×



klyoum.com
lebanon
لبنان  ٤ حزيران ٢٠٢٤ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

klyoum.com
lebanon
لبنان  ٤ حزيران ٢٠٢٤ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

موقع كل يوم »

اخبار لبنان

»سياسة» اندبندنت عربية»

داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا

اندبندنت عربية
times

نشر بتاريخ:  الأربعاء ١٥ أيار ٢٠٢٤ - ١٥:٢٥

داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا

داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا

اخبار لبنان

موقع كل يوم -

اندبندنت عربية


نشر بتاريخ:  ١٥ أيار ٢٠٢٤ 

يسلكون طرقا ومعابر غير شرعية بين البلدين ويعتمدون أساليب مختلفة للتخفي ويبدلون أرقامهم كل بضعة أيام كنوع من الاحتراز الأمني

على رغم مضي 13 عاماً على الحرب السورية التي بدأت أواسط مارس (آذار) 2011، إلا أن تدفق المهاجرين السوريين إلى خارج بلادهم ما زال مستمراً بصورة شرعية أو غير شرعية ويستمد غرابته من أنه اشتد مع انتهاء سنوات الحرب العجاف القاسية قرابة منتصف عام 2018، واندحار المعارك إلى خارج المدن الرئيسة واتضاح خريطة السيطرة الميدانية والعسكرية لمجمل الأطراف.

تشكك بعض مراكز الأبحاث والتقارير الصحافية في الرقم الذي تورده الأمم المتحدة حول تعداد اللاجئين والمهاجرين السوريين خارج بلادهم، إذ تقول الأمم المتحدة إنهم بحدود 7 ملايين شخص، فيما ترى مصادر أخرى أن الرقم أكبر بكثير، وغالباً ما دفعت ثمنه دول الجوار بصورة رئيسة أكثر من غيرها، خصوصاً الجارة اللبنانية، الخاصرة الغربية لسوريا التي يقطنها اليوم مليوني نازح سوري، أي نصف تعداد سكان البلد المستضيف الأساسيين.

لبنان الوجهة الأفضل

دفعت كل دول الجوار القريب ثمناً مباشراً للحرب السورية مثل تركيا والعراق والأردن ولبنان، لكن الفرق أن البلد الأخير لم يكُن في وضع يحتمل ذلك الزخم البشري الهائل.

وعلى رغم سلسلة الانهيارات المالية التي عاناها والفراغ الرئاسي، مروراً بانفجار مرفأ بيروت وكل الإشكالات الأمنية والعسكرية والسياسية، ما زال لبنان حتى اليوم الوجهة المفضلة للسوريين الهاربين بطريقة غير شرعية لجملة أسباب، أولها أن الدخول إليه تهريباً أيسر من الدخول إلى العراق أو تركيا أو الأردن، ولأن الزخم البشري الأساسي الهارب إلى هناك آت من مناطق سيطرة النظام المتصلة بالأراضي اللبنانية عبر محافظات سورية عدة منها طرطوس وحمص ودمشق وريفها.

وثاني تلك الأسباب أن المهاجر من الداخل السوري ومروره في إدلب أو ريف حلب نحو تركيا عبر مناطق سيطرة 'هيئة تحرير الشام' (جبهة النصرة سابقاً) والجيش الوطني المدعوم من تركيا، يكاد يكون مستحيلاً، فالمرور من الداخل إلى الشمال قد يعني اللاعودة.

أما ثالث الأسباب، فهو تمكن من هم في المناطق الشمالية من العبور إلى مناطق الحكومة وفق منهج التسويات السائد منذ أعوام، وبذلك تصبح الأمور عكسية، من في الشمال يعبر إلى الداخل ومن ثم إلى لبنان، ومن في الداخل لا يستطيع الوصول إلى الشمال بسهولة، وبكل الأحوال فإن العبور من الشمال السوري إلى تركيا يصبح يوماً بعد آخر 'مغامرة قاتلة'، بحسب متابعين.

والسبب الرابع يحاكي ما سبقه، وهو تمكن الأكراد أو العرب المقيمين في مناطق نفوذهم الواسعة شمال سوريا وشمال شرقها من العبور إلى الداخل أيضاً عبر الطرقات البرية، ما لم تكُن هناك أحكام قضائية أو غيرها تتعلق بالإرهاب في حقهم، وبالعموم فالطرقات مفتوحة من اتجاه دير الزور شرقاً إلى تدمر فحمص أو دمشق وبقية محافظات الداخل.

طريق واحد سالك

في الشمال تطلق الجندرما التركية نيرانها بلا هوادة على عابري الحدود تسللاً، وفي الجنوب ينفذ الأردن انتشاراً واسعاً واستنفاراً متواصلاً في إطار مكافحة عمليات تهريب المخدرات، حتى بات كل شيء متحرك هدفاً. وإلى العراق شرقاً، فالحدود هناك بأكملها منطقة عسكرية تكاد تكون شبه مغلقة على طول الخط الذي يسيطر عليه الأكراد شمالاً والأميركيون جنوباً عبر قاعدة التنف ومقاتلون محليون وبينهما منطقة نفوذ سورية – إيرانية.

ولكن لماذا لبنان، ولماذا يغامر السوريون بالمرور تهريباً إلى هناك، ولماذا يقصدون هذا البلد تحديداً مع أنهم يدركون جيداً أن البلد منهار اقتصادياً وأهله يسعون جاهدين إلى تأمين تأشيرة سفر للعمل في الخارج.

يعلم السوري أنه لن يجد عملاً ولن يجني كثيراً من المال في لبنان هذه الأيام، إذاً لماذا الهجرة اليومية مستمرة؟ وهذا السؤال استدعى البحث مطولاً خلف مهاجرين كان الوصول إلى معظمهم صعباً، فخلال رحلات أولئك الناس لا وقت لديهم للحديث عن مخططاتهم، ولكن بالضبط كما يمكن التوقع الهدف ليس الهجرة من محرقة إلى أخرى.

ما السر في لبنان؟

بعد بحث مطول تمكّنا من حصر أسباب تلك الهجرة نحو لبنان بسببين رئيسين ومركزيين، يتقاطعان مع بعضهما بعضاً، الأول الهروب من أحكام قضائية وجنائية وأمنية.

والثاني وهو الأبرز، يشمل أولئك الراغبين في اتخاذ لبنان خطوة أولى على طريق هجرتهم إلى أوروبا، وبعد أن تسيّدت تركيا لعقد ويزيد الطريق الأهم للعبور نحو أوروبا، ومع شبه استحالة عبورها اليوم إلى الحلم الأوروبي، وجد السوريون طريقاً آخر، أبعد وأطول وربما أخطر، ولكنه يظل طريقاً محتملاً، وهذا الطريق يبدأ من لبنان.

السببان الرئيسان يتقاطعان لأن حتى المطلوبين لن يظلوا في لبنان ينتظرون اتفاقاً أمنياً يسلمهم إلى بلدهم، أو الموت جوعاً، فسيلتقون في الطريق مع الوافدين بهدف الهجرة، ومعاً يبحثون عن القارب الذي سينقلهم إلى البر الأفريقي الشمالي، إلى ليبيا تحديداً، ليبيا التي صارت تورّد المهاجرين إلى القارة العجوز بقوارب الموت اليومية.

سوريا _ لبنان _ ليبيا _ أوروبا

المهاجرون غير الشرعيين من سوريين أو غيرهم يعرفون كيف يشقون طريقهم بحراً إلى ليبيا من نواحي طرابلس شمال لبنان، ومن يقصد سيعرف كيف يجد مهربين هناك، فيما يستفيد آخرون وهؤلاء أصحاب الحظ السعيد من التوجه إلى ليبيا عبر مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، وهناك تبدأ الرحلة، رحلة الهجرة بحراً بقوارب ربما لا تصلح لصيد الأسماك الصغيرة في بعض الأحيان.

ولأن ملف الهجرة من ليبيا إلى إيطاليا واليونان شائك ومعقد للغاية ويتطلب بحثاً آخر أكثر تدقيقاً ومتابعة، فلربما يمكن الاكتفاء بذكر معلومات رئيسة وبأن تلك الرحلة البحرية ستكلف المهاجر ما بين 3 إلى 6 آلاف دولار، تبعاً للموسم ونوعية القارب وخبرة المهرب نفسه، وبالتأكيد فإن احتمالية الغرق أكبر بكثير من احتمالية الوصول سالمين.

كذلك لا بد من الإشارة إلى أن سوريين اثنين كانا عرابَي نقل مئات المهاجرين من ليبيا إلى أوروبا، قبل أن تعتقلهما السلطات اللبنانية خلال عملية أمنية داخل أراضيها أواخر عام 2023، لذا صار السوري وبحسب متابعين لملف هؤلاء، 'هارباً ومهرباً، احترف اللعبة وامتلك مفاتيحها، وخلق عصابات التهريب على الحدود الداخلية للبلاد'.

دمشق وطرطوس 'خارج خدمة التهريب'

يصل أحياناً تعداد المهاجرين غير الشرعيين عبر المعابر الترابية غير الرسمية بين سوريا ولبنان إلى العشرات يومياً، يزيد أو ينقص هذا الرقم ربما تبعاً لعوامل متعددة، ومن المحتمل ألا يكون يومياً في بعض الحالات التي تشتد فيها الرقابة وتضيق أفق المرور من خلال الطرق غير الشرعية، ويمكن القول إن المهاجرين لا يختارون المرور من ريف دمشق إلى لبنان، أو بعبارة أصح لا تنشط مجموعات التهريب في تلك المناطق.

يمكن إرجاع تلك الخصوصية في حدود دمشق إلى أنها حدود العاصمة التي لم يكن مسموحاً التلاعب بها خلال عمر الحرب، فظلّت قوات النظام تمسك الطوق باتجاه لبنان بإحكام عبر 'قوات عسكرية منتشرة بكثافة ومتهيئة لضبط المشهد والتعامل مع أي خرق محتمل'.

طرطوس بدورها ظلّت بعيدة من الحرب مرتاحة في إدارة شؤونها الأمنية والإدارية والاجتماعية، وتمكنت من ضبط حدودها ومعابرها الرسمية من اتجاه الجنوب نحو شمال لبنان بصورة كبيرة، فبرزت حمص كواجهة التهريب المثلى وهي التي كانت أمّ المعارك لأعوام طويلة وسيدة الانفلات الأمني وصاحبة الدمار الأكبر على مستوى المدن وتعداد القتلى الأعلى أيضاً.

القصة كلها في حمص

تلك الأعوام الصعبة في حمص أسهمت في تكوين مفرزات حرب بشرية على صورة مجموعات، كل منها اختار طريقه في إثارة الشغب وتحقيق الإثراء غير المشروع والمحاسب عليه قانوناً تحت بند استغلال ظروف الحرب للخروج عن سلطة الدولة وما ينص عليه الدستور السوري وقوانين العقوبات المعمول بها في هذا الإطار، ومن بين تلك الممارسات كان تشكيل عصابات السلب والجرائم الموصوفة والخطف وتهريب الأشخاص.

التفلت النسبي والجزئي على امتداد الحدود السورية - اللبنانية غرب حمص (من اتجاه وادي خالد وسهل عكار شمالاً وصولاً إلى القاع والهرمل جنوباً في لبنان وما يقابلها في سوريا من محيط تلكلخ إلى القصير جنوباً)، عززته الكثافة السكانية العالية جداً، مما أسهم في تكوين بيئة مناسبة لنشوء جماعات امتهنت تهريب الأشخاص، مستفيدة من سهولة التضاريس في تلك المناطق ومعرفتها بطرقات التهريب من فترات ترجع إلى ما قبل الحرب، إضافة إلى تنسيقها مع أشخاص في الداخل اللبناني.

كيف تتم عملية تنسيق التهريب؟

عادة ما تتم عملية التهريب بعيد اتفاق مسبق وحذر بين المهرب وصاحب الطلب، ويبدل المهربون أرقامهم كل بضعة أيام كنوع من الاحتراز الأمني، وأحياناً يحملون أرقاماً أوروبية أو تركية أو لبنانية أو سورية، وتعتبر الأخيرة مخاطرة نوعية ولكنها تكون حلاً اضطرارياً وظرفياً في أحيان استثنائية.

بعد الاتفاق بين الهارب والمهرب عبر خدمة 'واتساب' حصراً، يطلب من الهارب أن يجهز نفسه في أي وقت لاتصال مباغت كي يحضر نفسه فوراً ليكون موجوداً في منطقة تُحدد من قبل المهرب، وهناك تقلّه سيارة إلى منطقة قريبة من الحدود، وتلك المنطقة تختلف بين مهرب وآخر وبين وقت وآخر أيضاً.

أحياناً يتجمع في تلك النقطة (منزل أو مزرعة أو مجرد غرفة في أرض زراعية – خارج المدينة)، أكثر من هارب غير شرعي، ومن الممكن أن يصل عددهم إلى 10 أو 15، وربما يزيدون على ذلك فيجري نقلهم على دفعات إذا كانت الظروف ملائمة.

لا أخطار تذكر

أحياناً قد يظل الهاربون في نقطة التجمع تلك إن كانت الأحوال الجوية سيئة للغاية، أو إن كانت هناك دوريات حدودية مكثفة سورية أو لبنانية، وإن كان المهربون يفكرون في أمور أخرى مثل الحصول على أموال إضافية من الهاربين لتسريع عملية نقلهم، وإذا كانت مجموعة مفترضة ظلّت أياماً في تلك النقطة فهذا لا يعني أن مجموعات أخرى لم تعبر الحدود، وأيضاً يكون ذلك تبعاً للمجموعة المسؤولة عن التهريب وطريقة عملها.

إذا كانت مجموعات التهريب صادقة مع الهاربين بصورة عامة فلن تكون هناك أية أخطار تذكر، والجانبان السوري واللبناني لن يطلقا النار على أهداف بشرية غير مسلحة من المعلوم أنها تحاول العبور في إطار هجرة غير شرعية، وبمعزل عن ذلك، فالمهربون يعرفون طرقاتهم التي لا تمرّ أمام أعين السلطتين في البلدين.

ومن ناحية أخرى، ليس على المهاجرين المرور بتضاريس معقدة، فالحدود بين البلدين من اتجاه حمص تبدو شبه منبسطة وهي عبارة عن أراضٍ زراعية متصلة وأبعد منها بقليل تلال منخفضة، مع بعض السواتر البسيطة قليلة الارتفاع والأنفاق القليلة التي لا تعوق المرور والحركة في نقاط معينة.

يتم التهريب عموماً عبر دراجات نارية قادرة على السير بمرونة وسلاسة في هذه البيئة، وتستطيع المناورة في ظل الظروف الجوية المتنوعة، وكذلك فإن عبور الدراجات يكون سريعاً ولا يلفت الانتباه كما الحال بالنسبة إلى السيارات، أو في حالات العبور الجماعي، فيتم تأمين مجموعة دراجات لنقل المهاجرين، ويعود للمهرب قرار تحديد المدة الزمنية الفاصلة بين عبور دراجة وأخرى، لتظلّ الأمور في سياقها المضمون.

التواصل المباشر مع المهربين

لاستكمال فهم ملف التهريب غير الشرعي، كان لا بد من التواصل مباشرة مع مهرب يمتلك مجموعته الخاصة في إحدى قرى ريف حمص الغربي، فتواصلنا معه عبر خدمة 'واتساب' بعد الحصول على رقمه عن طريق شخص تربطه صلة معرفة بذلك المهرب، طالباً ألا يُذكر اسمه.

كان الحديث مع المهرب سريعاً وخاطفاً، بدا كشخص مشغول للغاية ومعتاد على الرد بالأجوبة ذاتها عن أسئلة مكررة بالنسبة إليه وكأنه 'مجيبٌ آلي'، وسألنا عن مكان وجودنا وفي أي حي بالضبط، فكان الجواب حمص، اخترنا المحافظة الأقرب إليه ليسير الحوار من دون مماطلة وتعقيد، قبل أن يسأل متى تريد أن تكون في لبنان، فطلبنا أن يكون ذلك خلال أسبوع لا أكثر، فاكتفى بالقول 'انتظر اتصالاً خلال يومين وعليك أن تكون حاضراً فوراً وأنا أعرف كيف أنقلك إلى منطقة التجمع قبل التوجه للبنان'.

كان حريصاً جداً حول إعطاء أية معلومات إضافية، ولكنه في الوقت ذاته لم يسأل كيف حصلنا على رقمه، وفشلت كل محاولات إطالة الحديث معه قدر المستطاع، وكان يبدو أن آخر معلومة سنحصل عليها هي أنه سيتقاضى مبلغ 150 دولاراً لقاء عملية التهريب.

تغيّر في الاتفاق

ولأن فرصة محاورة مهرب متمرس لا تتكرر كل يوم، كان لا بد من محاولة جرّه بأي طريقة لتقديم أي تفصيل إضافي، كتبنا له على 'واتساب' التالي 'هناك تفصيل إضافي، لست وحدي أخي أيضاً يود العبور، ولكن أنا عليّ مشكلات في سوريا'، فأجاب فوراً 'مشكلات أمنية أم إرهاب أم قضائية؟'، فكان الجواب 'أنا مطلوب قضائياً بجرم سجن لمدة عام بسبب مشاجرة وسرقة، أما أخي فمجرد طالب جامعي يريد إكمال دراسته وسجله نظيف'.

وردّ المهرب 'الآن اختلف الكلام، وسيختلف الحساب، أخوك هو الذي سيدفع 150 دولاراً، أما أنت فستدفع 800 دولار، انتظر الاتصال ولا تعاود الكتابة لي'، وبالفعل لم يعُد يردّ على الرسائل.

إلا أننا سرعان ما أتلفنا الرقم الذي كنا اشتريناه لهذه الغاية فور انتهاء تلك المحادثة ومن دون انتظار الاتصال المأمول بعد يومين والذي كان سيجيء بالتأكيد، وذلك خوفاً من أي تهديد من قبل هؤلاء لا سيما أنهم مسلحون ومطلوبون أمنياً للسلطات.

على الأرض: بعيداً من عيون المهربين

لاستكمال التحقق من مجمل المعطيات على الأرض، كان لا بد من زيارة القرى الحدودية كثيفة التعداد السكاني وشديدة التداخل التي لم تشهد بمجملها باستثناء تلكلخ والقصير أحداثاً أمنية، وشكلت منطلقاً لحماية الخاصرة الغربية لحمص والممتدة ما بين تلكلخ والقصير، وتلك المنطقة نفسها تعتبر خزاناً بشرياً واسعاً أسهم في مدّ النظام بمقاتلين وعناصر موالية له.

في تلك المناطق لا تعترض بعض الحواجز الأمنية سيارات العابرين، فيما بعضها الآخر يدقق في الهويات، وتنتشر تلك الحواجز بين القرى وعلى الطرق الرئيسة، وتتنوع تبعيتها الأمنية والعسكرية بالمجمل ويبدو التعامل معها سهلاً، ولكن كلما اقتربت أكثر من الحدود كان يزداد التشديد والتدقيق وفحص السيارة ومعرفة الوجهة الدقيقة لها، وفي بعض الأحيان كانت تغلق الطرق ويمنع المرور كما في اتجاه منطقة العريضة المغلقة بالكامل في اتصالها الحدودي مع لبنان.

كان يمكن مقابلة المهربين لولا...

بدا من السهل في لحظة مقابلة مجموعات التهريب تلك، ولكن المؤكد أن العودة من ذلك اللقاء لن تكون مضمونة لو اكتشف أن ذلك اللقاء لأغراض صحافية، تلك كانت النصيحة التي أجمع عليها من تعاون معنا في المنطقة بعد اتصالات مكثفة استغرقت وقتها لتظلّ ممعنة في السرية، فحتى التجوال هناك كان ليكون خطراً بحدّ ذاته لو افتضح الهدف من الزيارة، الهدف الذي يقتضي البحث خلف تلك المجموعات ورؤية معابرهم عن كثب.

وتفاوتت دوافع هؤلاء الأشخاص في التعاون معنا وتزويدنا بالعلومات، أولها 'النخوة القروية' وثانيها رفضهم لممارسات تلك المجموعات التي وصفوها مراراً بـ'المتفلتة' والخطرة والتي تجلب العار لمناطقهم التي لم تحدّ عن منهجها 'الوطني' خلال أعوام الحرب، وثالثاً لثقتهم بالطرف الثالث الذي كان الوسيط بيننا.

كم مجموعة تهريب هناك؟

خَلُصت 'اندبندنت عربية' في المحصلة إلى وجود ثماني مجموعات تهريب رئيسة، يتزعم قائد محلي كلاً منها، ويراوح تعداد كل مجموعة ما بين خمسة و20 شخصاً، ولم يكُن من الصعب الحصول على أسماء بعضهم والبحث في سجلهم الجنائي ليتبين وجود طلبات وإذاعات بحث ونشرات شرطية وأحكام قضائية في حق جميع من بحثنا عنهم، وجاء ذلك ليؤكد ما قاله أهالي تلك القرى عن أولئك المهربين.

جابر اسم مستعار لأحد أعيان كبرى تلك القرى الحدودية التي تشهد نشاطاً في عمليات التهريب غير الشرعي، طلب عدم ذكر اسمه خوفاً على نفسه ورزقه، يقول 'نحن لم نقبل في لحظة وجودهم، ولكنهم من أهالي قرانا، لا ينفذون نشاطات داخل القرى وبصورة علنية فاضحة، هم يتخذون مقار خاصة بهم بعضها محاط بالدشم والسواتر، إنهم أشخاص مسيئون وخطرون للغاية إذا ما تعرضوا لاعتداء، إنهم مسلحون ولا شيء لديهم ليخسروه إذا ما استخدموا السلاح'.

ويضيف أنه 'ستجد بينهم شباناً بأعمار يافعة، وربما غالبيتهم، هؤلاء لا يغادرون مناطق نفوذهم لأنهم مطلوبون وسيتم اعتقالهم بمجرد ابتعادهم من مراكز تحصنهم الأقرب إلى الحدود، ولكن لديهم أناساً يتعاملون معهم في كل مكان وفي كل المدن، يمتلكون شبكات واسعة'.

ويتابع 'لا أقول إنهم يشكلون خطراً على حياتنا بصورة مباشرة، فكما قلت سابقاً جميعنا أبناء منطقة واحدة، وفي القرى تسود الأعراف، والدولة تريدهم وتشتبك معهم في كثير من المواقع، وهي لا توافق على وجودهم ولا ترعاهم وكثيراً ما نسمع أصوات اشتباكات في الجوار. نحن خلال الحرب حافظنا على السلم في مناطقنا، والآن هؤلاء الشباب الصغار أنظر كيف يؤججون الوضع الأمني. وبالمناسبة شباب قرانا الواعون يساندون العمليات الأمنية ضد تلك المجموعات ويسهلون عملها ومرورها'.

نيران متبادلة

فعلياً لا تمتلك تلك المجموعات ارتباطات أو تنظيماً عملياً على الأرض مع أي جهة، فيعملون منفردين حتى إنهم لا ينسقون بين بعضهم بعضاً، كلٌّ يعمل وفق رؤيته من دون أن تتعارض مصالحهم.

وكانت القوات السورية ومن بينها الجهات الأمنية وبعض الكتائب من فرق عسكرية تابعة للجيش السوري وكذلك قوى الجمارك اشتبكت معهم عشرات المرات.

وفي مرات كثيرة كانت المواجهات ضارية وعنيفة وأدت إلى سقوط قتلى، ولكن خبرة المهربين بالطرقات كانت تؤمن لهم أفضلية الانسحاب دائماً باتجاه الأراضي اللبنانية أو باتجاه القرى التي حافظت القوات النظامية على تجنب دخولها عسكرياً.

الدور الأمني: الانجرار إلى المذبحة

مصدر أمني مطلع أوضح في حديث إلى 'اندبندنت عربية' أن عوامل عدة ترتبط بملف مجموعات التهريب تلك، وقال 'الناس أصبحت تعرف من هي تلك المجموعات، فبالتأكيد الجهات الأمنية تعرفهم أيضاً وتمتلك معلومات وافرة حولهم وتعمل على مراقبتهم وتتبّعهم، ولكن أولئك المهربين يتعاطون بحيلة، وفي الوقت ذاته ليسوا ندّاً أو خصماً يجب القلق منه. قواتنا وعلى مدى الساعة على أهبة الاستعداد لمواجهتهم وكمائننا موجودة وأخرى متنقلة ونعمل قدر المستطاع على ضبط الحدود، ونجحنا إلى حدّ ما قياساً بالأعوام السابقة'.

وحول التأخر في حسم الملف نهائياً، أوضح أن 'الدولة لا تريد مجزرة جماعية، بل عملاً أمنياً واعتقلنا في السابق عدداً كبيراً منهم وسنوقف آخرين، واشتبكنا معهم مراراً ونقابل النار بالنار حين يبادرون بذلك'.

ويقول 'لكنهم إما ينسحبون إلى داخل لبنان فيصبح تعقبهم مستحيلاً، وإما يتخذون من الهاربين الذين معهم دروعاً بشرية، أو يهربون باتجاه القرى المجاورة وهو الأسوأ، فلا يمكنك بأي شكل وتحت أي اعتبار أن تقتحم قرية آمنة بقوات مسلحة وتفتح نيران الرشاشات بين بيوتها، فتتحول المهمة من مطاردة مجموعة خارجة عن القانون إلى مذبحة سيُتقن المهربون كيف يجروننا إليها وهم ينتقلون من بيت إلى آخر، مستغلين درايتهم بجغرافيا المكان بدقة، وحصل ذلك في إحدى القرى قبل مدة ولو لم ننسحب لكانت وقعت كارثة'.

وبحسب المصدر فإن القوى الأمنية والعسكرية لا تدخر جهداً للإيقاع بهم جميعاً أو فرادى عبر التنسيق معهم لعمليات تهريب وهمية، على أن يكون مكان وقوع المداهمة بعيداً من أي قرية، وإن كان ذلك على الطرق بين القرى، منوهاً بأن بين تلك المجموعات مجموعات لا تدخر جهداً في استخدام كل ما تملك من ذخيرٍ ونيران متى استشعرت خطراً.

التوسع من التهريب إلى الخطف

بعض تلك المجموعات لم تعُد تكتفي بأجور التوصيل التي تتقاضاها من الهارب، فلم يعُد الأمر يمرّ بسهولة واسعة كما كان قبل أعوام، فالآن احتمال خطف الهارب وطلب فدية يوازي تماماً احتمال وصوله سالماً من دون عوائق.

مازن مختطف سابق لدى إحدى تلك المجموعات، وصل إلى لبنان مطلع الشتاء الماضي بعد أن تواصل مع المهربين وسارت الأمور على ما يرام، وحين أصبح معهم أبلغوه بأنّه مختطف وعلى أهله أن يدفعوا فدية لتحريره وبعدها سيوصلونه إلى لبنان أيضاً، وهذا الأمر صار سلوكا شائعاً ومتنامياً بين تلك المجموعات في الآونة الأخيرة.

مازن يقول إن المجموعة لم تسمح له بالتواصل مع أهله ليبلغهم بأنه مختطف، بل أفهموه أن عليه التواصل مع الوسيط الذي نقله من دمشق إليهم، وفي حال قبل الوسيط دفع الفدية سيتم تحريره.

ويقول مازن 'بدا الأمر غريباً للغاية، لم يسيئوا معاملتي إطلاقاً، كانوا يطعمونني وأجلس معهم، ولكن لم أفهم لماذا لا أتواصل مع أهلي، ولماذا مع الوسيط حصراً لأقنعه، ولماذا عليه أن يقتنع معي؟. فعلت ما أرادوه واتصلوا بالوسيط وأخبرته بأنني مخطوف ويجب أن يدفع مبلغ 700 دولار لقاء تحريري، فقال لي ’أولاد الحرام فعلوها، ما أقذرهم، أنا متعاطف معك وسأدفع المبلغ ولكن لا أستطيع ذلك قبل أن أتواصل مع أهلك وأضمن أنهم سيعطونني المال‘، وبالفعل أعطيته رقم أهلي ليتواصل معهم، ودُفعت الفدية'.

لاحقاً، فهم مازن أن قصة الفدية والوسيط كلها لعبة لئلا تغامر الجماعة الخاطفة بالتواصل المباشر مع أهله الذين يمكن أن يبلغوا الشرطة، فيكتسب الخاطفون جرماً إضافياً وهو الخطف الذي يعاقب عليه بالإعدام وفق مرسوم رئاسي، فتمرّ قصة دفع الفدية عبر حلقة لا أحد فيها يمسك الآخر، إذ إن دور الوسيط هنا إقناع الأهل بأنه معهم في مواجهة أولئك الخاطفين وبأنهم يجب أن يدفعوا سريعاً قبل أن يقتل ولدهم.

يخطفون ولا يقتلون

'اندبندنت عربية' تقفت أثر كثير من حالات الخطف المشابهة التي يقوم فيها الوسيط بدور 'المايسترو'، ولكن اللافت أن أيّاً من عمليات الخطف تلك لم تنتهِ بالقتل مهما كان السبب، ولعل هذا يوضح جزءاً مهماً من سلوكات المهربين الذين يتخذون قصة التهريب كلها كمهنة لا بديل عنها، وهذا بالطبع لا يبرئ سلوك الخطف والتهريب، بحسب أمنيين، ولكنه في الأقل يوضح انتفاء النية الجرمية المسبقة للقتل.

فالمخطوف إذا لم يدفع أحد فديته بعد مضي يومين أو ثلاثة أيام أو أسبوع أو 10 أيام، يطلقون سراحه، ويوصلونه إلى حيث كان الاتفاق معه، وهذا بحسب أمنيين أيضاً، يوضح مدى العقلية الاندفاعية التي يعملون بها والتي تفتقر إلى التنظيم، وأنها مجرد محاولاتٍ لجني أموال إضافية بأيّ طريقة.

الهجرة العكسية

يطفو على سطح عملية التهريب غير الشرعي مشهد آخر يتمثل في الهجرة العكسية، هذه المرة من الأراضي اللبنانية إلى سوريا، وأولئك يمتلكون أسباباً مختلفة، ولكن أبرزها أن الذين خرجوا بطريقة غير شرعية عليهم العودة بطريقة غير شرعية أيضاً، إذ إنه تستحيل عودتهم من المعابر الرسمية ما دام أنهم لم يسجلوا خروجهم من البلد أساساً.

هؤلاء يعودون لزيارة أهلهم مثلاً، أو لقضاء أمرٍ طارئ، وبعضهم يريد إجراء تسويات مع الحكومة، ولهذه الهجرة المعاكسة تسعيرتها المرتفعة التي تبدأ من 1000 دولار وصعوداً.

بين لبنان وسوريا

يصعب بأيّ صورة شرح طبيعة العلاقة بين سوريا ولبنان على مختلف المستويات منذ نشوء الدولتين، وما مرّتا به من تحالفات ونزاعات ومواقف سياسية وعسكرية، ولكن الأكيد أن الحرب السورية أثقلت كاهل لبنان كثيراً وجعلته يدفع أثماناً باهظة، وسط مطالبات تتنامى بضرورة عودة اللاجئين السوريين لبلادهم.

عودة اللاجئين لا تبدو ممكنة أو متاحة في الوقت الحالي، فعودتهم تحتاج إلى بنية تحتية ومشاريع إعادة إعمار فعلية وخدمات واسعة، فإذا كان السوري الذي ما زال في الداخل يفتقد إلى الكهرباء والماء والخدمات، ولا يجد ما يأكله، وتؤكد الأمم المتحدة في كل مناسبة أن نسبة من هم تحت خط الفقر في سوريا بلغت 90 في المئة، فماذا لو عاد المهاجرون، حينها قد تصير النسبة 100 في المئة.

وعدد هؤلاء الـ90 في المئة الذين ما زالوا في سوريا يتراجع يوماً تلو آخر بسبب زيادة الهجرة إلى الخارج.

داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا

أخر اخبار لبنان:

حزب الله يتوعّد اسرائيل بـ"أمرّ وأقصى" هزيمة!

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.

موقع كل يوم
1

أخبار كل يوم

lebanonKlyoum.com is 1677 days old | 4,297,997 Lebanon News Articles | 3,435 Articles in Jun 2024 | 444 Articles Today | from 69 News Sources ~~ last update: 16 min ago
klyoum.com

×

موقع كل يوم


مقالات قمت بزيارتها مؤخرا



داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا - lb
داخل العالم السري لتهريب المهاجرين بين لبنان وسوريا

منذ ٠ ثانية


اخبار لبنان

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.






لايف ستايل