إضراب وكالة الأنباء الرسمية يكشف الإعلام اللبناني

بيروت - ناجي شربل

عند الساعة 12:32 ظهر الأربعاء الماضي، نشرت الوكالة الوطنية للاعلام الرسمية اللبنانية، الخبر الأخير على صفحتها الرسمية الالكترونية ضمن زاوية «متفرقات»، بعنوان: «لجنة العاملين في وزارة الاعلام: بدء الإضراب عن العمل ودعوة الحكومة إلى تصحيح الخطأ في حق القطاع العام». وأرفق الخبر بصورة عن اجتماع ترأسه وزير الاعلام في حكومة تصريف الأعمال م.زياد مكاري، ضم لجنة العاملين في وزارة الاعلام.

غياب أخبار الوكالة كشف فراغات بمساحة كبيرة في الاعلام اللبناني، بتدني منسوب عدد الأخبار في المواقع الالكترونية، وغياب أخبار المناطق اللبنانية عن وسائل الاعلام بكافة أنواعها، واقتصار خدمة «الخبر العاجل» على العموميات التي يمكن للجميع إدراكها.

والسبب ان الوكالة هي الجسم الأنشط ليس في وزارة الاعلام التي تضم 390 موظفا أكثر من نصفهم يعملون في الوكالة، بل هي الأنشط في كل القطاعات الرسمية للدولة اللبنانية، وتقدم خدمة مجانية غير مدفوعة، من دون طابع مالي رسمي على الأقل.

وللوكالة مكاتب في بلدان الانتشار، تتوزع بين «البلد الأبعد» أوستراليا (في سيدني) وكندا وإيطاليا وسورية، وهي المصدر الرسمي الوحيد للأخبار في لبنان، وتستقي منه وسائل الاعلام اللبنانية أخبارها.

يحضر العاملون في الوكالة يوميا إلى مقرها في مبنى وزارتي الاعلام والسياحة في الصنائع، يتقدمهم مديرها الشاب الزميل (المرجع اللغوي) زياد حرفوش. لا غياب عن العمل، بل إضراب بالمعنى الفعلي، لجسم إعلامي اعتاد تقديم الخدمة سبعة أيام كاملة في الاسبوع بمعدل 20 ساعة في اليوم، دون أخذ عطل لنشرة الوكالة.

أقل من 200 موظف رسمي في الوكالة بين محررين ومندوبين وتقنيين، علما انه يخرج سنويا العشرات منهم لبلوغهم السن القانونية (64 سنة)، في مقابل وقف التوظيف في القطاعات الرسمية للدولة اللبنانية. وتتم الاستعانة بـ «شراء خدمات» من زملاء، باتوا مقتنعين بالعمل مجانا مع عدم تجاوز قيمة عقودهم السنوية عتبة الـ 150 دولارا أميركيا.

الجميع يعملون حبا بالمهنة، ويأخذون المثل الصالح من إدارة الوكالة من رأس هرمها والعاملين كافة، الذين يعملون برواتب زهيدة في غياب التقديمات التي تعينهم على تأمين الحد الأدنى من يوميات الحياة.

مصدر رفيع في الوكالة قال لـ «الأنباء»: «لا عودة إلى العمل في غياب إقرار البدلات العادلة مع مفعول رجعي. لن نعود لقاء وعود».

في الجانب الآخر، يبدو بوضوح تأثر البعض وخصوصا من «أهل السياسة» لغياب الأخبار الخاصة بأنشطتهم. في حين يفتقد الجيل المواظب على قراءة الصحف والذي تحول إلى الاعلام الالكتروني في آن معا، إلى مطالعة «مانشيتات» الصحف اللبنانية والعربية بين السادسة صباحا والسادسة والربع، والتي اعتادت الوكالة بدأ بث أخبارها بها.

باختصار لا صبحيات صحافية بحسب ناشطين اعتادوا بدء يومياتهم بمطالعة أخبار الوكالة قبل الخروج من منازلهم.

والشيء عينه ينسحب على الاعلام الخاص الذي «جفت» مصادره، فقاربت أخباره الشح.

وليس المجال هنا للحديث عن مناقبية العاملين في الوكالة وحرفيتهم، هم الذين خبروا العمل تحت الضغط. هم الذين يؤمنون مياه الشرب وتلك الخاصة بالنظافة في دورات المياه، ويدفع كبار المسؤولين فيها من جيوبهم ثمن تصليح أجهزة التبريد ويشترون مستلزمات الضيافة وغيرها، لا بل يدفعون ثمن تغيير مصابيح الإنارة في المكاتب. وأكثر من ذلك، تقدم الوكالة خدمة بثلاث لغات هي العربية والفرنسية والانجليزية، وتشكل مرجعا لغويا فيها كلها.

الصورة الجميلة عن الإدارات الرسمية للدولة اللبنانية متوقفة. وكالة يتمثل بها القطاع الخاص إعلاميا وغيره، ويحاول الاقتداء بها من دون التفكير حتى بمنافستها، لما بلغت من مكانة راقية خارجيا وإقليميا ومحليا.