كانت.
على أن من يحبنا، يرغب في أن يرانا أقوياء، سعداء، غير بائسين ولا محبطين، تماماً كما يرغب عدونا في أن يرى آثار إجرامه فينا، بؤساً وجوعاً ويأساً واستسلاماً، وانسحاباً في حديثنا الموضوعي ذاته، فإن المشي في شوارع شمال القطاع، وهي أكثر مناطق هذا الكوكب في الوقت الحالي، بؤساً وجوعاً وكارثية، يشعرك في لحظة، بأن ثمة شيئاً ما، شكلته أيام هذه الحرب الطويلة، منافٍ للنتيجة المنطقية، التي يجب أن يستبب فيها تراكم الأسى والفقد والمجازر.
على مفترق الشيخ رضوان مثلاً، حيث يتجمع المئات من المواطنين لالتقاط إشارة الإنترنت من خلال الشرائح الالكترونية، التي تحولت إلى مشروع استثماري، علّق محمد أبو غوش يافطة لمشروعه النوعي، كتب عليها: 'مسلسلات رمضان full hd الحلقة بـ1 شيكل'، ومن حوله، تجمع العشرات من الشباب والصبايا، ينتظرون دورهم في الحصول على ما يتابعوه من برامج ومسلسلات رمضانية.
من وجهة نظر الشاب الذي كان يدرس هندسة الحاسوب، فإن الناس تأقلموا، أو يحاولون، مع واقع الحرب المستمرة: 'هل من المعقول أن نقضي ستة أشهر ونحن نبكي ونلطم الخد؟ الطبيعة البشرية تألف ذلك الروتين'، يقول الشاب ويتابع حديثه إلى الميادين نت: 'فهمت إنو في عالم محتاجة تتحايل على واقع القصف والمجازر المستمرة، لهيك أعديت قائمة بأشهر المسلسلات الرمضانية، وبلشت أحمل حلقاتها في ساعات ذورة سرعة النت، وفي اليوم التالي، قررت أفهم أكثر شو العالم بدها، علقت يافطة إنو حمل مسلسلك المفضل بـ1 شيكل، حتى أفهم ذوق الناس بدقة، وسألت كل شاب أو صبية على شو بيبحثوا، وبعدها صرت أتولى المهمة (..). بحمّل كل الحلقات في الليل، وثاني يوم ببيع الحلقة بشكيل'.
قال ذلك، وضحك مزهواً، وحقٌ له أن يزهوا بكل هذا القدر من الذكاء، بالقرب منه، كانت لينا وهي فتاة في العقد الثاني من العمر، قد فرغت من نقل حصتها اليومية من البرامج والمسلسلات، وحينما حاولت كسر الحاجز معها، وسألتها عن المكان الذي يباع فيه الرواق وهداة البال في هذه البلاد، ضحكت قائلة: 'معقول ما بتعرف؟ من هان أستاذ، محمد وكيل الرواق الحصري'، قبل أن تضيف: 'في أول يوم رمضان، زعلت من حالي وأنا بحضر المسلسل، لأني حسيت إني خنت دم أختي وبنت عمي الشهيدة، بعدين فكرت شوي، إنو سما وتولين عند ربنا إلي نهى إنو نحكي عن الشهداء أموات، وبما إنهن أحياء، فأكثر شي بيحبوه، هوا إنو يشوفونا سعداء وبنضحك (..) ما رح تصدق، صرت أصنع السعادة في البيت، ومن العدم أعمل سهرة رمضانية، وافتح مسلسل على الجوال، أجمع العائلة وإمي إلي ما راضية تترك الحداد، لأنو سما أجتني في المنام وحكت لي إنها مبسوطة مني، وأنا كل يوم بآجي آخذ المسلسلات حتى أصنع جو ما قبل الحرب.. عشان سما وتولين'.
من الموضوعية القول، إننا شعب يحب الفرح بالقدر الذي يرى فينا الحزن أننا 'أهله وقبائله'، ولعل ساعات ما بعد الإفطار، تعكس تلك الغريزة حتى في عالم غزة السفلي المتمثل في مراكز الإيواء، مركزاً من تلك، يتوسط مخيم جباليا، يعمد يومياً لصناعة طقوس البهجة، من مثل إقامة صلاة التراويح وإذاعة صوت التلاوة على مكبر الصوت، واستقدام فرق مهرجين، ومدائح نبوية، وإقامة المسابقات، يكسر صوت ضحكات هؤلاء صمت الليل الغريب على أجواء الشهر الفضيل.
يقول أبو أحمد، وهو أحد القائمين على ليالي رمضان: 'توافقنا مع الأهالي أنه لا مكان للحزن بيننا، وأننا سنصنع أجواء البهجة والفرح بأي طريقة، الهدف هو أن نخلق ما يجدر انتظاره في أذان المغرب، الطعام الآن عزيز وشحيح، والموائد الرمضانية العامرة بكل ما لذ وطاب، صارت شيئاً من الماضي والذكريات، هذه الأجواء بما فيها من بهجة، تخرج الناس من الحزن والتأمل في الواقع الحالي الذي يؤرث الكآبة'.