معركة غزة أصبحت "تشغيلية" لجبهة لبنان الأصلية (٢/٢)

إزدادت في الأيام الماضية المخاوف من توسع الحرب المفتوحة بين 'حزب الله' واسرائيل بصورة غير مسبوقة منذ اندلاع الحرب في غزة، بعدما اتسعت رقعتها الجغرافية وقوتها التدميرية، بحيث أن الغارات الاسرائيلية على مواقع للحزب لم تقتصر على العمق اللبناني الذي بلغ شرقي لبنان، بل إمتدت يوم الجمعة الماضي إلى مدينة حلب وبالتحديد منطقة جبرين، قرب مطارها الدولي، وسبق ذلك استهداف مسيرة إسرائيلية سيارة على طريق البازورية-وادي جيلو، أدت إلى إستشهاد القيادي في 'حزب الله' علي نعيم، بحيث زعمت وسائل إعلام إسرائيلية أن نعيم من الرعيل الأول لقيادات الحزب، وكان ينشط في سوريا واليمن. ولاحقاً نعى الحزب في بيان نعيم، كما أعلن أيضاً أن 5 آخرين من عناصره قتلوا في هجمات إسرائيلية، إلا أنه لم يعطِ تفاصيل عن كيفية مقتل هؤلاء أو مكانه وزمانه.

وفي تطور بالغ الخطورة، أغارت أمس طائرات مسيرة إسرائيلية على آلية عسكرية تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان 'اليونيفيل' قرب بلدة رميش في القطاع الأوسط بجنوب لبنان، ما أدى إلى وقوع عدد من الجرحى من جنود القوة وجريح لبناني.

هذه التطورات تزامنت مؤخراً مع تصاعد تهديدات من مسؤولين إسرائيليين بتوسيع الهجمات على الأراضي اللبنانية ما لم ينسحب مقاتلو 'حزب الله' بعيداً عن الحدود. ووفق محللين إسرائيليين، فإن تصاعد التوتر قد ينذر بمواجهة شاملة، لأن تل أبيب تجد نفسها في وضع معقد ما قد يدفعها إلى تحرك عسكري أوسع إذا لم تنجح الجهود الديبلوماسية في إبعاد مقاتلي 'حزب الله' عن الحدود. وكشفت صحيفة 'تايمز أوف إسرائيل' أن جميع قادة الكتائب في الجيش الاسرائيلي النظامي والاحتياط أنهوا ورشة عمل تعليمية نظمتها الفرقة 36 إستعداداً لتحرك محتمل في لبنان، وهي الفرقة التي عملت لأكثر من ثلاثة أشهر في غزة، عرضت دروس القتال في القطاع من منظار مخطط القتال اللبناني. وأكدت الصحيفة أن 'حرب لبنان الثانية، عندما تندلع، ستكون أقصر مما نظن، خصوصاً بسبب الجانب المتعلق بالشرعية الدولية'، ففي لبنان تنخرط دول غربية وهيئات دولية كثيرة، وبالتالي فإن الوقت الذي سيُمنح لإسرائيل في الحرب أمام 'حزب الله' في لبنان لن يكون شبيهاً بالوقت الذي مُنح لها في قطاع غزة، معنى ذلك أنه يتعين على إسرائيل تجهيز خطة عمل فتاكة، تحقق الإنجاز المطلوب في وقت قصير جداً.

على الرغم من هذا التصعيد المتنامي، لا بد من التوقف عند الاختلاف في إسرائيل حول كيفية إدارة الجبهة في الشمال، بين من يريد مواجهة شاملة كما يحدث في غزة ولا سيما أن هناك فرصة مواتية لهذه الفكرة، التي تم إيقافها سابقاً من أعضاء في مجلس الحرب الاسرائيلي بضغط من واشنطن، لكن في المقابل هناك تيار يعتقد أن ما يحدث على الجبهة الشمالية هو المفضل لاسرائيل في ظل غياب الحل الديبلوماسي، وهذا التيار يدفع في اتجاه 'تدفيع حزب الله ثمناً باهظاً عبر قتل المئات من مقاتليه واستهداف بنيته العسكرية، وكسر بعض قواعده التي كانت قبل السابع من أكتوبر'.

في كل الأحوال، إن جبهة لبنان بالنسبة الى إسرائيل أصبحت من أولوياتها، خصوصاً أن المسألة في جنوب لبنان لم تعد عسكرية فحسب، بل مرتبطة برؤية أميركية جديدة، تقوم على مساندة إسرائيل في غزة كما لبنان، بغض النظر عن الخلافات العلنية، للذهاب نحو حلول دائمة بدل المؤقتة.

لذلك، وبانتظار ما ستحمل الأيام من تطورات، فإن الخيار الأقوى أمام إسرائيل هو إستمرار العمليات الاستنزافية مع 'حزب الله'، مع إعتماد الذهاب في إتجاه العمل الجغرافي التوسعي، فضلاً عن التركيز على إغتيال قادة للحزب، والاستمرار في إستهداف بنيته العسكرية الاستراتيجية. فهل يبقى 'حزب الله' وخلفه إيران قادران على تجنب حرب إقليمية، في ظل زيادة وتيرة الأحداث وشدتها، بحيث كل بضع ساعات يحدث حادث خطير، لا يمكن لأحد أن يكون متأكداً من أنها لن تنتهي بمواجهة شاملة؟

إقرأ الجزء الأول: