اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
بقلم القاضي م جمال الحلو
يُفترض بالقانون الانتخابيّ أن يكون المرآة العاكسة لإرادة الناخبين، والأداة التي تُمكِّن المواطن من التعبير الحرّ عن خياراته السياسيّة، بعيدًا عن أي قيد أو فرض. غير أنّ القانون الانتخابيّ الحاليّ في لبنان، القائم على النسبيّة والصوت التفضيليّ ضمن اللوائح المقفلة، جاء مشوَّهًا في بنيته ومفرغًا من روحه الإصلاحيّة التي وُعِد بها اللبنانيّون. فبدل أن يشكّل خطوة نحو تعزيز الديموقراطيّة التمثيليّة، تحوّل إلى أداة لتقييد حرّيّة الاختيار وتعميق الانقسامات، حتّى بات أشبه بقانون أعرج يسير على ساق واحدة.
أوّلًا: غياب حرّيّة الناخب في انتقاء المرشَّحين:
إنّ الناخب اللبنانيّ، بموجب هذا القانون، يُلزَم بالتصويت للائحة مقفلة لا يملك القدرة على انتقاء أفرادها أو استبعاد من لا يرغب في وصولهم إلى الندوة البرلمانيّة. فاللائحة تُفرَض عليه بحلّتها الكاملة، فيصبح صوته رهينة التفاهمات المسبقة بين القوى السياسيّة لا انعكاسًا لإرادته الفرديّة. هذا الواقع يحرم المواطن من حقّ أساسيّ في الأنظمة الديموقراطيّة، وهو حقّ اختيار ممثّليه على قاعدة الاقتناع الشخصيّ، لا على قاعدة التسوية السياسيّة المعلّبة.
ثانيًا: الصوت التفضيليّ وتكريس الخلل في المساواة:
لقد جاء اعتماد الصوت التفضيليّ ليزيد الطين بلّة. فبدلًا من أن يُعزِّز العدالة داخل اللائحة الواحدة، أرسى قاعدة تنافسيّة غير متكافئة بين أعضائها؛ إذ يُفرَض على المرشَّحين خوض معركة ضارية ضدّ زملائهم في اللائحة نفسها، بدل أن يتعاونوا في سبيل مشروع سياسيّ موحَّد. وبذلك، تصبح اللائحة إطارًا هشًّا لمعارك داخليّة مقنَّعة، حيث يُفضَّل مرشَّح على آخر لا وفقًا لبرنامجه أو كفاءته، بل تبعًا لحسابات طائفيّة أو جغرافيّة أو ماليّة. وهو ما ينسف مبدأ المساواة الذي يُفترض أن يسود بين المتنافسين داخل العمليّة الانتخابيّة.
ثالثًا: انعكاسات القانون على الحياة السياسيّة:
إنّ القانون الانتخابيّ الحاليّ لم ينجح في إنتاج طبقة سياسيّة جديدة أو في فتح المجال أمام قوى ناشئة تحمل رؤى إصلاحيّة، بل على العكس، أعاد إنتاج القوى التقليديّة وأبقى هيمنتها على المشهد السياسيّ. فالمواطن بات أمام خيار وحيد: إمّا التصويت للائحة كاملة تضمّ أسماء يرفضها، أو الانكفاء عن المشاركة. وهذا ما يُضعف ثقة الناس بالعمليّة الانتخابيّة ويُفرغها من مضمونها الديموقراطيّ.
صفوة القول:
إنّ القانون الانتخابيّ اللبنانيّ الراهن، بما يتضمّنه من لوائح مقفلة وصوت تفضيليّ متنافر، لا يصلح ليكون أداة تمثيل حقيقيّة للشّعب. فهو يقيِّد حرّيّة الناخب ويشوّه مبدأ المساواة، ليُنتج في النهاية مجلسًا نيابيًّا لا يُجسّد الإرادة الشعبيّة، بل يُعيد تكريس منطق المحاصصة. وعليه، فإنّ إصلاح القانون الانتخابيّ لم يعد ترفًا أو مطلبًا جزئيًّا، بل ضرورة وطنيّة ملحّة تُعيد للعمليّة الانتخابيّة دورها الطبيعيّ كجسر بين المواطن والدولة، وكضمانة لولادة سلطة تستمدّ شرعيّتها من الخيار الحرّ والواعي للناخبين.











































































