اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ١٧ أيلول ٢٠٢٥
كتبت جويل رياشي في 'الأنباء':
تمتلك الجامعة الأميركية في بيروت واحدا من أغنى الأرشيفات في المنطقة، لكن الاطلاع على محتوياته ظل حتى وقت قريب حكرا على من يتواجد داخل حرم الجامعة. اليوم، تعمل مكتبات الجامعة على مشروع واسع للرقمنة يهدف إلى إتاحة هذا التراث للعالم أجمع. في هذا الإطار، بدأت الكنوز بالتحرر من قيود الورق والجغرافيا، لتصبح متاحة للعالم. ومن أبرز إنجازات المشروع، الانتهاء من رقمنة المجموعة الكاملة من مجلة Berytus Archaeological Studies، التي تعد مرجعا أساسيا في مجال الدراسات الأثرية.
والجدير ذكره ان مجلة Berytus تأسست في العام 1934 في الجامعة الأميركية في بيروت على يد أستاذ علم الآثار البارز هارالد إنغولت، لتكون من أقدم المجلات الأثرية في المنطقة. وعلى مدى عقود، شهدت المجلة تحولات كبيرة، لكنها بقيت وفية لرسالتها في توثيق التراث الأثري في لبنان وسورية والأردن وفلسطين. وقد استمدت اسمها من مدينة بيروت القديمة، ونجحت في الصمود أمام أزمات كبرى، من الحرب العالمية الثانية إلى الحرب الأهلية اللبنانية وصولا إلى الاضطرابات الأخيرة في البلاد، من دون أن تتوقف يوما عن الصدور.
«الأنباء» تحدثت الى إيلي كحالة، مدير المبادرات الرقمية والمنح في مكتبات الجامعة، عن هذا المشروع الذي «ينسجم مع رؤية الجامعة في دعم البحث العلمي والانفتاح الأكاديمي عالميا» ومسار الرقمنة وعن «مجلة Berytus التي تعد من أبرز الدوريات العلمية المتخصصة في علم الآثار والدراسات التاريخية في المنطقة، وهي مرجع أساسي للباحثين محليا ودوليا».
وعن التحديات، قال: «كون مجلة Berytus مجلة تصدرها الجامعة الأميركية في بيروت ساعد كثيرا في تخفيف بعض التحديات، خصوصا من ناحية حقوق النشر، إذ إن ملكية المجلة تعود مباشرة للجامعة. كذلك، وفرت الجامعة جزءا من الموارد البشرية اللازمة عبر فريق المكتبات والمتخصصين في الرقمنة. وبقي التحدي في كون المجلة صدرت على مدى عقود طويلة، وواجهت محطات تاريخية في المنطقة وخصوصا في لبنان، ما أثر في بعض الأعداد. لذلك كان من الضروري أحيانا التحقق مما إذا كانت المجلة قد صدرت بتسلسل منتظم، أم أن التجليد أثر على وضوح هذا التسلسل».
كيف تتم عملية الرقمنة عمليا، خاصة عندما يتعلق الأمر بمجلدات قديمة وهشة تعود إلى عقود طويلة؟
يجيب كحالة: «تبدأ العملية بفحص الحالة الفيزيائية للمجلدات، وإذا وجدت صفحات متضررة أو هشة يتولى فريق الحفظ ترميمها أو تدعيمها لتصبح صالحة للتعامل. بعدها تستخدم أجهزة مسح متطورة وكاميرات عالية الدقة، مع ضبط الإضاءة بعناية لضمان نسخة رقمية واضحة من دون تعريض المجلد لأي ضرر إضافي. تخضع الصور الناتجة لعمليات معالجة تشمل تحسين الجودة، وتصحيح الميل أو الإضاءة، وإزالة الشوائب. ثم يقوم فريق متخصص بمراجعة الملفات الرقمية للتأكد من دقتها والتسلسل الصحيح للصفحات، خصوصا في ظل تحديات مثل مشاكل التجليد أو تفاوت جودة الطباعة بين الإصدارات. وفي المرحلة الأخيرة، تخزن النسخ الرقمية في مستودعات آمنة مزودة بأنظمة نسخ احتياطي، وتتاح عبر منصات المكتبة الرقمية لخدمة الباحثين والطلاب».
من جهة أخرى، يشير كحالة الى ان «دور المكتبات والأرشيفات لا يقتصر على توفير الكتب ومساحات الدراسة، بل يمتد ليكون مستودعا للتراث الثقافي للبشرية ويحتوي على المصادر الأولية للأحداث والوثائق التاريخية. مع بروز العصر الرقمي، تطور دور المكتبة ليشمل مشاريع الرقمنة التي تحفظ هذه الموارد وتجعلها متاحة للجمهور العالمي، إضافة إلى فتح إمكانيات جديدة في مجالات مثل التاريخ الشفهي، والعلوم الإنسانية الرقمية، وغيرها من التخصصات. وفي ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وصيغ الاتصال الرقمية المختلفة، تواجه المكتبات والأرشيفات تحديا إضافيا في الحفاظ على البيانات من الانقراض أو التزوير، لضمان سلامة وأصالة السجل التاريخي».
وعن امكان توسيع التجربة لتشمل مجلات أو مجموعات أرشيفية أخرى في الجامعة، يقول: «من أهم خطط التوسع المستقبلية تعزيز التعاون مع المؤسسات المحلية والدولية لسد الفجوات واستكمال الرقمنة، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات للتوعية بأهمية الأرشيفات وفتح إمكانية إنشاء أرشيفات متخصصة في مجالات محددة مع المجتمع المحلي».