اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
خاص الهديل….
كهرمان مصطفى…
في السياسة، كما في الجغرافيا، لا تبقى المسافات ثابتة.
وبين بكين ودمشق، يبدو أن البرد الطويل بدأ يذوب.
قبل سنوات، كانت الصين تراقب سوريا من بعيد. تزن كل خطوة، وتحتسب كل تصريح. لم تكن تريد أن تغضب واشنطن أو تُغرق شركاتها في رمال العقوبات الغربية. لكن الخريطة تغيّرت، والخطوط التي رسمتها الحروب بدأت تُمحى بهدوء.
الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بكين تبدو في الظاهر برتوكولية؛ ولكن في الجوهر تبدو أنها علامة على أن الشرق يعيد ترتيب بيته، وأن الصين – بثقلها الاقتصادي وصبرها الاستراتيجي – قررت أن تقترب أكثر من الملف السوري.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا الآن؟
منذ مطلع هذا العام، بدا أن الغرب يُعيد حساباته تجاه دمشق.
الولايات المتحدة منحت إعفاءات واسعة من قانون قيصر، ومجلس الشيوخ الأميركي مضى أبعد من ذلك فأدرج في ميزانية الدفاع لعام 2026 بندًا لإلغائه بالكامل.
أما أوروبا، فقد بدأت بتليين لهجتها؛ بريطانيا مثلاً رفعت 'هيئة تحرير الشام' من قائمة الإرهاب، في خطوة فسّرها كثيرون كتمهيد للتعامل مع حكومة الرئيس أحمد الشرع.
هذا الانفتاح النسبي لم يمرّ على بكين مرور الكرام. فما كان بالأمس استثماراً محظوراً، أصبح اليوم فرصة مهيأة.
الشركات الصينية العملاقة، التي اعتادت أن تبني الموانئ والجسور في أقاصي إفريقيا وآسيا، ترى في سوريا سوقاً واعدة لإعادة الإعمار.. سوقا تَعِد بالمكاسب وتمنح لبكين حضوراً سياسياً في قلب المشرق.
بكلمات أخرى، الفراغ الغربي يفتح للصين بوابة الدخول الشرعي إلى لعبة الشرق الأوسط الجديدة.
أنا في الشمال السوري، نفّذ الجيش عملية ضد جماعة جهادية ناطقة بالفرنسية.
الخبر مرّ سريعاً في الإعلام، لكنه لم يمرّ سريعاً في بكين.
فالصين تتابع عن كثب نشاط المقاتلين الإيغور المنتمين إلى 'حزب تركستان الإسلامي'، وتعتبر وجودهم في الشمال السوري خطراً على أمنها القومي.
ومن هنا، بدت العملية السورية كرسالة مزدوجة: إلى الغرب بأن دمشق قادرة على ضبط حدودها، وإلى الصين بأنها شريك أمني موثوق في مرحلة ما بعد الحرب.
وعليه يبدو أن الصين تريد استقراراً يضمن مرور مشاريع 'الحزام والطريق' بسلاسة،
وسوريا تبحث عن شركاء يمدّونها بالأموال والخبرات لإعادة بناء ما دمرته الحرب.
ومن هذا التلاقي بين الحاجة والرغبة، تولد نافذة جديدة: دمشق بحاجة إلى الاستثمار، وبكين إلى النفوذ.
والمعادلة بينهما أبسط مما تبدو.. كل طرف يرى في الآخر فرصة تعويض لما خسره في العقد الماضي.
ومابين الحذر القديم والانفتاح الجديد، تقف العلاقات الصينية – السورية على أعتاب مرحلة دقيقة.
زيارة الشيباني قد تكون بداية دفء سياسي مدروس، أو مجرّد اختبار محدود لنيات الطرفين.
لكن الأكيد أن بكين لم تعد تنظر إلى دمشق كملف متجمّد في ذاكرة الحرب، بل كدولة عائدة إلى الخارطة الدولية من بوابة الشرق.
وإذا ما تحوّل هذا التقارب إلى شراكة حقيقية، فقد نكون أمام فصل جديد في توازنات الشرق الأوسط.. فصل تُكتب صفحاته بلغة الاقتصاد، لا بلغة التحالفات القديمة.











































































