اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٣ كانون الأول ٢٠٢٥
كتب صلاح سلام في 'اللواء'
أعاد البابا لاوون الرابع عشر، خلال زيارته التاريخية إلى لبنان، إحياء لغة السلام في بلد يقف على خطّ نار إقليمي مفتوح. تكرار الحبر الأعظم لشعار الزيارة – «طوبى لفاعلي السلام» – لم يكن مجرّد خطاب روحي، بل محاولة واعية لتثبيت موقف أخلاقي عالمي في لحظة سياسية مأزومة.
لكن إعلان البابا، خلال رحلة العودة إلى روما، عن إجرائه اتصالات مع قادة دول مؤثّرة للضغط باتجاه تهدئة التوتر بين لبنان وإسرائيل، فتح الباب أمام سؤال جوهري: هل يملك الفاتيكان القدرة الفعلية على التأثير في قرار الحرب والسلم في الشرق الأوسط؟ وبالتالي هل يستطيع أن يوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان؟
من الناحية الواقعية، لا يمتلك الفاتيكان أدوات عسكرية أو نفوذاً مباشراً في مراكز القرار الاستراتيجي. لكنه يملك قوة أخرى، هادئة، ثابتة، وممتدة، تقوم على الشرعية الأخلاقية والدبلوماسية الروحية. هذه القوة، وإن كانت غير ملزمة، فإنها تملك وزنًا نوعيًا في السياسات الخارجية للدول الغربية، خصوصًا تلك التي تُصغي للمواقف الكنسية أو تتأثر بها داخل مجتمعاتها.
ليس جديدًا القول أن الفاتيكان يتمتع بقدرة تاريخية على توجيه الرأي العام المسيحي في أوروبا وأميركا. ومع أن السياسات الخارجية لهذه الدول لا تُصنع داخل الكنائس، فإن المناخ الأخلاقي الذي تصنعه المواقف البابوية قادر على تشكيل ضغط غير مباشر على الحكومات، خصوصًا في ما يتعلق بالحروب، حقوق الإنسان، وقضايا السلام. لذلك، فإن أي موقف قوي يصدر عن البابا ضد الحرب على لبنان يمكن أن يقيّد هامش المناورة لدى صنّاع القرار، أو على الأقل يجعل المغامرة العسكرية أقل كلفة سياسيًا.
ومن المعروف أن للفاتيكان قنوات اتصال راسخة مع الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي. ورغم أن تأثيره في الملفات الحساسة يبقى محدودًا أمام المصالح الجيوسياسية الكبرى، إلا أنّه قادر على إيصال رسالة واضحة: الحرب على لبنان ليست مجرد عملية عسكرية، بل جرحٌ في صميم التعددية التي يدافع عنها الفاتيكان، وتهديدٌ لنموذج الشراكة الدينية الذي يمثله لبنان في الشرق، والتي تجلّت بأبهى صورها خلال الزيارة التاريخية لـ«الوطن الرسالة».
هذا النوع من الرسائل، عندما يُكرَّر على مستويات عدة، يمكنه أن يخلق حساسية لدى العواصم الغربية تجاه أي تصعيد واسع، وربما يدفعها للضغط على إسرائيل لوقف التصعيد العسكري.
ورغم محدودية تأثير الفاتيكان داخل المجتمع الإسرائيلي، إلا أنّ الموقف البابوي له رمزية لا يمكن تجاهلها، خصوصًا في الغرب حيث تعتمد إسرائيل بشكل كبير على الشرعية الدولية والدعم السياسي. أي إدانات أو مواقف صريحة تصدر عن الفاتيكان قد تُحرج بعض الدوائر الغربية الداعمة لإسرائيل، وبالتالي تُقلّص مساحة التساهل والتأييد معها.
قد لا يستطيع الفاتيكان وحده منع حرب شاملة على لبنان، لكنّه قادر على إبطاء عجلة الحرب، ورفع كلفة قرارها، وتوسيع دائرة الاعتراض الدولي عليها. أما قدرة وطن الأرز على الاستفادة من زخم الموقف البابوي، فتتوقف على مدى نجاحه في مخاطبة العالم بلغة السلام نفسها التي حملها البابا: لغة تُظهر لبنان بلدًا يطلب الحماية… لا الحرب.











































































