اخبار لبنان
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ٢ تموز ٢٠٢٥
إيران ليست لبنان، لأن لبنان لا يحكمه مرشد واحد، ولا يحتكره حزب أو فقيه. الدولة اللبنانية مهما كانت هشّة، تقوم على التوازن والتعدّد، لا على ولاية مطلقة لرجل دين.
في سياق رسائل موجّهة إلى إسرائيل تحذّرها من خرق اتفاق وقف إطلاق النار، طغت على التصريحات الرسمية في إيران عبارة 'إيران ليست لبنان'، ثم أضيفت إليها سوريا، على رغم أن لبنان وسوريا أيضاً لم يعودا طرفاً في حروبها. وعلى مدى ثلاثة أيّام متتالية تحوّلت هذه العبارة إلى 'ردّة'… ومن الذي افتتح الردّة؟ هو بالطبع وزير الخارجية عباس عراقجي الذي قال: 'إيران ليست لبنان وأيّ اعتداء سيُقابل بردّ فوري'. لتتبعه في اليوم التالي المتحدّثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني بقولها: 'إيران ليست لبنان ونحن مستعدّون لكلّ السيناريوهات'. ثم يليهما في اليوم الثالث، النائب السابق علي مطهري الذي أضاف سوريا إلى 'الردّة' بقوله: 'إيران ليست كسوريا أو لبنان بحيث تستطيع إسرائيل الهيمنة عليها بسهولة'.
بدت الجملة للوهلة الأولى تعبيراً عن السيادة الوطنية الإيرانية، لكن في عمقها تحمل مفارقة فادحة بل ومهينة: إيران التي لم توفّر جهداً في تحويل لبنان إلى ساحة مواجهة بالوكالة، تنأى اليوم بنفسها عنه، وكأنها لم تكن يوماً جزءاً من العابثين بمصير هذا البلد الصغير.
لأكثر من عقدين، موّلت إيران الميليشيا الأقوى في لبنان، سلّحتها، وثبّتت منطق 'الردّ من لبنان'، وساهمت في إضعاف الدولة ومؤسّساتها. ومع كلّ أزمة، كانت 'وحدة الجبهات' تُرفع شعاراً دفاعياً. أمّا اليوم، حين باتت إيران هي الجبهة، انقلبت المعادلة: مسموح خراب لبنان، ممنوع دمار إيران.
وكأن طهران تقول للبنانيين: أنتم جبهة عند الحاجة، وأنتم عبرة حين نُمسّ نحن.
فهل إيران حقاً ليست لبنان؟ لنتّفق، إنها ليست لبنان.
إيران ليست لبنان، لأن آخر حكم إعدام نُفّذ في لبنان كان في 2004، بينما تتصدّر إيران العالم في الإعدامات، بما يشمل القاصرين والنساء. ومنذ الحرب الأخيرة، تشهد إيران موجة من الإعدامات كأنها تصفية حسابات مع الداخل.
إيران ليست لبنان، لأنه لا توجد مادّة في الدستور اللبناني تحدّد لباس النساء، ولا شرطة تقتل فتاة لأنها أظهرت خصلة من شعرها. أما إيران، فقد جعلت من الحجاب أداة قمع وقتل، كما في حالة مهسا أميني.
إيران ليست لبنان، لأن السجون اللبنانية – بكلّ ما فيها من تردٍّ – لا تضمّ سجناء رأي، في حين تُحكم إيران بقبضة أمنية خانقة، وتمتلئ سجونها بالمثقّفين والمعارضين، من سجن إيفين الذي يسمّيه الإيرانيون 'قعر الجحيم' إلى سجن طهران الكبير وقرجك وورامين وغيرها.
إيران ليست لبنان، لأن الصحافة اللبنانية ما زالت تملك هامشاً من النقد والحرّية. يمكن للصحافي أن يهاجم مسؤولاً ويعود إلى بيته، بينما الصحافي في إيران يصبح 'الخبر' ذاته حين يحيد عن خطّ السلطة.
إيران ليست لبنان، لأن الموساد على رغم خرقه لبنان لكنه لم ينفّذ سوى عمليّة أمنية في لبنان طيلة الحرب الأخيرة، بينما اخترق الآلاف من عناصره إيران، بقنابلهم ومسيّراتهم وما زالوا.
إيران ليست لبنان، لأن لبنان لديه من يغنّيه، غنّت له فيروز: 'يا صغير وبالحق كبير'، أما المغنّون الإيرانيون، فقد نُفوا وسُجنوا، وبعضهم حُكم بالإعدام لمجرّد أغنية احتجاج.
إيران ليست لبنان، لأن لبنان، بكلّ هشاشته، بلد منفتح على تنوّعه ولغاته وثقافاته. لا تخاف سلطته من كردي يتكلّم بلغته، أو من بلوشي أو آذري أو عربي يطلق على أبنائه أسماء من ثقافته.
نعم، إيران ليست لبنان.
لأن لبنان، على ما فيه من أزمات، ما زال بلداً حياً، لا نظاماً متكلّساً. دولة، لا سلطة مرشدة. تعدّدية، لا حكم الفرد الواحد. لبنان لا يزال يتنفّس نقداً وموسيقى وغضباً وأملاً.
وإذا كانت إيران بحاجة إلى أن تُظهر تفوّقها على هذا البلد المنهك، فربما عليها أن تتعلّم منه أولاً.
ملاحظة أخيرة: في لبنان دورات مجّانية في الحرّية… لمن يجرؤ على الإصغاء.