اخبار لبنان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٧ تموز ٢٠٢٥
لا يبدو واضحاً من يتحمل المسؤولية عما يجري داخل هذا القطاع الطبي
تنتشر في لبنان مراكز التجميل التي تقدم مختلف الخدمات والتقنيات الحديثة، فتشهد إقبالاً متزايداً عاماً بعد عام. وجود هذه المراكز يؤكد فوضى عارمة في هذا القطاع الذي يحمل كثيراً من الأخطار الصحية والجسدية، فهي ليست كلها مخولة بتقديم هذا النوع من الخدمات، وفي الوقت عينه تغيب المحاسبة والرقابة الفعالة.
ما بين العيادات غير المرخصة، وتلك التي يمكن أن يوهم صاحبها زبائنه بأنه طبيب متخصص أو التي تقدم خدمات تجميلية من دون أن تكون مخولة لذلك بغياب طبيب، تكثر التشوهات بقدر ما تكثر التعديات في هذا القطاع الذي تعم فيه الفوضى والفساد، خصوصاً أن مجال الربح المادي فيه كبير.
أما المداهمات وعمليات الإقفال لمراكز التجميل هذه فيتابعها اللبناني من وقت إلى آخر، لكنها حكماً لا تواكب الوضع المأسوي بصورة أمثل، بوجود خبراء تجميل ومراكز بمئات تقوم بإجراءات تجميلية بطريقة عشوائية من دون حسيب أو رقيب، ومن دون أي احترام للمعايير المطلوبة.
في متابعة هذا الملف، لا يبدو واضحاً من يتحمل مسؤولية الفوضى الحاصلة في هذا القطاع. فهل يقع اللوم على مراكز التجميل التي لا تحترم المعايير المطلوبة والقوانين، أو أن المواطن هو المسؤول كونه يستهتر ويلجأ إلى أي مركز أو صالون للخضوع إلى إجراءات تجميلية يسوق لها من منطلق أنها بأسعار أقل أو أكثر فاعلية، وذلك من دون التدقيق بمدى صحة ذلك؟ كما أن الدولة هي بالتأكيد مسؤولة عن هذه الفوضى بغياب الرقابة والضوابط التي تسمح بالسيطرة على الوضع بصورة توحي للمواطن بالأمان والثقة لدى لجوئه إلى أي من هذه الإجراءات التجميلية.
ما يؤكده الطبيب الاختصاصي في جراحة التجميل والترميم الدكتور جو خوري أنه ثمة فوضى بالفعل في عالم التجميل، فيشير إلى أن المشكلة الكبرى في من يجرون التدخلات التجميلية وهم ليسوا من الأطباء أصلاً. ففي القانون اللبناني، لا يسمح لمركز تجميل يعطى له رخصة بالقيام بإجراءات تجميلية من نوع بوتوكس وفيلر وmicroneedling وسحب الدم والعلاج بالخلايا الجذعية PRP أو Exosomes أو عمليات شفط الدهون أو غيرها، بغياب طبيب اختصاصي في جراحة التجميل والترميم، أو طبيب أمراض جلدية، أو طبيب اختصاصي في أمراض الأنف والأذن والحنجرة. مع الإشارة إلى أن المراكز التي تضم طبيب أمراض جلدية تقدم غالباً خدمات لها علاقة بالجلد والبشرة، وتلك التي تستعين بطبيب أنف وأذن حنجرة تقدم خدمات تجميلية للوجه بصورة أساسية، إلا أن الطبيب المتخصص في أي من المجالين مخول بإجراء تقنيات التجميل من نوع بوتوكس وفيلر وغيرها.
أما العمليات كافة الأخرى التي تستدعي شد الجلد أو شفط الدهون أو نحت الجسم، وغيرها من الإجراءات الجراحية الأكثر عدوانية، فلا يجريها إلا جراح التجميل. ويضيف أنه بصورة عامة، يمكن فتح مراكز تجميل لتقديم تقنيات تجميلية غير جراحية في لبنان، شرط وجود طبيب متخصص في أي من هذه المجالات الثلاثة.
قبيل أسبوعين من حفل زفاف ابنها، قررت ليليان الخضوع إلى جلسة حقن بالـ 'بوتكس' لتحصل على إطلالة شبابية أكثر إشراقاً في هذه المناسبة، وكون إمكاناتها المادية لا تسمح لها باللجوء إلى طبيب متخصص حيث الكلفة مرتفعة، لجأت إلى أحد مراكز التجميل حيث تتوافر هذه الخدمات بكلفة متدنية، وفق ما كان يسوق له.
وتوجهت إلى المركز في الموعد المحدد وانتهت الجلسة بصورة طبيعية، ولم تلاحظ وجود أية مشكلة في العلاج الذي خضعت له، لكن ما لم يكن في الحسبان أن نتيجة العلاج الذي خضعت له ظهرت لاحقاً بعد يومين، فإذا بها تعاني شللاً تاماً في عينها اليمنى التي أصبحت مغمضة تماماً.
ولم تكن ليليان تتوقع أن يكلفها خطأ توجهها إلى مركز تجميل غير مرخص ومتخصص غالياً، فتضطر إلى الانتقال من طبيب إلى آخر لمعالجة المشكلة الكبيرة التي أصابت عينها، ولاحقاً أتاها التفسير من طبيب متخصص لما حصل معها، وهو أن حقنة 'بوتكس' أصابت عصب العين بسبب اقترابه من الجفن، والحل الوحيد أمامها كان الانتظار إلى حين زوال تأثير الحقنة بعد أسابيع، أو الاعتماد على علاج من خارج لبنان يساعد في زوال هذا الأثر بوقت أسرع، لكن حتى لا تتحمل هذه الكلف الإضافية لم يكن أمامها إلا الانتظار لأسابيع.
أما سمر فأخطأت أيضاً باختيار مركز تجميل لا يلتزم بالمعايير المطلوبة ولا يستعين بطبيب متخصص في التجميل، وعندما اتخذت قرار تكبير شفتيها بالفيلر، ولم تتوقع أن تكون النتيجة كارثية وتعرضها إلى تشوه كبير تصعب معالجته، وهي لم تكن على دراية في شأن طبيعة المواد التي حقنت لها، واكتشفت متأخرة أن المواد التي استخدمت لها كانت من مصادر مشبوهة، فكانت النتيجة تشوهاً كبيراً في وجهها، أكد لها أطباء صعوبة تصحيحه، بخاصة مع استخدام مواد دائمة بدلاً من تلك التي تذوب المعتمدة حالياً، والأسوأ أن هذه المواد انتقلت إلى محيط الشفتين مسببة تشوهاً أكبر، وكان الحل الوحيد الذي اقترحه عليها أحد الأطباء اللجوء إلى جراحات تصحيحة معقدة ومكلفة للحد من هذا التشوه.
المراكز غير المرخصة كثيرة في لبنان، وقد يفتحها أشخاص ينتحلون صفة أطباء وهم ليسوا من ذوي الاختصاص، كما يسجل تزوير للشهادات لتحقيق ذلك. حتى أن بعض مساعدي الأطباء المتخصصين في جراحة التجميل، أو ممرضين يقدمون على فتح مثل هذه المراكز مدعين أنهم أطباء تجميل. ووفق خوري، يكون الخطر موجوداً عندما يفتح أشخاص ليسوا متخصصين مراكز لأطباء تجميل، ويعملون فيها من دون أن يوجد الطبيب فيها. كما قد يقوم خبراء التجميل بدورات تدريبية ويقدمون بعدها خدمات من نوع بوتوكس وفيلر. وأكثر، قد يقوم بعض أطباء الأسنان بإجراءات تجميلية، وهم ليسوا مخولين لذلك. والأسوأ من يقدمون مثل هذه الخدمات في المنازل أيضاً مما يعني حكماً أخطار عالية وتداعيات كثيرة.
'من الممكن أن تكون لتقنية البوتوكس التي تبدو بسيطة لبعضهم، ويجريها أياً كان، مضاعفات خطرة لا يمكن الاستخفاف بها. فقد تحدث شللاً في عصب العين، أو يمكن أن تتسبب بفقدان القدرة على النطق، أو الاختناق في حال حقنه في العنق، كما يسبب تشوهات عدة لا يمكن الاستهانة بها'، يكشف خوري مشيراً إلى حقن الفيلر بدورها يمكن أن تكون لها نتائج كارثية، فتسبب التهابات، كما حصل حين مزج أحدهم الفيلر بالماء فتسبب بالتهاب في كامل الوجه، وقد يعتمد بعضهم حقناً تعقم وتستخدم لأشخاص عدة. هذا ويمكن أن تسبب حالة نخر انعدام الأوعية الدموية Necrosis بسبب الفيلر إذا حقن في الشريان، ويمكن أن يصاب بعضهم بالعمى أو تستدعي بعض الحالات دخول العناية الفائقة'.
ككل الإجراءات الطبية والتجميلية، يبقى الخطأ وارداً حتى مع الطبيب المتخصص، إنما في هذه الحالة يكون الطبيب مؤهلاً للتعامل مع أية مضاعفات يمكن أن تحصل ويكون على جهوزية تامة للسيطرة على الأمور والتعامل معها بالصورة الصحيحة إذا ما حصلت، أما حصولها مع غير المتخصصين فيمكن أن تكون له نتائج وخيمة لا يمكن العودة فيها للوراء أحياناً.
هذه التعديات الكارثية تحصل في قطاع يعد مربحاً للغاية، وأغرى هذا الواقع كثيرين في عالم التجميل للانتقال من تقديم خدمات العناية بالبشرة والتدليك إلى الليزر إلى تقنيات البوتوكس والفيلر، ثم تقنيات التنحيف وغيرها، مع كل ما يسببه ذلك من مشكلات وأخطار، خصوصاً عندما يقدم هذه الخدمات أشخاص ليسوا من ذوي الاختصاص وهم ينتحلون صفة أطباء، أو يحملون شهادات مزورة لا تخولهم تقديم هذه الخدمات.
يلقي خوري اللوم على الدولة، وتحديداً على وزارة الصحة العامة والقضاء، لأن المحاسبة كفيلة بوضع حد لهذه التعديات. ففي لبنان كما في أي بلد في العالم يمنع أن يقدم هذه الخدمات أو غيرها من الأعمال الطبية من ليس طبيباً، وكل ما يحقن في الجسم يجب أن يكون مرخصاً ويقوم به من هم من ذوي الاختصاص، حتى أنه خارج لبنان ينطبق ذلك على رسم الوشم.
وإذ جرى تطوير القانون المعني بالتقنيات التجميلية في الدول كافة، لم يحصل ذلك في لبنان إلى أن صدر قانون جديد يحدد الاختصاصات الطبية الثلاثة المخولة بالقيام بممارسات تجميلية وفتح مراكز تجميل. وعلى رغم ذلك لكن هذا لا يطبق على الأرض وما من رقابة فعلية، وتقفل من وقت إلى آخر مراكز تجميل لا تستوفي الشروط أو أنها لا تستعين بطبيب متخصص، كما حصل في الأسبوع الماضي.
وفيما تقع على نقابة الأطباء مسؤولية محاسبة الأطباء الذين ينتحلون صفة أطباء تجميل أو من يقومون بإجراءات تجميل وهم غير مخولين بذلك، قد يكون هنا الضرر أقل أحياناً كون المعنيين هنا من الأطباء. فمن الممكن أن تتدخل النقابة لضبط الوضع وتشدد على ألا يعمل أي طبيب بغير مجال اختصاصه، إنما الأخطر الأكبر يكون مع من ليسوا أصلاً من الأطباء ويقومون بدورات في مجال التجميل، ويدعون أنهم باتوا قادرين على القيام بهذه الإجراءات كأطباء تجميل، وبغياب المحاسبة والقانون الذي يضبط الوضع يصعب وضع حد لهذا الفلتان.
مدير العناية الطبية في وزارة الصحة العامة الدكتور جوزيف الحلو، يلقي من جانبه اللوم على المواطن الذي يستهتر بصحته وسلامته ويخاطر بحياته أحياناً باللجوء إلى مراكز تجميل لا تستوفي الشروط وهو يدرك ذلك تماماً، وذلك كونها تقدم خدمات بأسعار أقل. ويشير إلى القانون اللبناني في هذا المجال، وقد صدر في عام 2017 وحدد الاختصاصات الطبية التي يمكن فيها العمل بمجال التجميل. حتى أنه بالقانون، لا يحق لمركز التجميل الذي لا طبيب فيه تقديم العلاجات بالليزر.
أما بالنسبة إلى وزارة الصحة العامة فتواجه تحدي عدم وجود عدد كاف من المراقبين لضبط الوضع، فلا يحق لها الاستعانة بموظفين جدد، فيما بلغ عدد كبير من المراقبين لديها سن التقاعد. وبالتالي، في مقابل العدد الكبير من مراكز التجميل التي تفتح بطريقة عشوائية في البلاد، يصعب ضبط الأمور بعدد قليل من المراقبين. 'حالياً هناك تشديد من وزير الصحة العامة، وهناك إجراءات صارمة لضبط الأمور في هذا القطاع، وقريباً سنعمل على إقفال 12 مركزاً جديداً للتجميل. علماً أن الإقفال يكون بالشمع الأحمر ومن دون القدرة على إبطاله، أما من ينتحل صفة طبيب، فيحول على النيابة العامة'.
لتسهيل الأمور، يدعو الحلو كل مواطن إلى أن يكون مراقباً ويتقدم بشكوى في حال وجود أية مخالفة، كما يدعو إلى عدم الاستهتار بالسلامة والصحة وعدم اللجوء إلى أية عمليات تجميلية أو حقن ما لم يكن من يقوم بها طبيباً متخصصاً، وما لم يكن مركز التجميل ملتزماً بالمواصفات المطلوبة.