خاص الهديل: جوزاف عون ورؤساء سابقون وفيليب تقلا!!

خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة 

يبدو أن الرئيس جوزاف عون قرر أن يستعيد المبادرة الإعلامية.. وربما وصلت إليه هذه الفكرة بعد أن اكتشف أن الإعلام يدمر صورة بمثلما أنه يبني صورة؛ وربما بعد أن وضع أصبعه كتوماً على حقيقة أنه حيث لا تكون إعلامياً سيكون هناك من يستغل غيابك؛ وصار واضحاً لفخامة الرئيس بعد حملة 'بخ التسريبات الإعلامية والوشوشات السياسية عنه' أن المطلوب تطبيق تأويل للقول الشهير 'اطلب الإعلام ولو في أميركا'.  

تجربة رؤساء الجمهورية في لبنان مع الإعلام لم تكن دائماً دافئة؛ الرئيس شارل الحلو استقبل ذات مرة وفداً من إعلاميي لبنان وافتتح حديثه معهم بالقول: أهلاً بكم في بلدكم الثاني لبنان. كان الحلو يغمز من قناة أن الإعلام في لبنان له انتماء أولي يقع خارج البلد وانتماء ثان يقع في لبنان..

.. شارل الحلو كان صحفياً قبل أن يكون رئيس جمهورية، وكان وزير خارجيته – ويقال – مستشاره بنفس الوقت فيليب تقلا ينهيه عن الاستغراق في أجمل رغباته، وهي الكتابة. وفي كل مرة كان تقلا يجد شارل الحلو موصداً عليه باب مكتبه الرئاسي، ويقوم بكتابة مقالة، كان يقول له بجدية: فخامة الرئيس يحكم ولا يكتب!!.

لو كان فيليب تقلا وزير خارجية ومستشار الرئيس جوزاف عون بنفس الوقت، كان سيقول له: فخامة الرئيس يحكم؛ وأيضاً يكتب ويتكلم ويصرح للإعلام.

والسبب الذي سيدعو تقلا إلى تغيير رأيه بسيط ويعرفه أصغر مستشار رئاسي، وهو أن الرئيس حينما يأتي من بيئة العسكر يظل متهماً بأنه عسكري ويفهم بالسياسة أقل مما يفهم بالعسكر. وعليه يحتاج أي فخامة رئيس كان قبل دخوله قصر بعبدا يحمل لقب العماد والجنرال أن يثبت أنه أصبح سياسياً وذلك بنفس الوقت الذي لا يزال فيه جنرالاً وسيادة العماد السابق. 

الرئيس فؤاد شهاب كان متأثراً بديغول الذي كان جنرالاً، ولكنه – أي ديغول – أكثر رئيس في العالم أبعد العسكر عن الحكم. ويرى البعض أن تصرف ديغول هذا جعل الجيش الفرنسي يستمر بالولاء له، وجعل الشعب الفرنسي يجد فيه سياسي بمثلما هو مقاوم.

لا أحد يطلب من الرئيس جوزاف عون أن يكون ديغول لبنان ولا أن يكون فؤاد شهاب لبنان ولا الرئيس الصحفي والإعلامي شارل الحلو؛ بل المطلوب من جوزاف عون أن ينتج لنفسه صورته التي تجيب بشجاعة وحكمة عن التحديات التي تطرحها لحظته الآنية والراهنة. بمعنى آخر أن يتصرف مثلما كان سيتصرف ديغول فيما لو كان موجوداً في تشرين ٢٠٢٥ وليس في ستينات القرن الماضي، ومثلما كان سيتصرف فؤاد شهاب لو كان أمام مشكلة أحداث ما بعد حرب غزة وملف حصرية السلاح وليس بالضرورة كما تصرف عام ١٩٥٨؛ وأن يتصرف مثل الصحافي فخامة الرئيس الحلو فيما لو كان اليوم موجوداً في قصر بعبدا برفقة وزير خارجيته ومستشاره بنفس الوقت فيليب تقلا الذي قال عنه فؤاد شهاب: 'من لا يصغي إلى فيليب تقلا يخطئ'. 

إن التاريخ الرئاسي اللبناني تؤكد تجاربه أن استنساخ تجارب الرؤساء السابقين بحرفيتها، ليس هو الوصفة المفيدة؛ بل المفيد لحد ما وليس مطلقاً، هو أن يجعل الرئيس الحالي كل الرؤساء السابقين في مواجهة مع الحاضر فيما لو كانوا موجودين فيه الآن وضمن ظروفه الجديدة.. فالسياسة بالنهاية هي الظروف التي غالباً ما تختلف وقلما تكون متشابهة. 

بخلاصة القول ظهر الرئيس جوزاف عون أمس سواء في الجنوب أو في بيروت أنه يريد استعادة المبادرة داخلياً وخارجياً؛ إعلامياً وسياسياً؛ دبلوماسياً وعسكرياً.. ورأس الحكمة لديه تقول 'إذا كان الصمت من فضة فالكلام من ذهب'، وليس العكس كما هو أصل المثل..