اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ١٢ أذار ٢٠٢٥
لقد تجشم بعضهم في العناء الرد على مقالي السابق ولكن لا أظنه قد عاد إلى المصادر التي ذكرتها واعتمدتها، ولو عاد لما احتاج إلى هذا العناء مع أن كلامي في مقصد وحدة الأمة الذي ذكره العلاّمة الأمين، وليس في مقاصد ثانية تطرق إليها أيضا العلاّمة الأمين، مثل مقصد الحرية والعدالة وحقوق الإنسان.
ولو عاد البعض إلى هذه المصادر وتتبعها وقرأها، وقد أشرت إليها إشارة لمن أراد الاستزادة، لأغناه ذلك عن فضول الوقت والكلام، في الوقت الذي يبحث فيه عقلاء الشعوب والأمم والدول الناضجة عن عوامل الاستقرار، وليس عما لا علاقة لهم به مما صنعه الماضون أو حدث في التاريخ فـ(تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) كما قال الله في كتابه الكريم.
الكاتب لم يميز في مقاله بين ما يذكره الفقهاء عند الحديث عن علل الأحكام الشرعية، وقد خفي عليه أنهم يقسمون علة الحكم إلى قسمين: علة منصوصة، والثاني علة مستنبطة.
لقد عشنا وكثيرون هذا الصراع الداخلي وانعكس خارجا، فكان طريقا مؤلما للإنسان وآثاره من الإسقاطات للتاريخ على الحاضر، مدمرة في أحيان كثيرة مجتمعاتنا.
لقد قام الماضون بما قاموا من عمل، سواء ظنوه واجبا، او كان واجبا أو استعملوه وسيلة لمآرب شخصية أو سلطوية، ولكن لن نسأل عنه، وإنما نسأل عما عملنا نحن.
مقاصد اخرى
قال تعالى في محكم كتابه: (وكل آتيه يوم القيامة فردا)، والكلام الأهم كان في الآثار عن اعتماد 'وحدة الأمة' كمقصد سادس أساسي في الشريعة.
يقول العلامة السيد علي الأمين حفظه الله: (ونحن قد ذكرنا في بعض المقالات أن الحصر بهذه الخمسة لا دليل عليه سوى استقراء موارد اهتمام الشريعة، وهذا لا يمنع من إضافة أمور أخرى إليها، كالحرية والعدالة وحقوق الإنسان من منظور إسلامي، إذا ساعد عليها الدليل الإستقرائي بمعيار الإهتمام المتقدم)، فهو يزيد عليها العدالة والحرية وحقوق الإنسان ولا يحتاج الشرح والتدبر فيها لوضوح ألفاظها لقارئها.
والكاتب لم يميز في مقاله بين ما يذكره الفقهاء عند الحديث عن علل الأحكام الشرعية، وقد خفي عليه أنهم يقسمون علة الحكم إلى قسمين: علة منصوصة، والثاني علة مستنبطة.
والعلة المنصوصة هي التي ورد فيها نص شرعي، وهي التي يدور الحكم الشرعي مدارها وجوداً وعدماً. والأخرى هي التي لم يرد فيها نص شرعي خاص، ولا يدور الحكم مدارها، فقد يثبت الحكم مع عدم ثبوتها.
وهذا يعني أن ما يسمى بالمقاصد الشرعية ليس من العلل المنصوص عليها شرعاً، وإنما هي مستنبطة من مراجعة النصوص والبحث فيها عن فوائد التشريع غير المنصوص عليها.
وأما مسألة مقصد الوحدة فهي لمعة من اللمعات المهمة التي أضافها العلاّمة الأمين إلى مقاصد الشريعة أحببت، ورأيت من الواجب تخصيصها لتأثيراتها الإيجابية على مجتمعاتنا وأوطاننا. والعقلاء لا ينكرونها في مفاعيلها فلم يكن دور الأنبياء ولا الأئمة كما ذكر الكاتب هو إحداث الشقاق في أممهم وأقوامهم وهذا مناف لرسالتهم بالضرورة، وإنما كان دورهم الوحدة بعد التمزيق، وليس فعلا قائما على الشرخ، وإنما على وحدة الإنسان والدولة والأمة والأوطان في مصطلحات زماننا.
قال الله سبحانه في محكم كتابه العزيز:
(كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه)، (وما كان الناس الا امة واحدة فاختلفوا)، (ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون)، (وان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون)، (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم).
اقرأ ايضا: وحدة الأمة كمقصد أساسي سادس في الشريعة الإسلامية: رؤية العلامة السيد علي الأمين
الوحدة لا تمنع تعدّد الآراء
ومن العجب أن يعتبر الكاتب وجود التنافي بين الوحدة والتنوّع وتعدد الآراء، فإن الوحدة الجامعة تكون على المشتركات التي تجمع الأمة، كما تقدم في الآيات السابقة، وما جاء في الأحاديث، نحو (المؤمنون كالجسد الواحد).
فإن المعارضة والموالاة من الأمور التي لا تشكل خطراً على وحدة الأمم والشعوب والدول والطوائف، بل هي أمور تغنيها وترفع قدرها، فليس الرأي الآخر في السياسة والفقه هو الذي يتنافى مع وحدة الأمة، ولا هو الذي يعرضها للخطر، بل الذي يعرضها للخطر هو السلاح الذي يستخدم لرفض الإصلاح وقمع الرأي الآخر، وهذا هو ما يعرض مقصد وحدة الأمة للفتن والإنقسامات التي تهدد الوحدة المطلوبة بالزوال، ويؤدي إلى عدم تحقق الغرض في داخلها من المقاصد الخمسة التي ذكرها الفقهاء.
وأما كيف تصرف البعض حيال الأحداث التي مرّت فما يهمنا هو كيف تصرف أئمة أهل البيت عليهم السلام اتجاهها وليس كما تصرف غيرهم، فالإنسان ابن بيئته وانفعالاته ويكون ملتزما بمنهج ما إذا طبق النهج، حين انفعالاته، عليها .
من العجب أن يعتبر الكاتب وجود التنافي بين الوحدة والتنوّع وتعدد الآراء، فإن الوحدة الجامعة تكون على المشتركات التي تجمع الأمة،
وأما تصرف الإمام علي عليه السلام وأهل البيت، فلقد آثر الوحدة ولو لم يكن إلا عليه الجور خاصة، بالتنازل عن حقوقه، وفي سبيل الوحدة وأيضا، حافظ على الحقوق التي تخص عموم المسلمين من القوى التي شهرت السلاح خارج الدولة.
قال الإمام علي عليه السلام: (إن جماعة فيما تكرهون من الحق، خير من فرقة فيما تحبون من الباطل، وإن الله سبحانه لم يعط أحدا بفرقة خيرا ممن مضى ، ولا ممن بقي).
اقرأ ايضا: نقد مبنى «وحدة الأمة» كمقصد شرعي ملزم
وهذا هو المنهج الذي اعتمده المصلحون في العصور المختلفة، وقد كانت توجيهات اساتذة الحوزة في كل زمن وجيل لطلابهم عندما يدخل أحدهم سلك رجال الدين، الاحتياط في ثلاث: الدماء والأموال والأعراض. وهي من العناوين وإن لم تشتهر بالمقصد في تسمياتنا، ولكنها تتضمن في روحها الإتجاه الذي يجعل من وحدة الأمة هدفاً أسمى للمصلحين وأساساً لحفظ مقاصد الشريعة .
وليس يصح في الأذهان شيء…إذا احتاج النهار إلى دليلِ.