اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ٢٨ كانون الأول ٢٠٢٤
... ونعود الى ابن طرابلس توفيق سلطان، صديق كمال جنبلاط، اللصيق بالحزب 'الإشتراكي'، والشاهد على أحداث وتفاصيل عبر التاريخ. هو اليوم يراقب التطورات الجديدة ويُحللها وفق معطيات عبرت. فكيف قرأ زيارة وليد جنبلاط إلى الشام الجديدة؟ ماذا عن حزب البعث في سوريا؟ هل استغرب سقوطه الصاعق؟ وماذا لو كان كمال جنبلاط حياً اليوم؟ ماذا يقول له؟ يجيب بحسم: 'ما بيصحّ إلا الصحيح. فالظالم سيف الله ينتقم به ثم ينتقم منه'. وماذا عن اليافطات التي رفعت للتوّ في طرابلس وكتب عليها: ها قد عدنا يا غورو؟ فهل سنشهد عودة الأصوليات إلى عاصمة الشمال اللبناني؟ يجيب 'كلها هرطقات يريدها من أراد الإبقاء على طرابلس 'فزيعة' كما أريد أن تبقى مزارع شبعا شماعة للإبقاء على سلاح المقاومة ليس أقل وليس أكثر'.
في حراكه اليومي بين طرابلس والجناح التقيناه نافثاً مع نرجيلته الحاضرة دوماً كثيراً من التفاصيل الحيّة في ذاكرته. يعود في حديثه إلى زمن الـ 'كي جي بي' حيث المخابرات حاضرة. وإلى يوم ولد فيه تيمور وليد جنبلاط في العام 1982. يومها ذهب إلى الاتحاد السوفياتي مع وليد. ويتساءل 'من كان يظن أن الاتحاد السوفياتي العظيم ينتهي. الناس يتساءلون اليوم ويستغربون سقوط نظام الأسد غير مدركين أنه 'شو بيجيب' بيت الأسد إلى الاتحاد السوفياتي. نظام الأسد قاتل فلمَ الاستغراب من سقوطه المريع؟ صنع هذا النظام الكثير. ميشال عفلق مؤسس البعث حكموه بالإعدام وصلاح البيطار شريكه لاحقوه إلى باريس وقتلوه. والشخص المميز في العراق عبد الخالق السامرائي ضغطوا عليه ووضعوه في السجن وحكموا عليه بالإعدام' ويستطرد 'كنا ذات يوم في العراق، عند صدام حسين، فقال لنا شعارنا: وحدة، حرية، إشتراكية. لم نعمل الوحدة. ليس لدينا حرية.
ويوم طبقنا الإشتراكية قضينا على 'كم' معمل يعمل. في جلسة أخرى مع حافظ الاسد ذُكر أن زكي الأسوزي وهو علوي من الإسكندرون- كان قبل ميشال عفلق-قال لعبد الحليم خدام: انهارت الوحدة. ناداه الأسد: حليم حليم أراك 'منرفز'. أجابه: 'حلّ الحزب'. أجابه الأسد: 'واللهِ هذا أفضل قرار أتخذتموه في حياتكم'. أضاف: 'قلّ لجورج صدقني- وهو عضو قيادي يكتب تاريخ البعث - أن عليه أن يكتب وينشر ما كتب'. هكذا كان يُفكّر نظام البعث في سوريا.
منهجية البعث
يسهب سلطان في كلامه مفسراً طبيعة حزب البعث 'أديب الشيشكلي (رئيس وزراء سوريا سابقاً) هرب من سوريا وسلّم حاله إلى مخفر فرن الشباك في لبنان. سامي الحناوي (السياسي السوري) هرب أيضاً إلى هنا. وقتلوه في شارع عمر بن الخطاب. لم يستطع النظام في سوريا استيعاب انتقال السلطة أو النظام. لذا أقول إن ما يوضع في الطنجرة يُحصد في المغرفة. هذه هي منهجيتهم. مصطفى بيضون - كان أميراً قطرياً قبل السبعينات ويوم حدثت الحركة التصحيحية نادوه إلى الشام وبقي 23 عاماً في السجن. هو لم يرتكب إثماً لكنه أبى أن يمشي معهم. فهل علينا اليوم أن نبالغ بالكلام عن فظائع نظام البعث؟'.
نحن تكلمنا وحذرنا وطالبنا أما أنتم فلا؟ يجيب 'أنا أتكلم اليوم من موقعي الذي كان في قلب الحزب 'التقدمي الإشتراكي'. أتذكر أنني جلست مع حافظ الأسد في سابع يوم من الحركة التصحيحية بناء لدعوة. حكى حافظ وكأنه يرسل رسالة إلى كمال جنبلاط فحواها أن كمال بك رفض تسمية الحركة التصحيحية واستبدلها بعبارة 'الردة'. عاتبني وقتها فقلتُ له إن كمال يحكي 'صحّ'، فالحركة معناها 'حركة في جسد' بينما الردة تكون إلى الصواب. وأتذكر يوم حدوث المؤتمر القطري، كان أعضاء النظام السابق يناصرون الفلسطينيين لدرجة أنهم كانوا يأتون بالدبابات يدهنونها ويكتبون عليها: جيش التحرير الفلسطيني. دخل الأسد إلى المؤتمر وكل واحد أدلى بدلوه. حصلت الانتخابات وأخذ حافظ تسعة أصوات في حين أخذ صلاح الدين وقيادته بقية الأصوات. فانسحب الأسد ولبس البزة العسكرية وطوّق المؤتمر وأمسك بالأعضاء ووضعهم في السجن. كتب سليم اللوزي ما حصل وعلى أساس ذلك قتل'. هذا هو نظام الأسد.
لم يكن التطابق حاصلاً بين الأسد وجنبلاط 'الأسد كان داهية ومحدثاً لبقاً وأوّل صدام حدث بينهما يوم خطف ميشال أبو جودة. قال كمال جنبلاط هذا هو ابن أكبر عائلة مارونية ومن أفضل الصحافيين وتلميذي (علّمه كمال بك وغسان تويني) ذهبنا إلى سوريا. اتصلت بحكمت الشهابي مراراً وهو كرّر 'طولوا بالكم'. كانت الزيارة الوحيدة التي ذهب فيها كمال جنبلاط إلى الشام ولم يلتق حافظ الأسد. امتعض السوريون وأخذت وقتاً معهم ليبلعوها'.
شخصيات اخترعها نظام الأسد
نظام الأسد أسّس لعلاقاته في الداخل اللبناني 'كان هناك أشخاص لهم وجود كأمر واقع وهناك آخرون اخترعهم النظام وهم صناعة سورية صافية. وكان على كمال بك التصرف وفق طريقتين، إما اعتماد الطريقة التي انتهجها أو طريقة ريمون إده والهجرة والكلام من الخارج من دون أثر. كمال جنبلاط زعامة تاريخية وليس اختراعاً. تعامل؟ أكيد تعامل لكنه لم يتوافق مع نظام الأسد. عارضه إلى حين دفع حياته ثمناً. وهو طالما حذر من الدخول السوري إلى لبنان. دخل السوريون بحجة الدفاع عن المسيحيين في وقتٍ كان تقي الدين الصلح يقول: لا خطر على البلد طالما هناك جرس كنيسة يقرع'.
حزب البعث في لبنان استمرّ ضعيفاً 'على الرغم من أنه يفترض أن يكون الأقوى لقربنا من سوريا لكنه اضمحلّ لأن المنهجية غلط. تريدون مثلاً؟ أخبرني وجيه البعريني أنه يوم ترشح الأمين القطري البعثي - رفيقنا - مع عمر كرامي في طرابلس قصد البعريني عبد الحليم خدام ليسأله: من توصينا في الانتخابات. سمّى عدة أسماء. سأله وماذا عن فلان (الأمين العام القطري)؟ أجابه: 'إذا سقط لن أبكي'. هكذا كانت علاقتهم مع بعضهم البعض. وفي النهاية حصر القيادة عائلياً وطائفياً ومذهبياً ومناطقياً لهذا أفهم لماذا لم يقاتلوا في سوريا دفاعاً عن النظام. هو فرط طبيعياً وليس بقوة المعارضة بل بسبب ضعف النظام. من ضعف هذا النظام نعرف وجوب أن نقوي نحن هيكلية الدولة ونقيم علاقة نديّة مع سوريا الجديدة. ثمة تقصير لبناني فادح. حين يحصل انتقال لسلطة فجائياً يقوم من صنع الثورة بطمأنة المجتمع الدولي منتظراً من الآخرين الاعتراف بالنظام. أميركا أرسلت وفداً وهذا ما فعلته إنكلترا والاتحاد الأوروبي والسعودية والأردن والبحرين والعراق. ماذا عن لبنان. من هو معني أكثر منا بسوريا؟ كان يجب أن يذهب لبنان الرسمي إلى سوريا مهنئاً ثم يقدم 'الأجندة' بالعلاقات السوية'.
لكن، عما يتحدث توفيق سلطان وهو عالم أن كثيراً ممن يشكلون الحكم في لبنان حالياً صنيعة نظام الأسد؟ يجيب 'من قفزوا من الشختورة (القارب) ليسوا بقليلين. فهل رأيت من أيتام نظام الأسد من وقف مدافعاً؟ لا ينكر تغيّر الأحكام بتغيّر الأزمان. ما كان ينطبق قبل انهيار النظام لا يصحّ بعده. المتغيرات أسرع من حركتنا. و'يلي ما بيحضر ولادة عنزتو بتجبلو جرو'. هذا تخلّف. هناك ترتيبات كثيرة إذا لم نكن مستعدين لها سيضيع حقنا'.
الولد سرّ أبيه؟
وليد جنبلاط سارع إلى زيارة سوريا الجديدة. لو كان كمال جنبلاط حياً لفعل ذلك؟ يجيب 'وليد لا يقارن بأبيه لا من حيث التفكير ولا المنهجية لكن الإثنين مميّزان. وليد بدا منذ عام منكفئاً لمصلحة القيادة الجديدة. مرّة قال لي غسان تويني: سواء مدحك الإعلام أو شتمك المهم ألا ينساك. وليد منكفئ في الشكل لكنه حاضر. هو التقى خمس رؤساء جمهورية في فرنسا وهذا ما لم يفعله سواه'.
ماذا عن جوابه عن سؤال، هل كان كمال جنبلاط ليسارع إلى زيارة سوريا كما فعل وليد؟ 'يجوز ذلك. الذهاب يتضمن دوراً كبيراً. وليد لديه عناصر قوة كثيرة. التقيت أسامة ربيز في مصر فأخبرني أن السفير المصري في إسرائيل قال له: إذا أنتم على صلة بوليد جنبلاط إسألوه من يفضّل شيخ عقل؟ وليد حجمه كبير. ذهبتُ معه ثلاث مرات إلى السويداء. في إحدى المرات زرنا سلطان باشا الأطرش.
أتذكر أنه كان متهالكاً فوضع وليد جنبلاط يده وراء ظهر الأطرش فنفضها الأخير وقال له: لا، يا ابني. اتفقنا من مئات الأعوام أن لا أحد يتقدم عليكم. بعدها، مررنا أمام السراي في السويداء فنزل وليد لتصوير السراي المبنية من الحجر الأسود. دعانا المحافظ إلى الجلوس في مكتبه. كان الوفد كبيراً. ولم تسعه الكراسي الموجودة. فأتى المحافظ بكرسي صودف أنها أعلى قليلاً وجلس إلى جانب وليد. في تلك الأثناء بدأ الرصاص يصدح سألنا ماذا يحصل فقيل لنا إن دروز السويداء غضبوا لأن كرسي المحافظ كانت أعلى. انتقلنا للعشاء عند الأسد الذي دنا من وليد وقال له: محافظ السويداء انتقل. قال له وليد: والله ما غلط معنا. كان يُنظر إلى جنبلاط كقائد لبناني كبير لا كنائب سابق أو وزير سابق أو زعيم درزي'.
لم ير توفيق سلطان بشار يوماً. إنكفأ. لكنه أبلغ بلقاءٍ جرى بين وليد وبشار حول درعا 'ذهب وليد بك ليتكلم بقصة درعا ناصحاً بشار بسلوكية مختلفة لكنهما لم يتفاهما. وليد كان دائماً أسرع من سواه. لهذا يقولون إنه يلقط أكثر من غيره. وهو أوّل من ناصر الثورة في سوريا' ويستطرد 'خلاف سمير جعجع مع نظام الأسد بديهي أما خلاف وليد فغير طبيعي'.
هل كلّ ذلك يُفسّر سبب سرعته في الذهاب إلى سوريا مستبقاً الدولة مقدماً ما قيل هدايا (مزارع شبعا) للنظام الجديد؟ يجيب سلطان 'غداً سترين الجميع متجهين بالصف إلى هناك'. نقاطعه بالقول: 'هذا بديهي ربما لكننا نتحدث عن سرعة وليد بك؟ يجيب 'وليد قفل الباب على التعليقات مسبقاً وطالب بعلاقة ندية من دولة إلى دولة ولم يطرح نفسه ناطقاً'. لكنه لم يذهب مهنئاً بل مزوداً بمذكرة؟ 'هي رؤيته'. أليس مبكراً على وضع رؤية؟ 'هو أراد القول كيف تكون العلاقة بين لبنان وسوريا'. لكن، ما علاقة وليد جنبلاط بتحديد هذه العلاقة بنفسه مستبقاً الدولة؟ يجيب سلطان 'الدولة المتخلفة- هو أو غيره- يسبقونها'.
تفقيط 'مزارع شبعا'
تحدث جنبلاط عن 'سوريّة' مزارع شبعا فهل هذا حقّ من حقوقه؟ 'في زماني، تكلمتُ مع الأسد حيث لم يطالب نظامه بلواء الإسكندرون وإنطاكيا ومرسين وهي مناطق تابعة لسوريا... تراب سوري'. هل هذا يعطي سماحاً لوليد بك لتنازله شخصياً عن مزارع شبعا؟ 'هذا التعميم قد يكون خطأ. كان عليه تفقيط الموضوع. جميل السيد لعب بالخريطة وقال إنها كلها لبنانية كي يحتفظوا بالحاجة للمقاومة. وأتذكر أنني كنت في مصر، بدعوة من نقيب المحامين، فاستأذن للذهاب إلى الكاتدرائية وتهنئة البابا شنودا في العيد.
ذهبتُ معه. أحببتُ هذا الرجل لآرائه. ويوم عدتُ إلى لبنان التقيت عصام فارس- نائب رئيس الحكومة آنذاك- وكان رئيس لجنة الاحتفال بعيد التحرير. قلتُ له: إسمع مني واطلب من البابا شنودة ليأتي إلى لبنان كخطيب أساسي في احتفال عيد التحرير. وقف عصام وقبلني لهذه الفكرة. طرح الأخير الموضوع أمام مجلس الوزراء فرفضه إميل لحود وتوابعه معتبرين أنه إذا حدث احتفال بالتحرير تسقط ورقة المقاومة. كانوا يريدون شماعة'. ويومها أصيب عصام بالإحباط.
ماذا عن حزب البعث في لبنان؟ هل اتصل بصديقه عاصم قانصو معزياً مثلاً؟ يجيب مبتسماً: 'لا، لا، هو أساساً مستنكف. والقيادة الجديدة لا أعرفها' ويستطرد 'أريد أن أسأل البعثيين الذين كانوا زمن التأسيس وبقوا، إن كانوا بعثيين عراقيين أم سوريين، من نقولا الفرزلي إلى معن بشور إلى بشارة مرهج، أين أنتم؟ لم نعد نعرف إن كان نقولا الفرزلي حياً أو ميتاً'.
يروي توفيق سلطان محطات كثيرة جمعت ما بين جنبلاط والأسد في سوريا 'كانت تسبق هكذا اجتماعات لقاءات تمهيدية مفخخة، يُقال إن الأسد يشاهدها صوت وصورة ويسمع الحديث كاملاً'.
ماذا عن المرحلة المقبلة؟ يجيب 'وليد يريد الاستقرار في سوريا وفي لبنان. ويا ليت كل السياسيين العرب يتكلمون كلاماً واقعياً متزناً مثل أحمد الشرع. كلامه يُطمئن لكن الحذر واجب. وأتوقع أن تستمرّ الجيوب وتستيقظ الخلايا النائمة و...'. هل نفهم من هذا أن ما بدأنا رؤيته في طرابلس يدخل في هذا الإطار مثل اليافطات المعلقة وقد كُتب عليها: ها قد عدنا يا غورو؟ يجيب ابن طرابلس 'في الثمانينات كنت عند الرئيس الياس سركيس وكان رفيقي جوني عبدو. سألته عن الاحتفالات بعيد العلم في لبنان التي عمت طرابلس إذا كانت له يد فيها. كل الأطفال والشباب رفعوا العلم اللبناني عالياً. أجاب: 'لا'. وتكلمنا في حينه عن الجوّ السني الذي هو جوّ الدولة.
ما ترونه بين حين وآخر في طرابلس ليس إلا جيوباً تافهة لا قيمة لها. ثمة عناصر مشبوهة تشتغل عند المخابرات. أثناء الخلاف في جبل محسن والتبانة كانت المخابرات حاضرة. والقصص النافرة الإعلام يعتني بها' ويستطرد: 'لا ترموا ثوباً على طرابلس ليس ثوبها. تماثيل بشارة الخوري وحبيب أبو شهلا ورياض الصلح أعيدت إلى مكانها أما تمثال عبد الحميد كرامي فلا. المخابرات قالت ليس وقته. قلنا مراراً فلنضع في ساحة الله التمثال فرفض طلبنا لأنهم أرادوا الإبقاء على طرابلس قطبة مخفية 'فزيعة'، كما حال قطبة مزارع شبعا'.
سلاح 'حزب الله سيُصبح عبئاً. البندقية في اللاذقية وطرطوس تباع اليوم بخمسين دولاراً. وفي العام 1982 كنا نرى البنادق في مستوعبات النفايات. الزمن يتغير فلا نستعجل الأمور. الشيعة من نسيج لبنان. ونبيه بري صديقي الذي بنى الجنوب رآه يتدمر أمامه. وأحمد الله انه موجود لتبقى من خلاله امتدادات شارعية ويعمل توازناً في البلد. وأرى أن لا غنى عنه في لبنان الجديد. هو حماية للتنوع. هو جوكر يمثل المصالح الوطنية لا الشيعية'.
ختاماً، ماذا يقول إلى كمال جنبلاط بعد كل المتغيرات؟ 'لا يصحّ إلا الصحيح، والظالم سيف الله ينتقم به ثم ينتقم منه'.