اسرائيل تحظر "الجزيرة":تصعيد الحملة على قطر ودورها الفلسطيني

يبدو أن إسرائيل ماضية باتجاه المزيد من تكميم الأفواه وحجب الحقيقة حتى عن مجتمعها، من دون أن تأبه للمواقف الدولية المنددة بممارساتها. وبالتالي، ليس مفاجئاً أن يصادق الكنيست الإسرائيلي على مشروع 'قانون الجزيرة' بالقراءتين الثانية والثالثة، حيث أيد المشروع 71 عضواً بالكنيست، غالبيتهم من اليمين، فيما عارضه عشرة هم النواب العرب.

مضامين القانون.. وثغراته

وينصّ القانون على أنه يجوز لوزير الاتصالات الإسرائيلي، بموافقة رئيس الوزراء، أن يأمر بوقف بث 'قناة أجنبية تبث في إسرائيل وتضر فعلياً بأمن الدولة'. كما يجوز للوزير الإسرائيلي أن يأمر بإغلاق مكاتب القناة، وأن يقرر إزالة الموقع الإلكتروني للقناة، ومصادرة الأجهزة والمعدات التي تستخدم في نقل محتوى 'القناة الأجنبية'. وهو قانون غير محصور في قناة 'الجزيرة'، وإن سُمّي باسمها، بل يستهدف كل قناة تغطي الأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل لا يروق للاحتلال.

وحسب هيئة البث الإسرائيلية، ينتقد العديد من أعضاء الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، القانون، لأنه يحتوي على ثغرة لا تتيح إغلاق بث 'الجزيرة' ومثيلاتها من القنوات عبر الإنترنت، وسيسمح للمراسلين ببث الفيديو من إسرائيل عبر الهاتف النقال، بدلاً من أجهزة البث. ووفق المعطيات، لا يشمل القانون مكاتب 'الجزيرة' والقنوات المستهدفة في الضفة الغربية.

إجراءات بعد مصادقة الكنيست

وتفيد مصادر فلسطينية داخل الخط الأخضر 'المدن' بأنّ القانون بعد مصادقة الكنيست عليه، يحتاج إلى الكثير من الإجراءات، وأن تمريره في الكنيست لا يعني تطبيقه مباشرة، وقد يتم تطبيقه بمجالات معينة، وربما يُؤجل تنفيذه.

مع ذلك، تؤكد المؤشرات كلها أن نتنياهو مصمم على تطبيقه، لكن شكل التطبيق وحجمه ما زال غير واضح.. فهل سيكون التطبيق بإغلاق مكاتب 'الجزيرة'؟ أم بمنع مراسليها وصحافييها من العمل؟ أم بإزالة القناة عن الخوادم؟

والحال أنّ حملة تحريض إسرائيلية على دولة قطر قد استبقت القانون، كما أن التعليق السريع من رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو، على القانون، كلها أمور أظهرت أن مشكلة إسرائيل تتعدى 'الجزيرة'، ومعالجاتها الإعلامية لحرب غزة، ومجمل الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فنتنياهو يتخذها حجة لتسويغ حملة تحريضية وسياسية على قطر، وهي حملة مستمرة، ومتصاعدة في الأشهر الأخيرة، خصوصاً مع مشاركة قطر في الوساطة بالمفاوضات الرامية إلى وقف إطلاق النار في غزة.

غاية سياسية.. بذريعة 'الأمن'

وتؤكد طريقة اهتمام نتنياهو بتمرير القانون، السياق السياسي للموضوع. فهو تحدث بشكل مسبق مع رئيس الائتلاف، أوفير كاتس، وطلب منه التأكد من أن 'قانون الجزيرة' ستتم المصادقة عليه مساء الاثنين في الكنيست بالقراءة الثانية والثالثة، وهو أمر أكده بيان لحزب 'الليكود' الذي يتزعمه نتنياهو.

ويقول المتخصص في الشأن الإسرائيلي، عادل شديد، لـ'المدن'، إن الخطورة تجلت في وصف نتنياهو لـ'الجزيرة' بـ'القناة الإرهابية وبوق حماس، والمشاركة بنشاط في مذبحة 7 أكتوبر'، وهو أمر يعني من الناحية الإجرائية والتقنية أن نتنياهو قد ألزم نفسه بإغلاق 'الجزيرة'.

بدورها، قالت هيئة البث الإسرائيلية إنه، في الأسبوع الثاني من الحرب في غزة، جاء أن جهاز الموساد يؤيد إغلاق قناة 'الجزيرة' في الأراضي المحتلة، بزعم أن 'طواقم القناة تلحق الضرر بأنشطة الجيش الإسرائيلي وتعرض جنوده للخطر، عبر كشف مواقع الجيش أثناء الحرب'..

لكنها مزاعم مضحكة ويائسة، تحاول تل أبيب من خلالها إخفاء مآربها السياسية والدعائية، عبر الترويج لادعاءات غير واقعية، ولا يمكن تصديقها لوجستياً أو ميدانياً. ذلك أن صحافيي 'الجزيرة'، كغيرهم من الصحافيين العاملين في مختلف القنوات، يغطون الحرب وسط ظروف صعبة وخطيرة على حياتهم، وانحصر وجودهم في مستشفيات ومواقع مدنية لا يمكنهم التحرك منها بسهولة، وتركزت تغطيتهم على مجريات حرب الإبادة، والقتل والتدمير للفلسطينيين.

تحريض متصاعد على قطر

وسبقت القانون، حملة دعائية إسرائيلية مرفقة بتحريض كبير على قطر، بسبب وساطتها لمفاوضات تبادل الأسرى بطريقة لم ترُق لإسرائيل، حيث ترغب الأخيرة بأن تشكل عبر 'قانون الجزيرة' ضغطاً على الدوحة كي تقوم بدورها بممارسة ضغط على 'حماس' للقبول بشروط تل أبيب. فضلاً عن أن الاحتلال يريد إبعاد الدوحة عن مشهد غزة، خصوصاً أن قطر ترفض مساعي إسرائيلية لتكريس واقع جديد في غزة، وأي محاولات لفرضه في المفاوضات كبند ثابت في أي اتفاق يتم التوصل إليه، حسبما أكدت مصادر سياسية لـ'المدن'.

وقد غرّد المحلل السياسي الإسرائيلي، يوني بن مناحيم، في منصة 'إكس'، قبل أسبوعين، بشأن غضب إسرائيلي من أميركا، بسبب سماحها لقطر بأن يكون لها دور في ميناء غزة، وهو أمر ترفضه حكومة نتنياهو، تحت عنوان أنها لا تريد 'موطئ قدم لقطر في غزة'.

وبموازاة ذلك، أمعن الاعلام العبري في تلفيق أكاذيب ضد مدير 'المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات'، الدكتور عزمي بشارة، تارة بالادعاء أنه ساهم في صياغة ورقة باريس لتبادل الأسرى، وتارة أخرى بأنه شارك في صياغة بيان 'حماس' بعد هجوم 7 أكتوبر.

تدمير بنى تحتية موّلتها قطر

ويأتي قانون حظر 'الجزيرة'، وحملة التحريض على قطر، بالترافق مع إمعان الاحتلال في تدمير كافة المشاريع التي قامت بها اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، على مدار السنوات الماضية، والتي كلفت ملايين الدولارات. إذ دمّر الاحتلال في حربه المستمرة، 'مدينة الأمل للأسرى' شمالي مخيم النصيرات، و'مدينة حمد' قرب خانيونس، إضافة إلى تدمير شوارع وطرقاً، وغيرها من المشاريع التي موّلتها قطر. ويبدو أن الغاية الإسرائيلية من تدمير هذه المشاريع القطرية هو إطالة أمد إعمار غزة، وربما هي رسالة ابتزاز إلى المانحين، وخصوصاَ قطر.

ثمة مؤشر آخر على الغاية السياسية من وراء 'قانون الجزيرة'، وهو أن نتنياهو تجنب في السابق طرح مسألة إغلاق قناة 'الجزيرة' على طاولة مجلس الوزراء، وادعى مسؤول سياسي إسرائيلي حينها أن 'التعامل مع القانون ليس هو الأهم في الوقت الحالي، وأن القناة ستواصل عملها في قطاع غزة'.