اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ٢٣ نيسان ٢٠٢٥
غادرنا البابا فرنسيس بعدما أمضى حياته في تأدية ما يؤمن به، لا في خدمة الكنيسة ويسوع المسيح فقط بل عبر مدّ اليد للفقراء والمستضعفين والمهمّشين وحتى المنبوذين.
السبت، سيُودعُ العالم كلّه بابا الفقراء صاحب الظلّ الخفيف والمحبّ للسينما وكرة القدم لكنّ الأكيد أنّ الأثر الذي تركه بابا السلام لن يُمحى وسيظلّ يُذكر، لا بل إنني أقول إنني فخور للغاية أنني واكبتُ هذه المرحلة عن كثب.
ورغم حجم حزني على وفاة البابا فرنسيس والخسارة الكبيرة والفراغ الأكبر الذي سيُخلّفه رحيله، إلّا أنني سعيد أنني تعرّفتُ إلى البابا فرنسيس واقتربتُ من هالته القدسية ورأيتُ الحبّ اللامحدود والقلب الطيب والتواضع الحقيقي الذي ميّزه من الجميع.
التقيتُ البابا فرنسيس مع عائلتي حين كان مريضاً، يستند إلى عكاز ويحاول المشي والاستمرار في تأدية واجباته الكنسية التي لم تكن بالنسبة له فرضاً بل أسلوب حياة. وأمام وجوهنا الحزينة على مرضه ومعاناته قال كلمة واحدة: ابتسموا.
يعي البابا فرنسيس أنّ الحياة مشوار صِعاب، لكنه يعي أيضاً أنّ الابتسامة كافية لمواجهة تحدياتها. والرجل المتمسّك بالبسمة حتى في أصعب الظروف وأقساها لم يكن يخشى إظهار روحه المرحة ولا قربه من المؤمنين فكان واحداً منهم ولهم، وجاهزاً لمساندتهم والتعاطف معهم والاستماع لأوجاعهم والإجابة عن تساؤلاتهم.
كان قريباً من الأطفال ويهتمّ بهم اهتمامه بالمؤمنين الكبار فلم يُفرق بينهم وليس دسّه قطعة حلوى في يد ابنتي غوستافيا إلّا الدليل الأبرز على لطافته وحسّه الفكاهي. أمّا مباركته ابنتي إستيل قبل معموديّتها فكانت تمثيلاً للاهتمام بالمؤمنين على اختلاف أعمارهم.
عزفتُ لسنوات من أجل السلام وهذا ما قدّره البابا فرنسيس الذي حمّلني رسالة وجعلني أردّدها قبل كل عرض وهي: على كلّ إنسان أن يجرب بكل الطرق العمل من أجل السلام. ولهذا الغرض عيّنني حاجاً للسلام وبذلك فتح أمامي أبواباً كثيرة قرّبتني من حياته عن كثب وجعلتني ألمسُ تواضعه الحقيقي في حياته اليومية.
فالبابا فرنسيس لم يعش في القصور ولا في شقة فخمة بل بمركز القديسة مارتا مع مجموعة كرادلة وهناك في الطابق السفلي حيث مكثتُ خلال التحضير لحفلي الموسيقي من أجل السلام رأيت البابا المتواضع كيف يأكل من الكافيتيريا مثله مثل الجميع وكيف يستخدم غرفة متواضعة لاستقبال الضيوف وإنهاء الشؤون المستعجلة. كان مقرُ إقامته يفتقر للبذخ الذي يتخيّله أي إنسان إن تصوّر مكان إقامة البابا، لكنّ المكان كان غنياً بالحب والدفء.
في آخر لقاء لنا، أقلقتني علامات التقدّم بالسن التي بدت واضحة على وجه البابا فرنسيس لكنها لم تكن تقلقه، كان مُستعداً للقاء الآب السماوي. وكان قلقاً ومتابعاً شؤون المهاجرين والضعفاء، أتعبته الحروب المستمرّة على الأرض، وكان راضياً عمّا حققه من مكافحة للفساد في الكنيسة.
رحل البابا فرنسيس، غادرنا بابا الفقراء فخسرناه وربحته السماء. ولا يبدو أنّ النهج الاستثنائي الذي اختبره الفاتيكان مع وصول البابا المنفتح على التغيير سيستمرّ، ولا يبدو أنّ التصدّي لمظاهر الثراء ووضع المهاجرين أولوية، سيكونان خيار من يختارون خلفاً للبابا الأبيض القديس.
(*) شريك في 'نداء الوطن'