رفيق الحريري بلسان طلابه: كان لكل لبنان

على الرغم من التشرذم الحزبي والطائفي الذي تعوّدناه في وطننا لبنان، الذي بلغ ذروته بعد رحيل من كان بمثابة 'بيضة القبان' في الشرق الأوسط، لا يختلف اثنان على أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم يفرّق بين مسلم ومسيحي، أو بين سني وشيعي، ولا أحد يستطيع أن ينكر التقديمات التي أفاض بها على وطنه ومواطنيه، من محبيه ومبغضيه.

موّل رفيق الحريري الكثير من المجالات الاجتماعية والتربوية، وتكفل بتعليم 35 ألف طالب داخل لبنان وخارجه. وأسهمت خطة التعليم التي تبناها في بناء جيل من الشباب من حملة الشهادات العليا في مختلف الاختصاصات، وكان هدفه أن يساهموا في بناء لبنان، بعد سنوات من القتل والدمار، فاتحاً لهم طريق المعرفة والعلم وحب الوطن.

'أنا من كل لبنان'

قبل أن يتعافى لبنان من وعكة الحرب الأهلية التي استمرت 15 سنة، وأعادته مئات السنين إلى الوراء، شخص واحد قرر أن يجعل من طلبة العلم وقوداً يعيد للوطن شعلته.

عام 1984، انطلقت أول بعثة من الطلاب، على خطوط 'طيران الشرق الأوسط'، من مطار بيروت قبل أن يسمّى باسم رفيق الحريري، إلى مطار نيس في فرنسا، وتحديداً إلى جامعة 'السوربون'. وكانت آمال المصري، من ضمن الوفد، الذي ضم طلاباً من مختلف المناطق اللبنانية، وكما تقول لموقع 'لبنان الكبير': 'عندما انتشر خبر أن هناك شخصاً يدعى رفيق الحريري يريد أن يقدّم منحاً تعليمية إلى الخارج لم نصدّق، لأننا لم نكن نعرف من هو، ولا يمكن أن يكون شخص بكل هذه التقديمات حقيقياً'.

ذهبت المصري لتقديم ملفها في 'الرابطة الثقافية' في طرابلس. كان الجو العام مشحوناً بالشائعات التي تقول ان هدف الحريري هو تهجير الشباب والأدمغة من البلد، وان هناك نوايا غامضة. لم تصدّق أنه تم قبول طلبها، بهذه السرعة، وكانت قد تقدمت لدراسة 'تاريخ العمارة'.

تضيف: 'وصلنا إلى المطار، من بيننا من لم يكن معه شنطة سفر، أو جاكيت، ومنا من كان يزور مدينة بيروت والمطار لأول مرّة في حياته'.

وتذكر حادثة حصلت أمامها، مع شاب من البقاع أصبح اليوم طبيب أسنان، اقترب منه شخص غريب وسأله عن حذائه الممزق قائلاً: 'ما عندك غير هالصباط؟'، والكل كان ينظر إلينا نظرات استطلاع.

تؤكد بنبرة مجروحة وهي تحاول حبس دموعها، 'ما حدا أعطاه حقّه، علّمنا أن لبنان واحد'، مشيرة الى أن الرئيس 'لم يكن يقبل أن نختار جامعات كيفما كان، كلّ شي كان يجب أن يكون توب، من أكل ولبس وعلم'.

'ربيت عيلة من وراه'

المهندس خليل الغفري يقول لـ'لبنان الكبير': 'بفضل هالإنسان علّمت أولادي وصاروا دكاترة، لأن رفيق الحريري علّمني'.

ويوضح الغفري 'تقدمت بطلب للعلم في مدينة صيدا عام 1993، ويومها كان الإتفاق على أن اسدد للرئيس المبلغ الذي اقترضته، تعلّمت، واشتغلت وهالإنسان ما طالبني بفرنك'، لافتاً الى أن خبر تعليم الطلاب كان منتشراً بين الناس للتقدم بمنحة قائلين: 'الحريري عم يعلّم طلاب'.

وبعد أن أنهى إختصاصه، عمل الغفري في أحد مشاريع ايلي سلوان، التابعة لشركات الحريري، وهناك كان يرى الشهيد لدى تفقده الورش، ملقياً عليهم التحية قائلاً: 'يعطيكم العافية'.

'سميت ابني رفيق على اسمه'

يشير الدكتور ماهر تحصلدار وهو أستاذ محاضر في كلية ادارة الأعمال، في الجامعة اللبنانية، الى أنه كان من بين دفعة الطلاب التي ضمّت 300 تلميذ، ذهبوا إلى فرنسا، وتوزعوا على مختلف الاختصاصات، في جامعات نخبوية.

ويذكر أن الرئيس الحريري كان يزورهم بصورة دورية، ويستمع إلى مطالبهم ويلبيها على الفور، حتى أنه كان متكفلاً بطبابتهم، ومصروفهم الشخصي، ويخصص لهم رحلات أسبوعية كي يتعرفوا على البلد.

ففي الحرم الجامعي كان طلاب البعثة معروفين باسم 'أولاد الحريري'، كونهم كانوا في جامعة تضم أبناء الأغنياء من مختلف دول العالم، 'وفعلاً كنا نشعر أننا أولاده'.

يضيف: 'لولاه ما كنا قادرين نطلع بطيارة، تعلّمنا، وبفضله علّمنا أولادنا، وسميت ابني رفيق على اسمه'.