انسحاب هدنة غزة على جنوب لبنان وترقب للمرحلة المقبلة

لم يسمع الجانب الأميركي تطمينات إسرائيلية ولم يقدم نتنياهو أي التزام بشأن الحفاظ على الهدوء على الجبهة الشمالية

في تأكيد واضح لارتباط التطورات العسكرية على الحدود بين إسرائيل ولبنان مع الحرب الدائرة في غزة، انسحبت هدنة الأيام الأربعة بين الحكومة الإسرائيلية و'حماس' على لبنان، فهدأ القصف المتبادل الذي تخطى في الأيام الأخيرة قواعد الاشتباك، وهو المصطلح المتعارف عليه بين الطرفين لوصف العمليات العسكرية الحاصلة، ومن المتوقع أن تتحرك جبهة الجنوب مجدداً بعد انتهاء الهدنة، كما لا يزال سيناريو التصعيد قائماً والاحتمال كبير بأن يتطور القتال أو يتدحرج إلى حرب شاملة واسعة. ويعزز هذه الفرضية إيفاد الرئيس الأميركي جو بايدن مندوبه الخاص آموس هوكشتاين إلى تل أبيب، إضافة إلى زيارة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان لبنان، والزيارتان المنفصلتان حملتا عنواناً واحداً هو التهدئة في جنوب لبنان، حيث تولى الجانب الأميركي الضغط على إسرائيل لعدم تنفيذ نواياها في توسيع الحرب باتجاه لبنان وتنفيذ ضربة على 'حزب الله'، فيما تولى الوزير الإيراني ضبط إيقاع تصرفات الحزب في الجنوب والدعوة إلى ضبط النفس والالتزام بحدود الاشتباكات كما حصل حتى الآن، وفي خلفية الموقف الإيراني تخوف من أن يؤدي التصعيد إلى تدمير البنى التحتية لـ'حزب الله'، بالتالي خسارة موقعها على طاولة المفاوضات إن خسرت ورقتها في لبنان، خصوصاً أن مفاوضات الهدنة كانت إيران خارجها واقتصرت على قطر و'حماس' ومصر.

إسرائيل تدفع إلى العودة إلى ما قبل 2006

لم يسمع الجانب الأميركي تطمينات إسرائيلية، ولم يقدم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، خلال اتصال هاتفي تلقاه من الرئيس الأميركي بعد مغادرة هوكشتاين تل أبيب، أي التزام بشأن الحفاظ على الهدوء على الجبهة الشمالية مع لبنان، وكشفت مصادر دبلوماسية عن أن إسرائيل تشترط تنفيذ القرار الدولي 1701 وانسحاب 'حزب الله' من منطقة شمال نهر الليطاني التي يجب أن تكون خالية من أي سلاح، والعودة إلى حدود ما قبل حرب يوليو (تموز) عام 2006.

ونقلت أكثر من جهة دولية وأوروبية من بينها فرنسا إلى الحزب أخيراً رسالة إسرائيلية تهديدية مفادها 'يا بتمشي بالـ 1701 أو بتمشي'. وينقل أكثر من موفد غربي زار تل أبيب أنه سمع كلاماً واضحاً بأن سياسة 'الاحتواء من دون السيطرة' التي اتبعت في غزة مع 'حماس' لم تنجح، ولن تكررها في لبنان مع 'حزب الله'، ولن تبقى تتفرج على تعزيز الحزب ترسانته العسكرية حتى يعود ويستخدمها ضدها، ولم يخف نتنياهو إعلانه، قبيل الهدنة، أن الحرب مستمرة وسينتقل إلى تكتيك مختلف.

حسابات إيران مختلفة

وعلى رغم اعلان وزير خارجية إيران من بيروت أنها 'إذا استمرت جرائم الحرب والإبادة الجماعية الإسرائيلية فسينفذ سيناريو المقاومة الأكثر صرامة وتعقيداً'، تؤكد المصادر المطلعة على الموقف الإيراني أن التناغم الدولي الحاصل حول ضرورة تنفيذ القرار الدولي سيجعل من الـ 1701 موضوع تفاوض جدي بين الأميركيين والإيرانيين، وترى المصادر نفسها أن الحزب سيلتزم الهدوء، وهو لا يملك ترف فرض الشروط، وأقصى تمنياته أن تبقى المواجهة محصورة ضمن السقف الذي حدد لها حتى الآن. وتكشف المصادر الدبلوماسية عن أن إيران التي وقعت في القمة الإسلامية في الرياض على مجموعة قرارات منسجمة مع القرارات الدولية ومنها الـ 1701، وتمايزت عن 'حماس' في موافقتها على حل الدولتين ومنح القرار الفلسطيني للسلطة الفلسطينية، قد توافق أيضاً على الاقتراح القائم بإلزام إسرائيل تنفيذ الـ 1701 مقابل انسحاب 'حزب الله' مع سلاحه من منطقة شمال الليطاني وإعطاء دور جديد فاعل للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان بمؤازرة الجيش اللبناني، لكن هناك من يؤكد أن هذا الأمر لا يزال حتى الآن في إطار التكهنات.

فمنذ أيام كشف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي عن أن مجموعة 'فاغنر' الروسية تستعد لتعزيز الدفاعات الجوية لـ'حزب الله' اللبناني أو النظام في طهران، في إطار تعاون دفاعي غير مسبوق بين خصمي الولايات المتحدة كما قال، كاشفاً أيضاً عن أن 'فاغنر'، بتوجيه من الحكومة الروسية كانت تستعد لتوفير قدرة دفاع جوي إما لـ 'حزب الله' وإما لإيران، وفي هذه المعلومات، تأكيد بأن طهران ومعها 'حزب الله'، وفق تصريح المسؤول الأميركي، يستعدان لكل الاحتمالات ومن بينها مواجهة تصعيد إسرائيلي باتجاه لبنان، وهناك من يستبعد أن ترضخ طهران ومعها 'حزب الله' إلى مطلب الانسحاب حتى جنوب الليطاني، لأن أي مبادرة إيجابية أو أي إظهار إيراني لحسن نيتها، لن يكون بخطوة لا عودة عنها، والانسحاب تطبيقاً للقرار 1701 لا يمكن العودة عنه في مرحلة لاحقة إذا عادت الأمور إلى نقطة الصفر والمواجهة مجدداً، بالتالي يمكن في الحد الأقصى وقف الاشتباك من دون أي انسحاب، أو سحب بعض المجموعات وإبقاء أخرى، لكن بشكل غير ظاهر عسكرياً في سيناريو شبيه بسيناريو اليمن مع الحوثيين، الذين عادوا إلى جهوزيتهم عندما أرادت طهران، فأطلقوا الصواريخ باتجاه تل أبيب واحتجزوا سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر.

المعارضة تحذر 'حزب الله'

وفي خضم القلق من احتمال توسع الحرب جنوباً، برز موقف لرئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع اعتبر فيه أن إصرار 'حزب الله' على سلاحه ودوره ليس موضع إجماع لبناني، ودعاه إلى احترام إرادة الذين لا يجدون أي فائدة في ما يفعله، واعتبر جعجع أن استخدام الحزب بعض القرى اللبنانية الحدودية في أقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون (جنوب)  منصة لإطلاق صواريخه أمر مرفوض، فضلاً عن أن أكثرية أهالي هذه القرى لا تؤيده كما لا توافق على طريقة عمله التي تهدد بتهجيرها من قراها.

وكان 'حزب الله' أطلق، قبل ساعات من بدء سريان الهدنة في غزة، صواريخ اعترضتها القبة الحديدية الإسرائيلية فسقطت في بلدة عين إبل الجنوبية وأوقعت أضراراً في أحد المنازل، وأوضح عضو تكتل 'القوات اللبنانية' النائب بيار بو عاصي أن موقف جعجع ينطلق من موقف حزب 'القوات اللبنانية' الرافض بالمطلق وجود 'حزب الله' المسلح ولا يعترف بحقه بحمل السلاح، وثانياً 'يعتبر حزب القوات أن المناوشات التي يخوضها 'حزب الله' في الجنوب والاحتقان القائم في المنطقة يمكن أن يجر لبنان إلى حرب مدمرة، و'حزب الله' لم يستشر أحداً في هذه الحرب والدستور اللبناني واضح في أن قرار الحرب والسلم يتخذ من قبل الحكومة اللبنانية ويحتاج لأكثرية الثلثين'، واعتبر بو عاصي أن أي خطأ سيدفع ثمنه في البداية الجنوب وثانياً الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع وكل لبنان، كما حصل عام 2006، وأكد أن كلام جعجع تضمن ضمناً قلقاً على القرى المسيحية التي يتقصد 'حزب الله' استخدامها منصة لإطلاق الصواريخ منها وفي ذلك تخطيط لتهجير أبنائها.

حماية لبنان لا تكون إلا بتطبيق الـ 1701

من جهته، أكد النائب ميشال معوض (أحد مرشحي المعارضة لرئاسة الجمهورية) أن موقف المعارضة واضح من القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في أن تكون له دولة، والمدخل لذلك هو في الحل السياسي وليس العسكري، ورفض معوض مبدأ تحويل لبنان إلى ساحة صراع تحت شعار توحيد الساحات مشدداً على أن الأولوية هي لحماية لبنان، والعنوان الوحيد لحماية لبنان ليس في نوايا 'حزب الله' والميليشيات التي 'تفرخ' بشكل مفاجئ في الجنوب، إنما في التطبيق الكامل والجدي لـ 1701، حتى نضمن بقاءنا تحت المظلة الدستورية والدولية، واعتبر أن تطبيق هذا القرار الدولي غير قابل للتفسير بحيث يفرض وقف الأعمال الحربية وعدم وجود أي مسلح ضمن منطقة شمال الليطاني ونشر الجيش اللبناني والقوات الدولية.

وإذ رأى ألا مؤشرات حتى الآن إلى أن 'حزب الله' سيطبق هذا القرار، اعتبر معوض أن ما يسمى بقواعد الاشتباك، هو خروج عنه ولحسابات غير لبنانية، إنما إيرانية وإسرائيلية، وأكد أن لبنان يدفع ثمن الحرب المحدودة القائمة حالياً عبر قتل مواطنين لبنانيين وإعلاميين وتهجير عشرات الآلاف من قراهم وتراجع الوضع الاقتصادي، وطالب بألا تتحول هذه الحرب المحدودة إلى شاملة والعودة إلى الـ 1701، وعودة القرار إلى الدولة اللبنانية.