اخبار لبنان
موقع كل يوم -التيار
نشر بتاريخ: ٢١ تموز ٢٠٢٥
رلى إبراهيم -
تستمر الحكومة في تجاوز آلية التعيينات التي أقرّتها، بموافقة ضمنية من الرئيسين جوزيف عون ونواف سلام، فيما يخلص أحد الوزراء إلى أن المحاصصة الجارية حالياً غير مسبوقة
كان يُفترض بالحكومة أن تراجع حساباتها، بعد جلسة المُساءلة في مجلس النواب، التي ركّزت على طريقة إقرارها التعيينات الإدارية، لضمان وضع حدٍّ للمحاصصة والمحسوبية، واعتماد الكفاءة والشفافية حصراً.
وكان من المتوقّع أيضاً أن يكون وزراء «القوات اللبنانية» في طليعة المطالبين بالعودة إلى الآلية، ولا سيما بعد اعتراض نوابها ووزيرها جو عيسى الخوري على عدم إطلاعهم على السّيَر الذاتية والأسماء قبل تعيينها.
لكن يبدو أن رئيس الحكومة نواف سلام وغالبية الوزراء سكِروا بتجديد الثقة بهم، من نواب «قوى التغيير» و«القوات» و«الكتائب» والمستقلّين، لـ«يأخذوا راحتهم» في إقرار تعيينات بطريقة لم تحصل في أي حكومة سابقة، ولا حتى في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، التي كانوا يهاجمونها بما يقترفونه اليوم.
فرغم إدراج تعيينات الهيئات الناظمة على جدول الأعمال، لم يطّلع أي وزير على السّيَر الذاتية أو أسماء المرشحين قبيل 48 ساعة من انعقاد الجلسة، بل خضع الوزراء جميعاً لقرار إطلاعهم على الأسماء قبيل نصف ساعة من طرحها، أي خلال الجلسة نفسها، حتى لا تتسنّى لهم دراستها أو الاعتراض عليها.
أكثر من ذلك، دخل الوزراء إلى الجلسة الخميس الماضي في قصر بعبدا بحضور رئيس الجمهورية جوزيف عون وسلام، ليجدوا أمامهم على الطاولة صناديق مصنّفة وفقاً للطائفة: شيعي، سنّي، درزي، ماروني، أرثوذكسي، كاثوليكي وأرمني. وما إن وصل النقاش إلى البند المتعلق بتعيينات الهيئات الناظمة، حتى اتضح الغرض من وراء هذه الصناديق.
فعند طرح تعيين رئيس الهيئة الناظمة لنبتة القنب للاستخدام الطبي والصناعي، فُتِحَ بازار الاقتراحات على طائفة الرئيس ورسا في النهاية على أن يتسلّمها ماروني، ليتمّ الركون إلى صندوق السّيَر الذاتية المارونية، ويبدأ تعداد السّيَر الموجودة داخله، لتنتهي العملية بتوافق الغالبية على داني فاضل.
اعترض وزير الخارجية والمغتربين «القوّاتي» يوسف رجّي على هذه الطريقة، رافضاً القفز فوق الآلية المُعتمدة. وأشار إلى أن نصف ساعة غير كافٍ لدراسة الاسم والحاجة أقلّها إلى 48 ساعة، فأُسكت على الفور عبر القول إن الأكثرية مع إقرار التعيينات كما هي، وإنه سيجري في الجلسات المقبلة إطلاعهم على أسماء المرشحين قبيل ساعات من الجلسة، وتحديداً عند العاشرة صباحاً.
لم يختلف الأمر كثيراً عند الوصول إلى الهيئة العامة للطيران المدني؛ إذ حُسم أمر تعيين شيعي رئيساً لها، فاستُقدم صندوق الأسماء الشيعية، ورست البورصة على اسم محمد عبد العزيز عزيز. سجّل وزير الصناعة «القواتي» أيضاً اعتراضه على التعامل مع الأسماء بحسب الطائفة لا الكفاءة، مؤكداً أنه يجب الاعتماد فقط على الهوية اللبنانية، لكنّ الجلسة أُكملت كأنّ شيئاً لم يكن.
«القوات» لا تعترض على «القوات»وعندما أتى النقاش إلى الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات، لم ينتظر وزير الاتصالات شارل الحاج المحسوب على «القوات» أي نقاش، بل طرح الاسم الذي يريده على الفور من دون اعتراض لا رجّي ولا الخوري. وكان المجلس في صدد اعتماد الاسم المطروح من الحاج، لولا أن الأخير طرح اسماً من الطائفة الأرمنية، وهو ما يُطيح التوازنات الطائفية، إذ يُفترض أن تحصل الطائفة الأرثوذكسية على مركز والسُّنة على مركز آخر (رئيس الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء).
وبالتالي، وحرصاً على أن يكون لوزير الاتصالات «امتياز» تعيين الهيئة الناظمة، طلب منحه مهلة 15 يوماً إضافياً، ليأتي بـ«النُّخب»، على حدّ قوله، فكان له ما أراد!
مع العلم أن وزارة الاتصالات أعلنت في 8 نيسان الماضي فتح باب استقبال طلبات الترشّح لمناصب رئيس وأربعة أعضاء في الهيئة الناظمة، بعد إطلاق المنصّة الرسمية التي تمّ استحداثها من قبل وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، بهدف استقبال هذه الطلبات.
وهو ما يعني أن المرشحين سبق أن تقدّموا بترشيحاتهم وكان يُفترض أن يتم الاختيار من بينهم، لكن لأن الوزير اعتقد أن منصب الرئاسة للأقليات منطلقاً من أن الرئيس السابق للهيئة ينتمي إلى الأقليات، وهو كمال شحادة، فجاء في جعبته اسم أرمني مقرّب منه، ولمّا جرى إبلاغه أن التوازنات توجب تعيين أرثوذكسي، تفاجأ وطلب المهلة.
فالهيئات الناظمة تتمتع بدور كبير على صعيد منح التراخيص ومراقبة الأداء وحماية المنافسة ومنع الاحتكار والتحقيق في الشكاوى ورفع التقارير إلى السلطات العليا، ما يفتح شهية الوزراء على تعيين مقرّبين منهم للسيطرة على الهيئة، التي من المُفترض أن تكون مستقلّة، وإلّا تفقد دورها.
وقاحة فاقعةويشير أحد الوزراء إلى أن ما يجري في ملف التعيينات غير مسبوق، ولم يكن يتم بهذه الوقاحة حتى في عهد ميقاتي، حينما كان يتوافق على الأسماء مسبقاً، لتُعرض بعدها في مجلس الوزراء. بينما اليوم تحضر المحسوبيات والمحاصصة بشكل فاقع على طاولة المجلس بحضور رئيسَي الجمهورية والحكومة الموافقيْن ضمنياً على ما يجري.
والأخطر من ذلك أن «وزير الدولة للتنمية الإدارية فادي مكي الذي شكّل لجنة مؤلّفة منه ومن رئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي وثلاثة خبراء اختصاصيين، إضافة إلى ممثّلين عن الوزارات المعنية، ويُكلّفون بإجراء المقابلات التقييمية، ليصار بعدها إلى غربلة الأسماء وإرسالها إلى الوزير المختص، يرتكبون مخالفات على صعيد اعتماد المعايير في اختيار الأسماء، إذ غالباً ما تسقط الأسماء بكبسة زر، لا بل تتم إضافة استمارات لمرشّحين بعد انتهاء المهلة المحدّدة»!